ياسر الزعاترة
بحسب صحيفة السفير المقربة من حزب الله، فإن بشار الأسد سيزور موسكو خلال الأسابيع المقبلة من أجل دراسة مبادرة من نقاط عدة وضعتها طهران وموسكو لحل الأزمة السورية.
وبحسب مصادر "السفير" -وهي بالضرورة إيرانية أو من تلك التابعة لإيران وتحظى بالثقة، لأن إيران هي من تحكم دمشق عمليا وليس بشار الأسد- فإن المبادرة تتضمن "الإعلان عن أن الأسد مستعد للتنازل عن بعض صلاحياته، والموافقة على الحوار في موسكو أولا ثم في دمشق".
لم يخلُ الخبر من تفاصيل، إذ قالت "السفير" إن "الأسماء المطروحة للحوار والمقبولة بالنسبة للنظام السوري للمشاركة في الحوار هي: معاذ الخطيب، وحسن عبد العظيم ومجموعته، إلى جانب قدري جميل (كان وزيرا في الحكومة السابقة)، و12 حزبا كرديا، بالإضافة إلى بعض القوى الإسلامية على الأرض، والتي لا علاقة لها بداعش"، ولا حتى جبهة النصرة.
"ما يجري يشكل اعترافا من قبل النظام باستحالة الحسم العسكري، دون أن يعني ذلك اعترافا من الأطراف التي تقاتله بذلك، أقله في المدى المتوسط، لأن تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وربما أحرار الشام وفصائل أخرى لا تقول ذلك"
وزادت أن المبادرة "تطرح تشكيل حكومة في أبريل/نيسان المقبل، يرأسها معاذ الخطيب، وتكون غالبيتها من المعارضة، منوط بها تعديل الدستور، والتحضير لانتخابات برلمانية جديدة، على أن يحتفظ الأسد بوزارة الدفاع، وهو ما تصر عليه روسيا"، فضلا عن احتفاظه "بثلاثة أجهزة أمنية، وهي الجوية والأمن العسكري وأمن الدولة، ولا مانع من وزير داخلية من المعارضة".
من جهة أخرى، ما زالت خطة المبعوث الدولي دي ميستورا مطروحة للتداول، وهي التي تنص على تجميد القتال في حلب، دون الحديث عن حل سياسي، مما يشير إلى إمكانية إيجاد شكل من التزامن بين مساعي البحث في الخطتين اللتين تصبان عمليا في صالح النظام ومسار إعادة تأهيله الذي يبدو أنه حظي بدفعة كبيرة من خلال التأييد المصري الضمني الذي لا يتجاوز ذلك كثيرا خشية إغضاب السعوديين.
من الواضح أن ما يجري يشكل اعترافا من قبل النظام (من إيران التي تقود القتال على الأرض بالضرورة) باستحالة الحسم العسكري، من دون أن يعني ذلك اعترافا من الأطراف التي تقاتله بذلك، أقله في المدى المتوسط، لأن تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وربما أحرار الشام وفصائل أخرى لا تقول ذلك، وإن بدا أن قناعة كهذه ربما شملت فعاليات ما يُعرف بالائتلاف الوطني السوري، أو أكثرها في أقل تقدير.
وحتى لو قلنا إن القناعة مشتركة، فإن الفارق كبير بين جماعات لم يعد لديها من خيار غير استمرار القتال، وليس لديها ما تخسره، وبين نظام منهك، ودولة تقف وراءه وينهكها النزيف الاقتصادي بدفعها لكلفة الحرب كاملة (أعني إيران)، فضلا عن الكلفة البشرية من مؤيديها، إن كانوا من الخارج، بمن فيهم حزب الله، أم من الداخل، من الكتلة العلوية.
والنتيجة أن النظام وداعميه هم الأكثر حاجة للحل السياسي من الثورة، بل حتى من الأطراف الداعمة لها عربيا وإقليميا (تركيا تحديدا). وحتى لو كانت الأخيرة في حاجة فعلية للحل، فإن عدم تحقيقه أفضل بكثير من حل بائس كالذي تبشر به إيران وروسيا. وعموما، فإن جميع أعداء إيران لا يرون أنها في وضع قوي، حتى بعد دخولها اليمن، بل يرونها في حالة استنزاف بشعة، خاصة بعد التدهور الأخير في أسعار النفط، وهم غير معنيين هنا بإيجاد تفاهم محدود معها في سوريا، وإذا كان ولا بد، فليكن تفاهما شاملا يتضمن جميع الملفات، وهو ما لا تبدو إيران (المحافظين تحديدا) مستعدة له بشكل معقول إلى الآن.
"الحل السياسي ليس مرفوضا من حيث المبدأ، لكن المطروح حاليا، ومهما أجري عليه من تعديلات، لن يلبي شروط الغالبية السورية بعد التضحيات والمعاناة الرهيبة، ولذلك سيبقى حبرا على ورق أو مجرد مساع سياسية لا تقدم ولا تؤخر"
في ضوء ذلك كله لا يبدو أن أيا من المبادرتين (خطة دي ميستورا والمبادرة الروسية) في وارد كسب النجاح، بخاصة الثانية التي تتحدث عن معارضين ليسوا معارضين من الناحية العملية، لأن من يملك الفعل المسلح هو صاحب الرأي الأول والأخير، وليس الآخر، بخاصة حين لا يأتي بحل يحظى برضا الغالبية من الناس.
حتى الأميركيين (وربما عموم الغربيين) الذين لا يريدون القضاء على بشار لأن نتنياهو لا يريد ذلك، ويفضل استمرار الصراع لاستنزاف جميع الأعداء.. حتى هؤلاء، سيكون من الصعب عليهم تمرير إخراج إيران من مأزقها، وهي لما تقبل بعد بالشروط الغربية لإنجاز اتفاق النووي، وهم يدركون أن استمرار نزيفها هو ما سيجعلها أكثر قابلية لتمرير الاتفاق، والشروط التالية من بعده على الصعيد السياسي، فضلا عن أن منح موسكو إنجازا في هذه المرحلة لا يبدو مناسبا في ظل استمرار الصراع معها على أوكرانيا وملفات دولية أخرى.
يبقى القول إن الحل السياسي ليس مرفوضا من حيث المبدأ، لكن المطروح حاليا، ومهما أجري عليه من تعديلات لن يلبي شروط الغالبية السورية بعد التضحيات والمعاناة الرهيبة، ولذلك سيبقى حبرا على ورق أو مجرد مساع سياسية لا تقدم ولا تؤخر، بينما يتواصل الاستنزاف على الأرض.
ولكن إلى متى؟ إلى الوقت الذي تقبل فيه إيران تجرع كأس السم والتفاهم مع تركيا والجوار العربي على حل شامل لكل الملفات المشتعلة، وقواسم مشتركة بعيدا عن روحية التغول والهيمنة واستثمار المذهب وأتباعه في كل مكان من أجل تحقيق مكاسب سياسية على صعيد القوة والنفوذ.
No comments:
Post a Comment