Sunday, November 12, 2006

الرد العربي علي الفيتو الامريكي

عبد الباري عطوان

13/11/2006

كنا نتوقع ان يأتي الرد الرسمي العربي علي اهانة الفيتو الامريكي في مجلس الامن الدولي لاجهاض قرار بادانة المجازر الاسرائيلية في مدينة بيت حانون مختلفا هذه المرة، وينقذ ما تبقي من ماء وجه الزعماء العرب، الذين التزموا الصمت، وتعرضوا لسخرية شعوبهم، بل واهاناتهم بسبب ذلك، ولكن جاء البيان الرسمي الذي صدر في اعقاب اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب مخيبا للآمال ومؤكدا مقولة سعد زغلول الشهيرة غطيني يا صفية مفيش فايدة .
لو كانت مجزرة بيت حانون وقعت في افريقيا او آسيا او امريكا الجنوبية، واستخدمت الادارة الامريكية الفيتو ضد قرار بادانتها في مجلس الامن، لشاهدنا رد فعل مختلفا تماما، لان حكومات وشعوب هذه المناطق من العالم لا يمكن ان تتحمل مثل هذه الاهانة، او تسكت عنها، والا لما اختارت هذه الشعوب حكاما معادين لامريكا مثلما هو حال فنزويلا وبوليفيا ونيكاراغوا، ولما سمعنا زعيما مثل هوغو شافيز يطالب بمحاكمة الرئيس الامريكي جورج بوش كمجرم حرب.
لا نطالب الزعماء العرب بفعل ما فعله شافيز، او حتي توجيه كلمة انتقاد واحدة للرئيس بوش، لاننا نعلم انهم لم يفعلوا وربما لن يفعلوا، إنما نطالبهم فقط باتباع ابسط الاجراءات الدبلوماسية المرعية في هذه الحالات، اي استدعاء السفراء الامريكيين في عواصمهم، والاحتجاج رسميا علي هذه الاهانة.
لم نسمع ان زعيما عربيا استدعي سفيرا امريكيا، او اسرائيليا ولو حتي من قبيل العتب، ربما لان السفراء الامريكيين في العواصم العربية هم الذين يستدعون الزعماء العرب الي مقار سفاراتهم ويوبخونهم، ويقدمون لهم لائحة بالتوجيهات الجديدة التي يجب اتباعها.
بعد هذا الفيتو نأمل ان لا يتحدث احد من العرب، كبيرهم وصغيرهم، عن عملية السلام، او خريطة الطريق، او الوساطة الامريكية، فقد ظهر وجه هذه الادارة الامريكية في ابشع صوره، واكثر صور انحيازه لمجازر النازية الاسرائيلية في حق اطفال عزل.
السيدة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية التي تعتبر الأقرب الي قلوب الزعماء العرب من بين اقرانها في هــــذه الادارة، بررت اســـتخدام الفيتو بالقــول بان القرار كان غير متوازن، ومنحازا لوجهة النظر العربية.
لا نعرف كيف يمكن ان يكون القرار متوازنا تجاه مجزرة واضحة المعالم، شاهد العالم بأسره جثث اربعة عشر طفلا وذويهم ملطخة بالدماء ومشوهة المعالم بفعل القذائف الاسرائيلية. فهل تريد السيدة رايس ان يدين القرار الدولي هؤلاء الضحايا الاطفال جنبا الي جنب مع قاتليهم وبالقدر نفسه من العبارات القوية حتي تؤيد حكومتها هذا القرار؟
ان هذا الموقف الامريكي المتعجرف والمنحاز للمجازر الاسرائيلية، والمستهين بدماء الابرياء وارواحهم، هو الذي يصنع التطرف، ويوسع دائرة العنف والارهاب، ويعرض امريكا وحلفاءها ومواطنيهم ومصالحهم للخطر.
الشيخ اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة وكل امرائه في العراق والجزيرة العربية واوروبا ومختلف مناطق العالم سيرقصون طربا علي وقع هذا الفيتو ، وسيعيشون حالة غير مسبوقة من الفرح وهم يتلقون طلبات التطوع للانضمام الي تنظيمهم من مئات وربما آلاف الشباب المسلم الذين يريدون الانخراط في تنظيمهم الجهادي وتنفيذ عمليات هجومية ضد اهداف امريكية وبريطانية.
الزعماء العرب، حلفاء واشنطن، سيصابون بالاكتئاب في الوقت نفسه لان معلمهم الكبير في واشنطن يتعمد اهانتهم واذلالهم، بدلا من مساعدتهم وتقدير ظروفهم الصعبة، حيث تتزايد موجات الغضب ضدهم في اوساط رعاياهم، من خلال اتخاذ سياسات وقرارات تخفف من العداء المتصاعد لامريكا في الشارع العربي.
السيد عمرو موسي امين عام الجامعة العربية، وممثل النظام الرسمي العربي، بشرنا بان الحكومات العربية ستكسر الحصار المفروض حاليا علي الشعب الفلسطيني، وهدد بانها ستفعل اكثر من ذلك في المستقبل وذلك في المؤتمر الصحافي الذي عقده في ختام اجتماعات وزراء الخارجية العرب.
هذا كلام جميل، ولكن هناك سؤالين علي درجة كبيرة من الاهمية، الاول هو عن اسباب تأخر الحكومات العربية تسعة اشهر قبل النطق به، والثاني هو مدي قدرة هذه الحكومات علي تنفيذ مثل هذه الخطوة علي ارض الواقع.
فقد كان لافتا ان تسعة وزراء خارجية عرب، بعضهم من الوزن الثقيل، (الأمير سعود الفيصل وزير خارجية السعودية) تغيبوا عن هذا الاجتماع، حتي لا يثيروا غضب الادارة الامريكية وحتي لا يلتزموا بتنفيذ القرار، الأمر الذي يجعلنا نشك في جدية هذه الخطوة، ونري انها لذر الرماد في العيون لا اكثر ولا اقل.
فالحكومات العربية كانت الاكثر التزاما بالحظر المالي رغم ان معظم البنوك العربية حكومية، ولم يحدث مطلقا ان خرجت هذه الحكومات عن طوع امريكا، بل وزايدت عليها في تطبيق الحصارات علي دول عربية شقيقة، هكذا فعلت مع الحصار الذي استمر 13 عاما ضد العراق، وسبع سنوات ضد ليبيا. فما الذي تغير الآن؟
فكيف ستنقل الاموال الي الشعب الفلسطيني المحاصر، وهي التي تبذل جهودا غير عادية لاحكام اغلاق الحدود مع قطاع غزة، وتحشد آلاف الجنود للبحث عن انفاق التهريب وتدميرها؟
فإذا كانت اكبر الدول العربية سكانا واهمية وقوة لا تستطيع فتح معبر رفح الحدودي امام المرضي والحجاج والمعتمــرين، خوفا من غضب اسرائيل ناهيك عن غضب واشــنطن، فهل ستملك الجرأة والشجاعة لتحدي الفجور الامريكي، وارسال الاموال الي الجوعي المحاصرين في الضفة والقطاع؟
هناك تفسير واحد لهذه النخوة العربية الرسمية غير المتوقعة، وهو ان الحكومات العربية ادركت ان مخاض ولادة حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية قد بدأ، وان تشكيلها بات مسألة ايام معدودة، وبالتالي سيتم رفع الحصار بصورة آلية وبموافقة امريكية. انه ركوب للموجة الامريكية وليس تحديا لها. هذه هي الحقيقة.
الشعب الامريكي قال رأيه في هذه الادارة عندما وجه لها اكبر اهانة في الانتخابات النصفية، وأجبرها علي الاعتراف بفشلها في العراق وافغانستان، وطرد اكبر وزير دفاع متعجرف في تاريخ الولايات المتحدة. ومن المؤلم ان هذا الرئيس الامريكي المهان والمهزوم لا يستطيع الاستئساد الا علي العرب، والسبب هذه الزعامات المتخاذلة والمضبوعة والمستكينة والراكعة.

No comments: