Thursday, October 5, 2017

مَحاذيرُ تُقامِرُ بها حماس

أسامة أبو ارشيد

Link

مع التطورات المتسارعة التي تشهدها الساحة الفلسطينية، وتحديداً في ملفالمصالحة الوطنية، هي في حقيقتها مصالحة بين حركتيْ فتح وحماس، تصاعد جدل واسع بشأن ما إذا كانت "حماس" تعيش مخاضات فكرية وسياسية، تحت ضغط الواقع، قد تضعها على المسار الذي مضت فيه "فتح". عندما أعلنت "حماس" في الأول من مايو/ أيار الماضي عن وثيقتها السياسية، ومالت فيها إلى لغةٍ سياسية أكثر انضباطاً من لغة ميثاقها الصادر عام 1988، اعتبر رئيس مكتبها السياسي، حينذاك، خالد مشعل، أن "حماس" تطورت ولم تتغير، من دون أن يعني ذلك أي تنازلٍ في مواقفها الكلية المبدئية التي تؤكّد على فلسطين كل فلسطين، ومن دون اعترافٍ أبداً بإسرائيل. ولكن "حماس" أَتْبَعَت وثيقتهاالسياسية تلك بتغيير في الشهر نفسه، وذلك عندما انتخبت رئيس الوزراء السابق، إسماعيل هنية، من قطاع غزة، رئيساً لمكتبها السياسي. 
انتخاب هنية رئيساً للمكتب السياسي سبقه انتخاب يحيى السنوار رئيساً للحركة في قطاع غزة. طبعاً لم يمثل انتخاب السنوار مفاجأة حينها، فالرجل أحد الذين وضعوا اللبنات الأولى للجهازين، العسكري والأمني، لحماس، واعتقلته إسرائيل عام 1988، ولم يخرج إلا في صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011. ما تردّد كثيرون في قوله حينها، إن انتخاب هنية لقيادة الحركة، والسنوار لقيادة تنظيمها في قطاع غزة، أحدث خللاً في توازنات القوى والتمثيل داخل "حماس" بين مناطق وجودها المختلفة. وهي أدركت ذلك أم لم تدرك، فإن مقاربتها للمشروع الوطني الفلسطيني راهناً قد تكون رهينة لهذا التغيير القيادي. عملياً، أصبحت "حماس" أقرب إلى تنظيم غزاوي على حساب الضفة الغربية والشتات، سواء لناحية الثقل والإمكانات والجناح العسكري، والقيادة الآن، بل وحتى الهَمِّ.
بمعنى آخر، سيكون لتركيز الثقل والإمكانات والقيادة في قطاع غزة ما يليه، اللهم إلا أن تتنبه 
"حماس" لذلك باكراً. الأهم أن تتنبه الحركة إلى ما يبدو أنها محاولات جادة من محور مصر-السعودية- الإمارات لتضييق الخناق على تنظيمها في قطاع غزة، ومحاولة عزلها عن حلفائها الأتراك والقطريين، واستمرار عملية تفكيك تنظيمها في الضفة الغربية، عبر أجهزة أمن السلطة الفلسطينية وإسرائيل نفسها، وذلك كله في أفق تطويع "حماس" عبر بوابة الظروف القاهرة في قطاع غزة. ولمن لم يقتنع بعد نحيله إلى تصريحات رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الثلاثاء الماضي، الرافضة لسلاح المقاومة، وتلميحه إلى أن "حماس" ركعت بسبب الضغوط، ولم تأت طوعاً من أجل "المصالحة". أي أن ما يطلبه هذا المحور والسلطة أن حماس تدخل "بيت الطاعة"، لا حماس المتمسكة بالثوابت الفلسطينية.
عودةً هنا إلى مسألة هَمِّ قطاع غزة في مقاربات "حماس". لا أريد أن أُفَصِّلَ هنا بما هو معلوم للجميع من معاناة قطاع غزة وأهله تحت حصار متوحش جائر، فلسطيني (رسمي)، ومصري - عربي، وإسرائيلي - دولي في محاولة لتركيع "حماس" وكسرها. هذه حقائق يعلمها الجميع، وقد تعاملت معها قيادة "حماس" السابقة، كما تتعامل معها القيادة الحالية. لكن الجديد أن الأخيرة، بسبب إقامتها في القطاع المحاصر، يبدو أنها لم تعد تقارب تعقيدات القضية الفلسطينية إلا من خلال نكبة غزة وظرفها المأساوي، وذلك على حساب المقاربة الجَمَعِيَّةِ الأوسع. وحتى لا يسيء بعضهم فهم ما أطرحه هنا، فإني أؤكد إيماني بحق أهل قطاع غزة ألا يروا الدنيا إلا من خلال ثقب إبرتهم، ولكن ليس من حق قيادة حركة فلسطينية كبيرة وأساسية، مثل "حماس"، أن لا ترى الدنيا إلا من خلال ثقب إبرة غزة. فلسطين أكبر من قطاع غزة، ونكبتنا في قطاع غزة جزء من نكبتنا في فلسطين كلها، ولن يمكن حل قضية القطاع جذرياً من دون حل قضية فلسطين ذاتها.
هذا المقال جرس إنذار لِلْكُلّ الفلسطينيّ، بعيداً عن تجاذبات قطبي حماس - فتح. مقاربة "فتح" لمشروعنا الوطني الجَمعِيِّ اختزلت فلسطين في بعض الضفة الغربية وقطاع غزة، قبل أن تختزله أكثر في بعض الضفة الغربية. وتسير حركة المقاومة الإسلامية (حماس) اليوم على طريق اختزال مشروعنا الوطني الجَمعِيِّ في قطاع غزة، فماذا يتبقى لنا، بعد ذلك، من فلسطين وحقوقنا التاريخية فيها غير الشعارات؟ من حقنا، نحن ـ فلسطينيي الضفة الغربية والداخل المحتل عام 1948ـ وكذلك الخارج.. من حقنا أن نخشى من اختزال المشروع الوطني الفلسطيني في بعض أجزائه وأطرافه. دائما ما عابت "حماس" على منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح والسلطة الوطنية إهمالها الكلّ الفلسطيني، وها هي اليوم تسير على المنوال نفسه، ربما غير واعية ولا قاصدة، لكن النتيجة ستكون واحدة.
يبدو تسارع خطوات قيادة "حماس" اليوم في قطاع غزة غير مدروس، ولا يبدو أنه محل 
توافق في أماكن وجودها كلها. كما أنه لا يمكن فهم هذا التسويق والتجميل لـ"مصالحة" تعلم "حماس" أنها وَهْمٌ وقائمة على أسس خطيرة. نعم، "المصالحة" ضرورة لتخفيف الحصار عن قطاع غزة وأهله، لكن بيع الوَهْمِ وخداع الذات والشعب الفلسطيني أمر خطير، ولا يبرّره شيء، والمطلوب من "حماس" اليوم أن تقدم تطمينات ورؤية لتصورها المستقبلي للعمل لفلسطين كلها. وكان السنوار قد أطلق، في شهر يونيو/ حزيران الماضي، تفاهمات مع محمد دحلان، لا يبدو أن الحركة ناقشتها وتوافقت عليها في مؤسساتها الشورية الوطنية. ثمَّ ها هي "حماس غزة" التي تمثل مجمل القيادة الكلّيَةَ للحركة اليوم، تطلق جولة جديدة من المفاوضات مع سلطة عباس، ولا يبدو أن الكل في "حماس" منخرط فيها، ويبدو أن كثيرين، خصوصاً في غزة، يخشون أن يفتحوا أفواههم مخافة أن "تُكْسَرَ أعناقهم" كما هدّد السنوار! 

مرة أخرى، هذا ليس رفضاً لمصالحة وطنية حقيقية، ولا تشكيكاً بأهمية رفع الحصار عن قطاع غزة بأي شكل، وضمن ثمن معقول لا يمس الثوابت الوطنية والمصالح العليا. القضية هي في هذا الاختلال الذي تعاني منه "حماس" اليوم، والذي بموجبه أعطت قيادتها في قطاع غزة نفسها حق التقرير عن كل أجنحتها، أو ربما غصباً عنها. وإذا كانت تلك مشكلة "حماس"، فإن المشكلة لا تقف عند ذلك الحد. إذ إن حديث "المصالحة" الحالي مقلق جداً، وبعض قيادة "حماس" الحالية تسير على خطى "فتح" من قبل في منع أي نقاش جاد بشأن سياقات هذه "المصالحة" محلياً وإقليمياً ودولياً، والتي جعلت من مصر- السيسي، التي تخنق قطاع غزة، بقدرة قادر، راعياً لها! ألم نشتك/ نحن الفلسطينيين، يوما، ومن ضمننا "حماس"، من استئثار حركة فتح واحتكارها مشروعنا الوطني الفلسطيني الجَمعِيِّ، والذي أنتج لنا كارثة "أوسلو"؟ ألا يحق لنا اليوم أن نشكك في نوايا محور مصر- السعودية- الإمارات الذي يدفع في اتجاه هذه "المصالحة" وأثمانها، بضوء أخضر أميركي على ما يبدو!؟ أيحق لنا، نحن ـ الفلسطينيين ـ أن نتساءل لماذا؟ وبأي ثمن؟ هل هي جزء من "صفقة القرن" لتصفية ما تبقى من فلسطين؟ ألم يَأْت الأوان لإعادة بعث مشروع وطني جامع، يتوافق فيه الفلسطينيون في كل أماكن وجودهم على حدود دنيا، من دون التنازل عن الحدود العليا؟ هل تعمل "حماس" على إطلاق الصافرة التي طال انتظارها؟ هذا ما نرجوه.

No comments: