Saturday, January 8, 2011

برنامج صناعة الانتقام بين العراقيين


برنامج صناعة الانتقام بين العراقيين
هيفاء زنكنة

"ونحن نبدأ الاسبوع الاول من العقد الجديد، لا يزال عراقنا في حالة حرب بكل المقاييس. وهي حرب تختلط فيها، الجريمة المنظمة التي انتعشت مع الاحتلال وخدمته في الغالب كمصدر لمرتزقته أو متعاقديه المحليين الذين يستمر تدريبهم للعمليات السرية المقبلة، مع الصراعات بين أعوان الإحتلال المتنازعين على الغنائم وترهيب بعضهم البعض وتصفية الحسابات مع خصومهم.
كما تختلط مع الارهاب والجريمة العقائدية التي تستهدف المدنيين الأبرياء وترمي الى الفتنة المذهبية والقومية، وهو ما يدعي الاحتلال رفضه لكنه يخدمه موضوعيا. ويساهم التضليل الاعلامي المكثف ضد المقاومة والحركة الوطنية المناهضة للاحتلال في تشويه صورة المقاومة وتقديمها كسبب رئيسي فيما يلحق المواطنين من أذى واجرام وعلى حساب اخفاء الحقيقة. حقيقة تورط اطراف العملية السياسية في التصفيات والمذابح التي جرت في دوائر الدولة ناهيك عن النهب المستمر لموارد البلاد، من الإختلاس السائد في معظم الدوائر الرسمية والفساد الشخصي والعام المنتشر في جسد البلاد كالوباء الى النفط الذي لا يزال بعد 8 سنوات من احتلال اكثر الدول تقدما من الناحية التكنولوجية بلا عدادات على الآبار.
وفي الوقت الذي يتم فيه توقيع عقود الفساد بملايين الدولارات مع شركات 'اعمار' وهمية أو شركات تبيع للمرتشين ما لا يمكن بيعه في بلدان أخرى، وبشكل سري قلما تتم تغطيته اعلاميا، تجدنا محاطين بتصريحات وبرامج مكررة، صباحا ومساء، عن حملات المداهمة على المواطنين والقاء القبض على 'المطلوبين'، اي ما تقوم به قوات الإحتلال مع واجهة عراقية، أحيانا، وبدون ان يتفضل احد المسؤولين ليخبرنا عن سبب مثابرة القوات الامريكية على الهجوم والانزال الجوي والقاء القبض على المواطنين، وهي المفترض بها ان تكون موجودة في بلادنا بصفة مستشارين ومدربين!
ولعل من الضروري الانتباه هنا الى ان الإدعاءات العسكرية والسياسية المتكررة عن القاء القبض على أمراء تنظيم دولة العراق الإسلامية ونشر أسمائهم بالاضافة الى بقية 'المشبوهين'، هي غالبا ما تطلق وتتم للتغطية على شن قوات الاحتلال والقوات الخاصة حملات اعتقال واسعة تشمل المئات من المواطنين والمقاومين.
ولنأخذ يوم الاربعاء 23 كانون الاول/ديسمبر، نموذجا. ففي يوم واحد فقط، كشف المتحدث باسم وزارة الدفاع محمد العسكري عن قيام قوات الاحتلال الامريكي و'بدعم' من قوات عراقية بعمليات أدت الى اعتقال 'نحو 100 مطلوب بينهم 5 من القياديين في تنظيم القاعدة والعناصر المسلحة الخطرة خلال عمليات في 6 محافظات' حسب صحيفة الصباح الحكومية. والمحافظات المعنية هي الانبار (بتهمة تنظيم القاعدة) وميسان (متهمين بالسرقة والاختطاف) وكركوك (جيش الطريقة النقشبندية) والموصل وديالى (دولة العراق الاسلامية)'.
وفي غياب التحقيق المستقل والقضاء النزيه واستشراء الفساد المصاحب لعمل المخبرين السريين وتنوع التهم الكيدية، وبتوفر المعلومات والتقارير الموثقة عن شراسة ووحشية لجان التحقيق، وانتشار التعذيب اللاانساني الذي بات سمة من سمات 'العراق الجديد'، وصمت الساسة على الممارسات البشعة بحق المعتقلين من نساء ورجال واطفال، يبدو ان مصير المعتقلين المئة الجدد لن يكون مختلفا عمن يتم اعتقالهم، يوميا، في عصر الاحتلال والاستعمار الجديد. وكانت منظمة العفو الدولية قد أشارت، في تقريرها الصادر في 2009، عن اصدار احكام الاعدام وحال القضاء، إلى أن 'الحالة البائسة لجهاز القضاء لا يمكنها ضمان إجراء محاكمات عادلة في القضايا التي تصل فيها العقوبة إلى الإعدام'. وعلى الرغم من مطالبات العديد من الجهات الدولية والمنظمات الانسانية بالغاء عقوبة الاعدام، لا تزال احكام الاعدام تنفذ وبعد محاكمات لايعرف احد مدى مصداقيتها ونزاهة شهودها وقضاتها. وقد اعلن وكيل وزارة العدل، منتصف شهر كانون الاول/ديسبمر الماضي، انه تم اعدام 257 مدانا بينهم ست نساء منذ عام 2005 وحتى الآن. وان هناك 37 مدانا بانتظار تنفيد الحكم بهم. وأعلن وزير الداخلية جواد البولاني، قائلا: 'ان هناك 835 شخصا صدرت بحقهم احكام الاعدام'.
والمعروف ان نوري المالكي من المتحمسين لتطبيق عقوبة الاعدام الى حد انه دعا ذات مرة الى اعدام المتهمين في مكان ولحظة اعتقالهم جراء ارتكابهم ' جريمة ما'. وهناك نكتة مضحكة مبكية يتم تداولها بين العراقيين حول كثرة تنفيذ احكام الأعدام في 'العراق الجديد' ومتعة المالكي في توقيع اوامر تنفيذها. ومفادها ان المالكي اصدر امرا وزاريا جديدا يقضي باعدام كل انتحاري يفجر نفسه!
ويبشرنا وكيل وزارة العدل (وزارة العدل واحدة من عدة جهات تملك معتقلاتها الخاصة) بان: 'العراق يعمل على اعادة تأهيل كبيرة للسجون العراقية تنتهي بحلول 2015. وان هناك خططا لبناء سجون جديدة... لاكمال بناء سجن الحلة الجديد وتوسيع سجن الناصرية واعادة بناء سجن ابو غريب'. وأكد انه 'بحلول 2014 او 2015 لن يكون هناك اي مشاكل، وجميع سجون العراق سوف يكتمل اعادة ترميمها و تجديدها'. وحسب وكيل الوزارة ان عدد المعتقلين حتى التاسع من كانون الثاني/ديسمبر الحالي هو 24 الفا و783 معتقلا ينتظرون صدور قرارات المحاكم بحقهم. وبين هؤلاء 175 من الاحداث الى جانب 341 امرأة ينتظرن محاكمتهن. وهناك عرب واجانب من فرنسا والمانيا، من اصول عربية، بالاضافة الى ايرانيين. ولم يدل الوكيل باعدادهم. الا ان سجل زيارات لجنة الصليب الاحمر التفقدية للمعتقلين لمدة ثلاثة شهور حتى آب / أغسطس 2010، يشير الى قيامها بزيارة 500 محتجز أجنبي و18 ألف عراقي. وان المعتقلين العراقيين موجودون في 27 مركزاً للاحتجاز تحت سلطة وزارات العدل والدفاع والداخلية والعمل والشؤون الاجتماعية العراقية. وانها زارت 2900 محتجزا في 37 مركزاً للاحتجاز تحت سلطة حكومة إقليم كردستان، وان هناك أكثر من 5800 محتجز في مركزيّ احتجاز تحت سلطة القوات الأمريكية . وخلال تلك الزيارات، رصدت اللجنة الدولية، أيضا، أحوال 50 من النساء المحتجزات و20 حدثاً.
ان وزراء ونواب 'العراق الجديد'، يعرفون جيدا معنى تحول الضحية الى جلاد. كما يعرفون ان مشاريع بناء السجون والمعتقلات الجديدة تعني شيئا واحدا وهو ازدياد عدد ضحاياهم الى حد لم تعد تتسع فيه معتقلات النظام السابق الذي حاربوه لاستيعابهم. الا ان ما قد لا يدركونه، انهم باعتقالاتهم واعداماتهم وصمتهم على جرائم المحتل انما يساهمون، فعليا، في خلق جلاديهم، مستقبلا.
' كاتبة من العراق
"

No comments: