جلبير الأشقر
لقد رحّب بعض المواطنين العرب، لا سيما في أوساط المعارضة السورية، بالتدخل التركي على الأراضي السورية، وحجة المرحّبين أن التدخل التركي هو بمثابة الردّ على تدخل إيران وأتباعها الإقليميين كما على التدخل الروسي. أما خلفية الحجة فهي أن روسيا وإيران والقوى التابعة لهذه الأخيرة إنما تتدخل دعماً لنظام بشار الأسد بينما تتدخل تركيا نصرةً للمعارضة السورية. ويتغافل هذا الرأي عن جملة من الوقائع الظرفية والتاريخية تحيط بتدخّل الدولة التركية.
أولاً، جاء هذا التدخل بعد انعطاف موقف أنقرة من النظام السوري وانتقاله من الإصرار على رحيل بشار الأسد، شرطاً لتسوية تنهي الحرب الدائرة في سوريا، إلى القبول ببقائه في سدة الحكم «لمرحلة انتقالية»، تماشياً مع ميل الإدارة الأمريكية إلى المساومة في هذا المجال وانسجاماً مع تبدّل موقف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان المتمثّل في اعتذاره إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين وتصالحه مع الدولة الصهيونية. وقد تم التدخّل التركي بضوء أخضر من جميع الفرقاء المذكورين الذين لا يكنّون للشعب السوري أدنى محبّة.
ثانياً، وفي ضوء ما سبق، ليس الغزو التركي موجّهاً ضد النظام السوري بتاتاً. وهو لم يستهدف تنظيم داعش سوى لانتزاع السيطرة على مساحة الأرض السورية التي كان يسيطر عليها حتى الآن على الحدود مع تركيا. فبعد أن يسّرت أنقرة تحركات داعش طوال المدة التي كان التنظيم خلالها في طور الهجوم على «وحدات حماية الشعب» الكردية، تدخّلت لتحل محله في السيطرة على المنطقة الحدودية عندما أخذ التنظيم يتقهقر، لا سيما بعد هزيمته في منبج. فالمستهدف الأول والأساسي من «عملية درع الفرات» (التسمية التركية الرسمية للغزوة التركية) إنما هو القوات الكردية. وقد استغلت أنقرة الخطأ الجسيم الذي ارتكبته تلك القوات بمحاولتها مد سيطرتها على مناطق حيث الأكراد أقلية، وذلك من خلال «قوات سوريا الديمقراطية» التي تهيمن عليها، خلافاً لخطابها الرنّان عن «الإدارة الذاتية». ويبقى أن أولوية الأولويات في الساحة السورية بالنسبة لأنقرة ليست مصير الشعب السوري، بل الحؤول دون تقوية حزب «الاتحاد الديمقراطي الكردي» المشرف على «وحدات حماية الشعب» والذي ترى فيه الدولة التركية الخطر الرئيسي عليها نظراً لارتباطه بعدوّها اللدود، «حزب العمال الكردستاني» الذي ينشط في تركيا. ومن الملفت أن تدخل أنقرة قد جاء في ركاب قيام النظام السوري، للمرة الأولى منذ بداية الحرب في سوريا، بشنّ حملة واسعة النطاق ضد القوات الكردية في الحسكة.
ثالثاً، يندرج تدخل الدولة التركية على الأراضي السورية في نمط من التعامل مع الجوار العربي ينتمي إلى منطق «سياسة القوة» (Machtpolitik) بانتهاك القانون الدولي، وهو ما اتبعته الدولة الصهيونية. إذ تسمح الدولة التركية لنفسها بالتدخل العسكري على أرض البلدان المجاورة متى تشاء وكيفما تشاء سعياً وراء ضرب أعدائها. ومثلما اعتادت الدولة الصهيونية على ضرب أعدائها الفلسطينيين واللبنانيين على أرض الأردن في الأمس وأراضي لبنان وسوريا حتى اليوم، اعتادت الدولة التركية على ضرب أعدائها الأكراد المتواجدين في شمال العراق (كردستان العراق) منذ أن قوّضت الولايات المتحدة قوة الدولة العراقية وشلّتها في حرب سنة 1991. وها أن أنقرة تنقل هذا السلوك إلى الأرض السورية: وإذ أن هجومها لا يتعلق بدعم الثورة السورية على الإطلاق، بل يستهدف أعداءها الأكراد كما ذكرنا، فإنه ينسجم انسجاماً تاماً مع سلوكها على الأراضي العراقية.
رابعاً، إن أخطر ما في الأمر هو أن نمط التعامل الذي يندرج فيه تدخل الدولة التركية في سوريا، شأنه في ذلك شأن تدخلها في العراق، إنما ينطوي على خلق أدوات سيطرة دائمة تنمّ عن مطامع إقليمية توسّعية، يزيد من خطورتها أن تركيا سبق وضمت أراضي سورية بالتواطؤ مع الاستعمار الفرنسي في عام 1939. فعلى غرار الدولة الإيرانية التي سعت وتسعى إلى تحويل ما استطاعت من الشيعة العرب إلى أدوات لسياسة الهيمنة الإقليمية التي تتّبعها باستغلال العصبية الطائفية، تسعى الدولة التركية إلى تحويل ما استطاعت من تركمان العراق وسوريا إلى أدوات لسياسة الهيمنة الإقليمية التي تتّبعها باستغلال العصبية الإثنية. ومثلما نصّبت الدولة التركية نفسها وصيّة على تركمان العراق، ولا تني تهدد بالتدخل العسكري في كركوك والموصل بحجة الدفاع عنهم، ها أنها تتدخل في جرابلس وجوارها دافعة إلى الأمام «كتائب تركمان سوريا»، الجناح العسكري لـ»مجلس تركمان سوريا» الذي ترعاه أنقرة والذي يشارك في «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية». ومن المعروف أن ما من حيلة بيد الائتلاف إزاء النفوذ التركي الذي يخيّم عليه وعلى سلفه «المجلس الوطني السوري» منذ نشأتهما.
أولاً، جاء هذا التدخل بعد انعطاف موقف أنقرة من النظام السوري وانتقاله من الإصرار على رحيل بشار الأسد، شرطاً لتسوية تنهي الحرب الدائرة في سوريا، إلى القبول ببقائه في سدة الحكم «لمرحلة انتقالية»، تماشياً مع ميل الإدارة الأمريكية إلى المساومة في هذا المجال وانسجاماً مع تبدّل موقف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان المتمثّل في اعتذاره إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين وتصالحه مع الدولة الصهيونية. وقد تم التدخّل التركي بضوء أخضر من جميع الفرقاء المذكورين الذين لا يكنّون للشعب السوري أدنى محبّة.
ثانياً، وفي ضوء ما سبق، ليس الغزو التركي موجّهاً ضد النظام السوري بتاتاً. وهو لم يستهدف تنظيم داعش سوى لانتزاع السيطرة على مساحة الأرض السورية التي كان يسيطر عليها حتى الآن على الحدود مع تركيا. فبعد أن يسّرت أنقرة تحركات داعش طوال المدة التي كان التنظيم خلالها في طور الهجوم على «وحدات حماية الشعب» الكردية، تدخّلت لتحل محله في السيطرة على المنطقة الحدودية عندما أخذ التنظيم يتقهقر، لا سيما بعد هزيمته في منبج. فالمستهدف الأول والأساسي من «عملية درع الفرات» (التسمية التركية الرسمية للغزوة التركية) إنما هو القوات الكردية. وقد استغلت أنقرة الخطأ الجسيم الذي ارتكبته تلك القوات بمحاولتها مد سيطرتها على مناطق حيث الأكراد أقلية، وذلك من خلال «قوات سوريا الديمقراطية» التي تهيمن عليها، خلافاً لخطابها الرنّان عن «الإدارة الذاتية». ويبقى أن أولوية الأولويات في الساحة السورية بالنسبة لأنقرة ليست مصير الشعب السوري، بل الحؤول دون تقوية حزب «الاتحاد الديمقراطي الكردي» المشرف على «وحدات حماية الشعب» والذي ترى فيه الدولة التركية الخطر الرئيسي عليها نظراً لارتباطه بعدوّها اللدود، «حزب العمال الكردستاني» الذي ينشط في تركيا. ومن الملفت أن تدخل أنقرة قد جاء في ركاب قيام النظام السوري، للمرة الأولى منذ بداية الحرب في سوريا، بشنّ حملة واسعة النطاق ضد القوات الكردية في الحسكة.
ثالثاً، يندرج تدخل الدولة التركية على الأراضي السورية في نمط من التعامل مع الجوار العربي ينتمي إلى منطق «سياسة القوة» (Machtpolitik) بانتهاك القانون الدولي، وهو ما اتبعته الدولة الصهيونية. إذ تسمح الدولة التركية لنفسها بالتدخل العسكري على أرض البلدان المجاورة متى تشاء وكيفما تشاء سعياً وراء ضرب أعدائها. ومثلما اعتادت الدولة الصهيونية على ضرب أعدائها الفلسطينيين واللبنانيين على أرض الأردن في الأمس وأراضي لبنان وسوريا حتى اليوم، اعتادت الدولة التركية على ضرب أعدائها الأكراد المتواجدين في شمال العراق (كردستان العراق) منذ أن قوّضت الولايات المتحدة قوة الدولة العراقية وشلّتها في حرب سنة 1991. وها أن أنقرة تنقل هذا السلوك إلى الأرض السورية: وإذ أن هجومها لا يتعلق بدعم الثورة السورية على الإطلاق، بل يستهدف أعداءها الأكراد كما ذكرنا، فإنه ينسجم انسجاماً تاماً مع سلوكها على الأراضي العراقية.
رابعاً، إن أخطر ما في الأمر هو أن نمط التعامل الذي يندرج فيه تدخل الدولة التركية في سوريا، شأنه في ذلك شأن تدخلها في العراق، إنما ينطوي على خلق أدوات سيطرة دائمة تنمّ عن مطامع إقليمية توسّعية، يزيد من خطورتها أن تركيا سبق وضمت أراضي سورية بالتواطؤ مع الاستعمار الفرنسي في عام 1939. فعلى غرار الدولة الإيرانية التي سعت وتسعى إلى تحويل ما استطاعت من الشيعة العرب إلى أدوات لسياسة الهيمنة الإقليمية التي تتّبعها باستغلال العصبية الطائفية، تسعى الدولة التركية إلى تحويل ما استطاعت من تركمان العراق وسوريا إلى أدوات لسياسة الهيمنة الإقليمية التي تتّبعها باستغلال العصبية الإثنية. ومثلما نصّبت الدولة التركية نفسها وصيّة على تركمان العراق، ولا تني تهدد بالتدخل العسكري في كركوك والموصل بحجة الدفاع عنهم، ها أنها تتدخل في جرابلس وجوارها دافعة إلى الأمام «كتائب تركمان سوريا»، الجناح العسكري لـ»مجلس تركمان سوريا» الذي ترعاه أنقرة والذي يشارك في «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية». ومن المعروف أن ما من حيلة بيد الائتلاف إزاء النفوذ التركي الذي يخيّم عليه وعلى سلفه «المجلس الوطني السوري» منذ نشأتهما.
خلاصة الحديث أن المصلحتين الوطنية والديمقراطية على السواء تقتضيان مطالبة جميع القوى الأجنبية بالانسحاب من الأراضي السورية، سواء أكانت روسية أم أمريكية، وسواء أكانت إيرانية، ومن لفّ لفها، أم تركية.
٭ كاتب وأكاديمي لبناني
No comments:
Post a Comment