عزمي بشارة
ثبت، مرة أخرى، أن لدى اليمين الإسرائيلي أكثرية سياسية (وحتى سوسيولوجية). هذه حقيقة ثابتة، لم تتغير منذ عام 1977، فقد تقلصت القواعد الاجتماعية لحركة العمل الصهيونية، مع تحول الاقتصاد إلى الرأسمالية المتطورة، وازدياد مشاركة اليهود الشرقيين في المجال السياسي، وهم الذين لم يرتبطوا تاريخياً بحزب العمل ومشروعه، بل باليمين. كما تراجعت أهمية حركة العمل الصهيونية التاريخية مع إنجاز مهمة بناء الدولة (على أساس تهجير العرب و"جمع الشتات" اليهودي). فبعد العام 1967 واحتلال غزة والضفة الغربية (بما فيها القدس)، طرحت أجندات أخرى مرتبطة بالاستيطان وعلاقة الدين بالقومية، أجاب عليها اليمين الإسرائيلي بشكل أكثر تلاؤماً مع واقع إسرائيل التوسعي الجديد.
نذكر، هنا، أن حركة العمل الصهيونية هي التي أسست الكيان السياسي للصهيونية، وهي التي خاضت خمس حروب ضد العرب، منها حرب احتلال فلسطين عام 1948.
منذ عام 1977 تفوق حزب العمل على الليكود في حالتين، هما انتخابات عامي 1992 و1999، لكن معسكر اليمين والمتدينين حافظ على الأغلبية عموماً. وقد نشأ احتمال أن يتكرر ذلك هذا العام، بسبب شخصية نتنياهو وعدم مصداقيته، حتى مع حلفائه الداخليين والخارجيين من جهة، وتهميش قضية فلسطين، وتصدر قضايا "الأمن"، في جدول أعمال الانتخابات من جهة أخرى. لكنه تمكن من إعادة قضية فلسطين على جدول أعمال المصوت اليميني، بتخويف اليمين من احتمال تشكيل حكومةٍ، يقودها هرتسوغ "قد تقبل بدولة فلسطينية"، فاكتسب أصواتاً من الأحزاب اليمينية، تريد أن تضمن بقاء اللكيود الحزب الأكبر. كما نجح في تخويف الناخب اليميني من ارتفاع نسبة التصويت للعرب، إذ قام باستفزاز غرائز الجمهور اليهودي عنصرياً ضدهم.
وعملياً، لم يحصل انتقال أصوات بين المعسكرات، بل داخل معسكر اليمين نفسه من الأحزاب الأصغر إلى الليكود.
وليس واضحا تماماً كيف سوف تبدو الحكومة، وإذا ما كانت ضيقة القاعدة مقتصرة على اليمين والمتدينين، أم واسعة تشمل قوة من المعسكر المنافس؟ لكن، ما بات واضحاً جلياً هو ما يجب أن يعرفه العرب المراهنون على الانتخابات الإسرائيلية كي تعدّل لهم موازين القوى في صالحهم. وهو أن هذا الرهان عقيم، لا علاقة له بالواقع الإسرائيلي، بقدر ما له علاقة ببؤس الواقع الفلسطيني أو العربي.
ليست الخبرة الفلسطينية المستجدة المحتفى بها بالشأن الإسرائيلي، والاهتمام بتفاصيل الحياة الانتخابية فيها، ذات علاقة بمعرفة العدو من أجل محاربته، أو للتفوق عليه في أثناء مفاوضته؛ بل ترتبط، أساساً، بعدم محاربة العدو، وبوصول المفاوضات معه إلى مأزقها الحتمي. فمن يراهن على الانتخابات الإسرائيلية هو ذاته من لم يعد يراهن على المقاومة (المسلحة أو السلمية)، والذي واجه، أخيراً، حقيقة ساطعة، لم يعد ممكنا تمويهها، هي غياب الإرادة الإسرائيلية للتوصل إلى حل دائم، أو حتى للاتفاق على أسس مرجعية للتفاوض.
نذكر، هنا، أن حركة العمل الصهيونية هي التي أسست الكيان السياسي للصهيونية، وهي التي خاضت خمس حروب ضد العرب، منها حرب احتلال فلسطين عام 1948.
منذ عام 1977 تفوق حزب العمل على الليكود في حالتين، هما انتخابات عامي 1992 و1999، لكن معسكر اليمين والمتدينين حافظ على الأغلبية عموماً. وقد نشأ احتمال أن يتكرر ذلك هذا العام، بسبب شخصية نتنياهو وعدم مصداقيته، حتى مع حلفائه الداخليين والخارجيين من جهة، وتهميش قضية فلسطين، وتصدر قضايا "الأمن"، في جدول أعمال الانتخابات من جهة أخرى. لكنه تمكن من إعادة قضية فلسطين على جدول أعمال المصوت اليميني، بتخويف اليمين من احتمال تشكيل حكومةٍ، يقودها هرتسوغ "قد تقبل بدولة فلسطينية"، فاكتسب أصواتاً من الأحزاب اليمينية، تريد أن تضمن بقاء اللكيود الحزب الأكبر. كما نجح في تخويف الناخب اليميني من ارتفاع نسبة التصويت للعرب، إذ قام باستفزاز غرائز الجمهور اليهودي عنصرياً ضدهم.
وعملياً، لم يحصل انتقال أصوات بين المعسكرات، بل داخل معسكر اليمين نفسه من الأحزاب الأصغر إلى الليكود.
وليس واضحا تماماً كيف سوف تبدو الحكومة، وإذا ما كانت ضيقة القاعدة مقتصرة على اليمين والمتدينين، أم واسعة تشمل قوة من المعسكر المنافس؟ لكن، ما بات واضحاً جلياً هو ما يجب أن يعرفه العرب المراهنون على الانتخابات الإسرائيلية كي تعدّل لهم موازين القوى في صالحهم. وهو أن هذا الرهان عقيم، لا علاقة له بالواقع الإسرائيلي، بقدر ما له علاقة ببؤس الواقع الفلسطيني أو العربي.
ليست الخبرة الفلسطينية المستجدة المحتفى بها بالشأن الإسرائيلي، والاهتمام بتفاصيل الحياة الانتخابية فيها، ذات علاقة بمعرفة العدو من أجل محاربته، أو للتفوق عليه في أثناء مفاوضته؛ بل ترتبط، أساساً، بعدم محاربة العدو، وبوصول المفاوضات معه إلى مأزقها الحتمي. فمن يراهن على الانتخابات الإسرائيلية هو ذاته من لم يعد يراهن على المقاومة (المسلحة أو السلمية)، والذي واجه، أخيراً، حقيقة ساطعة، لم يعد ممكنا تمويهها، هي غياب الإرادة الإسرائيلية للتوصل إلى حل دائم، أو حتى للاتفاق على أسس مرجعية للتفاوض.
وبعد تمنية للنفس بأن تنقذ الانتخابات الإسرائيلية "عملية السلام"، جاء تفويض المجتمع الإسرائيلي نتنياهو لمزيد من الغطرسة والتعنت في المفاوضات، ومن العدوانية في الممارسات الاستيطانية الاحتلالية. فالإسرائيليون لا يمكن أن يفكروا بتقديم ما يسمونها "تنازلات"، في غياب أسباب لذلك، من نوع أن يدفعوا ثمن عدم تقديمها. لا تتعرض إسرائيل لاي نوع من الضغط العربي حالياً، ومن يتعرض للضغط الإسرائيلي والعربي حالياً هم الفلسطينيون، ولا سيما في غزة.
ليست الانتخابات الإسرائيلية مخرجا لمن ليست لديه استراتيجية، والإسرائيليون لن يصوتوا من أجل الفلسطينيين أو العرب.
أما بالنسبة للقائمة العربية المشتركة، فالإيجابي فيها أنها وفرت على العرب في الداخل معركة انتخابيةً، لا تخلو من شراسة يخوضونها كل دورة انتخابية فيما بينهم، ولكن، ليس لغرض الوصول إلى السلطة، بل إلى مقاعد المعارضة في الكنيست، وحتى إلى مقاعد على هامش المعارضة الاسرائيلية. وأفضل ما يمكن أن يفعلوه أن يحسنوا تمثيل قضايا شعبهم المدنية والوطنية، ويحافظوا على هويتهم العربية الفلسطينية في مواجهة تياري المستعمِر السائديْن في البرلمان: اليمين الصهيوني الفظ، واليسار الصهيوني الوصائي. وأسوأ ما يمكن أن يفعلوه هو محاولة نيل إعجاب المستعمِر بالتأسرل وادعاء الاعتدال، وفصل القضايا المدنية عن الوطنية، والخوض في لعبة التهريج والاستفزازات المعروفة الحدود سلفا.
لا توجد في إسرائيل قضية مساواة للعرب، من نوع المعركة من أجل مساواة اليهود الشرقيين"، أو اليهود المتدينين، أو القضايا الطبقية على أنواعها. فهذه يجري التعامل معها في إطار الإجماع الصهيوني الذي يرى أن مسؤولية الدولة اليهودية التعامل معها، ويعتبر حلها من واجباتها.
أما المساواة للعرب كمواطنين هم السكان الأصليون في البلاد، فلا يمكن فصله عن القضية الوطنية، فليس ممكناً فعلاً بدون نفي الطبيعة الصهيونية للدولة. المساواة للعرب في الدولة اليهودية غير ممكنة، لأنها نقيض تعريف الدولة اليهودية لذاتها ولوظائفها. ومن هنا، فإن الأسرلة والدخول في لعبة السياسة الإسرائيلية على أساس التسليم بهذا الواقع يعني نفي الذات. وهنا، يبدأ تشويه ليس له حدود، يبدأ بتبني نفسية المستعمَر وتقليد المستعمِر، وقد يصل إلى حد التآمر والوشاية على المتطرّفين.
لقد اجترحت الحركة الوطنية، في منتصف تسعينات القرن الماضي، معادلة الموازنة بين فكرة دولة المواطنين من جهة والحقوق الجماعية القومية للعرب في الداخل، إلى جانب التمسك بعدالة القضية الفلسطينية؛ وعلى أساس هذه المعادلة، بلورت الخطاب الذي قلب المفاهيم؛ وليست الوحدة مناسبة لخلط الحابل بالنابل وتهميش هذه الفكرة، بل لتحويلها إلى خطاب مركزي. والضمان هو بناء قواعد الحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل ومؤسساتها، وتنشئة شبابها على هذا الأساس.
ليست الانتخابات الإسرائيلية مخرجا لمن ليست لديه استراتيجية، والإسرائيليون لن يصوتوا من أجل الفلسطينيين أو العرب.
أما بالنسبة للقائمة العربية المشتركة، فالإيجابي فيها أنها وفرت على العرب في الداخل معركة انتخابيةً، لا تخلو من شراسة يخوضونها كل دورة انتخابية فيما بينهم، ولكن، ليس لغرض الوصول إلى السلطة، بل إلى مقاعد المعارضة في الكنيست، وحتى إلى مقاعد على هامش المعارضة الاسرائيلية. وأفضل ما يمكن أن يفعلوه أن يحسنوا تمثيل قضايا شعبهم المدنية والوطنية، ويحافظوا على هويتهم العربية الفلسطينية في مواجهة تياري المستعمِر السائديْن في البرلمان: اليمين الصهيوني الفظ، واليسار الصهيوني الوصائي. وأسوأ ما يمكن أن يفعلوه هو محاولة نيل إعجاب المستعمِر بالتأسرل وادعاء الاعتدال، وفصل القضايا المدنية عن الوطنية، والخوض في لعبة التهريج والاستفزازات المعروفة الحدود سلفا.
لا توجد في إسرائيل قضية مساواة للعرب، من نوع المعركة من أجل مساواة اليهود الشرقيين"، أو اليهود المتدينين، أو القضايا الطبقية على أنواعها. فهذه يجري التعامل معها في إطار الإجماع الصهيوني الذي يرى أن مسؤولية الدولة اليهودية التعامل معها، ويعتبر حلها من واجباتها.
أما المساواة للعرب كمواطنين هم السكان الأصليون في البلاد، فلا يمكن فصله عن القضية الوطنية، فليس ممكناً فعلاً بدون نفي الطبيعة الصهيونية للدولة. المساواة للعرب في الدولة اليهودية غير ممكنة، لأنها نقيض تعريف الدولة اليهودية لذاتها ولوظائفها. ومن هنا، فإن الأسرلة والدخول في لعبة السياسة الإسرائيلية على أساس التسليم بهذا الواقع يعني نفي الذات. وهنا، يبدأ تشويه ليس له حدود، يبدأ بتبني نفسية المستعمَر وتقليد المستعمِر، وقد يصل إلى حد التآمر والوشاية على المتطرّفين.
لقد اجترحت الحركة الوطنية، في منتصف تسعينات القرن الماضي، معادلة الموازنة بين فكرة دولة المواطنين من جهة والحقوق الجماعية القومية للعرب في الداخل، إلى جانب التمسك بعدالة القضية الفلسطينية؛ وعلى أساس هذه المعادلة، بلورت الخطاب الذي قلب المفاهيم؛ وليست الوحدة مناسبة لخلط الحابل بالنابل وتهميش هذه الفكرة، بل لتحويلها إلى خطاب مركزي. والضمان هو بناء قواعد الحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل ومؤسساتها، وتنشئة شبابها على هذا الأساس.
No comments:
Post a Comment