سلامة كيلة
الأسماء المسرّبة للمدعوين إلى موسكو تُظهر أن روسيا تريد ترتيب "معارضة" سورية تقبل بسلطة بشار الأسد، وليس التوصل إلى حل سياسي. أي أنها تريد تجاوز مبادئ جنيف1 التي أُجريت على أساسها مباحثات جنيف2.
يشتغل الروس، الآن، بـ"المقلوب"، فبدل أن يجري الشغل على ترتيب وفد السلطة غير الذي شارك في جنيف2، وأفشله، لأنه يمثل سلطة الأسد التي لا تريد الوصول إلى حل سياسي، وقررت، منذ البدء، إخضاع المجتمع، بات يعمل على تسهيل إخضاع المجتمع عبر فبركة "معارضة" على مقاس السلطة، تقبل استمرار حكم الأسد، وتشكّل "حكومة وحدة وطنية" معه.
ربما لن تعارض أميركا ذلك، ولا حتى دول إقليمية، مثل السعودية وتركيا. لكنه لن يوصل إلى حل، حيث سيبقى الاحتقان المجتمعي، وستظل القوى المقاتلة على الأرض رافضة ما جرى، وسيعطي ذلك مبرراً لداعش والنصرة وكل القوى الأصولية باستمرار الصراع، مستفيدة من رفض جزء كبير من الشعب هذا الحل. الأمر الذي سينهي القوى التي تمثّل الشعب لمصلحة تلك القوى الأصولية، لكن التي ستكون مدعومة شعبيّاً. ولن يفيد، هنا، كل النشاط لـ"محاربة الإرهاب"، لأن الأمر سيتحوّل إلى محاربة الثورة باسم الإرهاب، بعد أن تكون القوى الأصولية قد أصبحت "ممثل الثورة"، أي القوى التي تدّعي تمثيل المجتمع ضد السلطة وضد "الغرب"، وهذا يفتح متاهة جديدة، أسوأ من القائمة.
وهو وضع سيخدم أميركا، أكثر ممّا يحقق مصالح روسيا، فاستمرار الصراع، وبواجهة أصولية، سوف يجعل التدخل الأميركي أكبر، وسوف يفضي، بالضرورة، إلى أن تقرر أميركا، في الأخير، صيغة الحل الذي سيخرج روسيا نهائيّاً من المعادلة، لكنه سيوجد سلطة تابعة ومفككة في دمشق. الموافقة الأميركية، الآن، على صيغة الحل الروسي المطروحة، أو غض النظر عنها، هي للتوريط. فأميركا ستعود بقوات لها في العراق قريباً (أرسلت قوات تحت شعار الحرب ضد داعش)، لكي تكمل ما لم تستطعه سنة 2011، حيث طلبت حصانة عشرة إلى خمسة عشر جندياً، ولم تفلح بالموافقة، نتيجة الرفض الإيراني. وهي، الآن، تستطيع ذلك، وستكون قادرة على التأثير أكثر في الوضع السوري.
وإذا كان الروس يعتقدون أنهم قادرون، فإن وضعهم يسير إلى الأسوأ، بعد التدخل في أوكرانيا، وبعد العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة عليهم، ومن ثم بعد تراجع أسعار النفط في لعبة دولية، هدفها إضعافهم. وسيكون وضعهم أسوأ في المرحلة المقبلة، لأنهم يخوضون صراعات خاطئة، ويتبعون سياساتٍ لا تخدم حتى مصالحهم. وهذا يوضح أنهم دولة ريعية، أكثر من أنهم دولة رأسمالية، وسلطة مافيا، وليست سلطة برجوازية حقيقية. بالتالي، ستكون مشاركة أي طرف من المعارضة، بهذه الصيغة، مضرة، وسيخسر كما ستخسر السلطة. لهذا، لا بد من تحديد المطلوب، وأن يرفض كل لقاء يحدد الروس أطرافه، حيث يجب أن يكون واضحاً أن المعارضة محدَّدة بقوى موجودة، هي هيئة التنسيق والائتلاف وتيار بناء الدولة والمنبر الديمقراطي ومجموعة سورية الوطن برئاسة معاذ الخطيب. وعلى هؤلاء أن يتوافقوا على أن يشكلوا وفداً موحداً، وعلى صيغة واضحة.
ويجب أن تنطلق صيغة الحوار من أن على الوفد الذي يمثل السلطة أن يعلن الموافقة على تطبيق مبادئ جنيف1، خصوصاً تشكيل هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات، وأن الحوار سوف يكون على ذلك، لكي تتسلم السلطة وتكمل تطبيق مبادئ جنيف1. وأن يعلن الروس، قبل الحوار، أن لا دور لبشار الأسد في الحل، وأن الحوار يجري على ترتيب السلطة الجديدة بدونه، هو ومجموعته. ولهذا، يجب أن تمثّل السلطة بوفد يقرّ ذلك مسبقاً. وأن ترفض المعارضة كل نقاش حول بقاء الأسد، وأن تنطلق من أن المطلوب ترتيب البديل، وإلا سوف تتوه في نقاشات عقيمة، كما جرى في جنيف2.
No comments:
Post a Comment