Sunday, April 29, 2012

جمعة وعباس



جمعة وعباس
عبد الحليم قنديل

".....
واللافت أن زيارة جمعة التطبيعية لم تلق تأييدا سوى من طرفين، أولهما العائلة الملكية الأردنية التي ورطته في إهانة مكانته الرمزية كمفت للديار المصرية، والعائلة ـ كما هو معروف ـ تقيم صلات تعاون وثيقة مع كيان الاحتلال الإسرائيلى، وكان الطرف الثاني المرحب هو السلطة الفلسطينبة برئاسة عباس في رام الله، والتي هي واحدة من أغرب السلطات في التاريخ الإنساني، فهى سلطة بلا سلطة، ولا يتحرك رئيسها ولا وزراؤها ولا مشايخها، لا يتحرك هؤلاء سوى بالإذن الإسرائيلي، ولا يطمعون في رضا الله اكتفاء برضا إسرائيل عنهم، ولا يكف زعماء إسرائيل عن امتداحهم، وعلى نحو ما فعل بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، والذي تحدث مؤخرا عن ظروف مواتية لإتمام اتفاق إسرائيلى مع سلطة عباس، وزاد شيمون بيريز رئيس إسرائيل الأمر وضوحا، وقال أن الرئيس عباس هو أفضل قيادي فلسطيني من وجهة نظر إسرائيل، وأننا نريد السلام تحت قيادته.
هل من علاقة لزيارة الشيخ جمعة بكلام نتنياهو وبيريز ؟، تبدو الصلة ظاهرة، فالشيخ جمعة لم ينطق بحرف خلال زيارته ضد الاحتلال الإسرائيلي، بل ذهب كغطاء ديني لعملية تسوية مذلة تدار من وراء ستار، وتعلم بها العائلة الملكية الآردنية التي ورطته في الزيارة المسيئة للإسلام والمسلمين، ويعلم بها عباس طبعا، والذى دعا طوال الشهور الأخيرة إلى تنظيم زيارات للعرب والمسلمين إلى القدس والمسجد الأقصى، وتتحدث سلطته عن اتفاقات بالخصوص مع عدد كبير من العلماء المسلمين للزيارة على طريقة جمعة، وبدعوى الدعم المعنوي للفلسطينيين، بينما هى تهيءالظروف والأنصار لتقبل تسوية مذلة في القدس والضفة الغربية، تعكس تسليما بأمر الاحتلال والتهويد الواقع، وتعطي سلطة عباس أو جهة أردنية ـ فلسطينية مشتركة إشرافا رمزيا دينيا على منطقة المسجد الأقصى، وتستبقي القدس دون بعض ضواحيها تحت يد الاحتلال الإسرائيلي.
وربما يلفت النظر أن بنيامين نتنياهو في حديثه الذى بدا مفاجئا عن اتفاق سلام ممكن، وعلى غير عادته اللفظية المتشددة، ربما يلفت النظر أنه تحدث عن دولة فلسطينية لاتشبه الجبن السويسري المثقوب، ولا تقطع أوصالها المستوطنات اليهودية، وهو ـ أي نتنياهو ـ لايقصد طبعا إزالة المستوطنات، بل يقصد ـ بالطبع ـ ضم المستوطنات الكبرى في الضفة الغربية إلى القدس المهودة، وتقديم بديل آخر تحت عنوان 'تبادل الأراضي'، وإغواء الفلسطينيين بإطلاق اسم 'القدس' إن أرادوا على ضاحية تتخذ كعاصمة لدويلة فلسطينية مقلمة الأظافر ومنزوعة السلاح
في هذا السياق يمكن فهم زيارة جمعة وغيره، وتبين حجم الخطأ والخطيئة فيها، بل والتواطؤ المعادي لقدسية القضية الفلسطينية، فقد مات عرفات شهيدا مسموما لأنه عارض تسوية من هذا النوع في مباحثات كامب ديفيد الثانية، ولم يكن عباس بعيدا عن حصار عرفات حتى استشهاده، وقد ظهر الرجل بعد وفاة عرفات على حقيقته الكالحة، وأدان المقاومة الفلسطينية بكافة صورها المسلحة وغير المسلحة، وسخر من الانتفاضات الشعبية، ويتلقى معونات مالية أمريكية وأوروبية بهدف تدجين الفلسطينيين، وإقامة سلطة الوكالة الأمنية عن إسرائيل في أوساط الفلسطينيين، وبهدف تفكيك الخلايا الجهادية، والقضاء على أي تنظيم مسلح قد يستهدف الإسرائيليين بعملياته، وإنهاء عمل الجناح العسكري لحركة فتح التي يترأسها في الضفة الغربية بالذات، وتحويل الفدائيين إلى أزلام وموظفين، وطمس الطابع الكفاحي لقضية الفلسطينيين، وتحويلهم إلى مجرد جماعة بشرية تطلب العون والغوث الإنساني، وتعويد الفلسطينيين على تقبل القهر الإسرائيلي كأنه من سنن الكون، والتمهيد لقبول أى تسوية يرغب بها الإسرائيليون، وحبذا لو تم ذلك بتوافق مضمون من دول الخليج والعائلة الملكية الأردنية، فلم تعد إسرائيل تضمن رد الفعل على الجبهة المصرية بعد خلع مبارك، وتريد تسكين الوضع في القدس والضفة الغربية، وحتى تتفرغ لمواجهة الخطر المقبل من غزة والحاضنة المصرية .
"

No comments: