Monday, December 11, 2006

كي لا يحاصروا النصر في لبنان

A Great Article By Dr. Adel Samara. He is a Palestinian author and thinker who lives in Ramallah, The West Bank.

كي لا يحاصروا النصر في لبنان
كما حاصروا الانتفاضة الأولى
د. عادل سمارة

هل يستقيم التقاطع والاستدلال بين الحلم والتحليل النظري؟ قد يتقاطع الحلم والتحليل السياسي، أما الحلم والنظري فأمر أقرب إلى الاعتقاد وليس إلى القياس العلمي. ومع ذلك، يجيز المرء لنفسه أحياناً تحويل النظرية إلى رؤيا. ولكن، ليس شرطاً أن لا تكون هذه الرؤيا بلا اساس مادي.
حينما كانت معركة مخيم جنين عند الإجتياح الصهيوني عام 2002، تجرأت على الكتابة أن وجه العالم سوف يتغير في هذه المنطقة بدءاً من جنين وصولاً إلى بغداد. شعرت بأن هناك حراكاً بركانياً في المنطقة يمتد تحت سطح الأرض فتمور بما يهز الرواسي.
هكذا رأيت صورة الوطن العربي ودوره في قلب وجه العالم . لكن كثيراً من مثقفي التسوية والمتخارجين ثقافوياً اغتالوا صمود جنين ليوظفوه ضد حزب الله بحديث معلن يقلل من القيمة التاريخية لتحرير جنوب لبنان! وفي الحقيقة كان في خلفية هؤلاء محاولة طمس هزيمتهم في لبنان، وذلك التراث الذي خلفوه ورائهم إلى درجة مسح معها التراث الإيجابي للمقاتلين الفلسطينيين من ابناء الطبقات الشعبية وما ألهموا به مقاتلي حزب الله. باختصار، تم توظيف صمود جنين لطعن مشروع المقاومة ايا كانت وممن كانت.
ولم يكتف هؤلاء لاحقاً، بل نظروا إلى سقوط بغداد بكل التشفي الذي يتصوره المرء، وكان الهزء بالنظام العراقي وبرئيسه وجيشه. ولم يتصور هؤلاء القطريون أن العراق سوف يقاوم، وتحديداً الجيش العراقي وحزب البعث نفسه.
إذن، للدفاع عن التسوية كان لا بد من تقزيم انتصار المقاومة. لم ينجح هذا، وبقيت للشعب ذاكرته ووعيه. وظل انتصار حزب الله والمقاومة اللبنانية في القلب والعقل معاً.
واستمرت المقاومة العراقية ضد أكبر واقوى جيش في العالم، وفي مناطق ليست مؤاتية لحرب العصابات، ناهيك عن تكنولوجيا يمكن وصفها بما بعد ما بعد ما بعد الحداثة. وفقد المحتل أعصابه، وأخرج من جعبته كل ما فعله في أميركا الجنوبية على ايدي قواته مباشرة أو القوات شبه النظامية التي طالما تشكلت للقتل والذبح والنهب لإرهاب الشعوب والثوار وتكريه كل بالآخر. وكان ما كان وما يكون اليوم من مذابح في العراق يقوم بها المحتل وأعوانه ومرتزقة دوليين خلقهم النظام الرأسمالي العالمي. ولكن، كان الأهم والأشرف، وهو تقهقر رومان العصر على اسوار بغداد.
ثم كانت حرب لبنان الأخيرة، حرب تجمع لها كل ما لدى الطغيان من قوة وسلاح، صهاينة، وأعاجم أميركيين، وعرب ليسوا عرباً، ولبنانيين ليسوا لبنانيين، ومجلس الأمن، وكل من يكره الإنسانية. وهزموا جميعاً، حلم أم علم، لا أدري، لكنهم هزموا جميعاً.
لكن الأكثر اهمية من الانتصار في الميدان هو ما تلا ذلك، التطور في الخطاب، أو وضوح جوانب جديدة فيه. قاتل حزب الله بالعلم والإيمان، نعم. ولكن خطابه كان مقاتلاً كذلك. فقد اكتسح الطائفية والمذهبية والفتنة. لم يعد حسن نصر الله شيخاً كما أرادوا له. لم يتوقف هذا الخطاب عند حدود طائفة الشيعة في لبنان، رغم ما عانوه من استغلال واضطهاد وقمع وتحقير. وكل من عاش لبنان يعرف ذلك تماماً. حتى بعد النصر، وربما لأنه بعد النصر جاء خطاب حزب الله أرقى.
كان خطاباً للطبقات الشعبية في الوطن العربي. حلمت بالكرامة، فقدمها لها، وحلمت بالنصر فحققه عنها. وحلمت بالعروبة فجاء عربياً، وحلمت بفضح الأنظمة الرسمية فأحرجها واسكتها. لم يعد سهلاً على أحد وصف هذا الخطاب بأنه سلفي، ولا حتى ديني بحت بالمعنى الإيجابي، ولا طائفي ولا قطري. كان الخطاب كالانتصار، عربياً وللطبقات الشعبية العربية. وفي حين حاول الكثيرون أن يعيبوا عليه موقفه من العراق، كان نصر الله واضحاً أن حزبه كان ضد احتلال العراق، وكأنه يقول، أنا براء ممن يتعاونون مع المحتل، مهما كان مذهبهم.
وانتقل لبنان المعارض من حزب الله إلى التيار الوطني الحر، إلى بقية القوى الأخرى، ليبدأ معركة إعادة بناء لبنان. جادل البعض بأن التحرك الجماهيري هذا سوف يحرج حزب الله وأن الحزب وحلفائه سوف يعجزون عن إدارة المعركة الشعبية هذه. هل خاف هؤلاء على المعارضة أم خافوا منها؟
كان لا بد من هذه الحركة الشعبية، ليس فقط لأن الديمقراطية الحقيقية هي التي يمارسها الشعب. فما يجري في لبنان اليوم هو إعادة بنائه بالحماية الشعبية، بل حماية لبنان، لأن الحكومة الحالية ذاهبة باتجاه تحويل لبنان إلى قاعدة عدوان على الأمة، حتى بأسوا بكثير من أدوار سابقة لها. وبدون تحرك المعارضة، كانت الحكومة الحالية سوف تسلم مفاتيح بيروت، مفاتيح النصر والتضحيات للرأسمالية الأميركية والصهيونية والعربية التابعة. قد لا نبالغ بالقول، ان بين تحركها وفوات الأوان كانت اياماً لا أكثر. وحينما يكون التحرك شعبياً لا يحتاج قط لأصوات المتعقلنين، فهم هنا بين متردد ومشبوه. حينما كان البلاشفة من العمال والفلاحين يتقاطرون على مراكز الشرطة في ثورة 1917، كان الكثير من المثقفين يهزؤون بهم وهم يحتسون الفودكا في حانات موسكو، ومن بينهم حتى مكسيم غوركي. لم يتصور هؤلاء أن أبناء العمال والفلاحين سوف يهزمون القيصر الذي هزم المثقفين من الداخل. إن الأمم متشابهة، والتشوهات متشابهة، لم يتصور اباطرة الفساد والتخارج والغربنة أن ابناء "المتاولة" سوف يصمدون لا في بنت جبيل ولا في ساحة الشهداء وساحة رياض الصلح. وكان الأمر اعظم حين غدت هاتين الساحتين معقلاً للمورانة والسنة والشيعة نساء ورجالاً.
وارتفع خطاب السيد حسن نصر الله ليرتقي إلى مستوى الحضورالشعبي اللبناني . حضور سياسي شعبي، لوحة ربيعية ألوانها لبنان ببهائه وجماله من الموارنة، إلى الشيعة إلى السنة إلى أبناء جبل العرب وكل الأطياف لأنه حراك شعبي. كان خطاب نصر الله موجها لكل الأمة العربية والعالم الاسلامي. خطاب تثوير الطبقات الشعبية في المحيط. ضد راس المال. هل قالها أم لا، هذا ليس أمراً مفصلياً. لأن الأمر مطروح جوهرياً لا مظهرياً.
ركز الخطاب ضد الحملة المخابراتية التي تثير التعرات بين السنة والشيعة، وتوزعها على كل الوطن العربي. وكأن هذا الوطن المبتلى لديه متسعاً حتى لهذا الانتحار! وماذا يعني اللاجىء الفلسطيني في سنة وشيعة، أو العراقي الذي يُقتل الناس في بلده بلا عد ولا اكتراث. ما الذي يدفع المصري الجائع والمضطهد في بلد النيل "الخراب" لكي يقاتل الشيعة الأشراف في لبنان أو إيران؟
كان لا بد من هذا الخطاب وهذا التركيز. لأن الذين حرثوا وعي الأمة بالعداء للشيوعية خلال القرن الماضي ليحولوا دون نهضتها، الذين قسموا الوطن إلى قطريات مهتزة، هم الذين يستبدلون الشيوعية بالشيعة، لأنهم يريدون لهذه الأمة ان تبقى ذبيحة إلى الأبد.
قال لي صديق قبل وقت قصير:
- ما رأيك في تحول اناس في فلسطين من سنَّة إلى شيعة؟
- قلت، لم أسمع، لا أعتقد، وإن حصل فهو انتقال من حزب وطني إلى آخر.
إن تغذية هذه الأمور وتضخيمها واختلاقها هو هجمة في غاية الخطورة والنجاسة. هجمة لامتصاص قوة اندفاع المشروع الثوري العربي. فالذين حاصروا الانتفاضة الأولى كي لا تمتد عربياً يحاولون حصر الثورة المنطلقة من لبنان. هم مروعون لا شك، ولكن، لن يفلحوا، او لنقل يجب أن لا يفلحوا. فما معنى هذا؟
معنى هذا أن المواطن العربي يقف اليوم أمام مسؤوليته ليتخلص من السلبية المعهودة في التلقي أو الأتكاء. ليس من حق أحد أن لا يتخذ موقفاً، وأن لا يكون فاعلاً. فالنوايا الحسنة دون فعل ومشاركة هي ايضاً حالة من حالات القطيع. وهل هناك أطيب من نوايا النعاج!
لا يصح السكوت على من يثيرون فتنة طائفية، من يتحدثون باسم السنة، وحماية سنة العراق، وهم انفسهم الذين فتحوا بلدانهم للجيش الأميركي ليضرب النظام العراقي ويهدم العراق. فهل ادركوا انهم سنة اليوم؟ هل يجوز للمواطن ان يسكت على من يتحالف مع إسرائيل وأميركا ضد سوريا وضد إيران ؟
اذا كان هناك من عجب من الساسة والمثقفين الذين يتلهفون على هزيمة المقاومة والممانعة، ويهيمون بالأجنبي، فإن العجب العجاب أن لا تتصدى لهم الطبقات الشعبية. فالفرض هذه المرة فرض عين لا فرض كفاية، بل فرض عين حتى على من لم يبلغ سن القتال.
حينما ذهبوا يجرون الحديد إلى الجنوب، بلغت القلوب الحناجر. لم يدر بخلد محبي المقاومة أن أحداً سوف ينسحب أو يستسلم، وكان ابعد ما ذهبنا إليه الاستشهاد. أما الذين حلموا للمقاومة بالهزيمة والإبادة، فلم يقرأوا بطولة الحسين بن علي، وبالطبع لم يقرأوا بطولة كوميونة باريس. لقد تقمص المقاتلون روح سيد الشهداء "الحسين بن علي" الذي ذهب إلى معركة فيها الاستشهاد محتوماً. استلهموا الاستشهاد ولكن في الوقت نفسه جهزوا ما يحقق النصر فكان لهم.

No comments: