Tuesday, March 27, 2007

قمة عربية مريبة

If you Read Arabic, This is a Must Read

عبد الباري عطوان

28/03/2007

اختتمت السيدة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية جولتها المكوكية في المنطقة بتوجيه نصيحة الي الزعماء العرب الذين سيجتمعون اليوم في الرياض بضرورة المصالحة مع الدولة العبرية، والاقدام علي خطوات تطبيعية معها، لطمأنتها، وبالتالي تشجيعها علي المضي قدماً في عملية السلام.
ومن الصعب علينا التكهن بكيفية تعامل القادة العرب مع هذه النصيحة، او التوجيه الامريكي، ولكن ما يمكن استخلاصه من كل ما تسرب عن محادثاتها مع وزراء خارجية دول الرباعية العربية هو وجود مرونة عربية، ولو من قبل محور الاعتدال ، لبدء اتصالات مع حكومة ايهود اولمرت، بعد ان اصبح الجميع يؤمن بأن الخطر الذي يهدد المنطقة قادم من ايران وبرنامجها النووي علي وجه التحديد.
الصحف الاسرائيلية لم تتوقف طوال الاسابيع القلـــيلة الماضية عـــن الحديث عن وجود اتصالات سعوديــة ـ اسرائيلية، وذهب الحال بالصحافي الامريكي توماس فريدمان الي درجة مناشدة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز اتباع خطـــــي الرئيس الراحل انور السادات، والذهاب الي القدس المحتلة ومخاطبة البرلمان الاسرائيلي مباشرة لتحقيق المصالحة التاريخية بين العرب والاسرائيليين، وتحقيق التسوية التي تنهي الصراع بينهما الي الأبد.
السيدة رايس لا تنطق عن هوي، وانما تستند الي سوابق عربية، فتحت ذريعة طمأنة اسرائيل وتشجيعها للمضي قدماً في عملية السلام، اقامت عدة دول عربية علاقات دبلوماسية، وفتحت سفارات ومكاتب تجارية في عواصمها، ولكن جاءت النتائج مخيبة للآمال كلياً، فقد ترسخ التطبيع، دون ان يحدث اي تقدم علي صعيد السلام، والأكثر من ذلك ان الاطمئنان الذي حصلت عليه الدولة العبرية من جراء هذا الكرم العربي، شجعها علي بناء المزيد من المستوطنات، واعادة احتلال الضفة الغربية، وارتكاب مجازر اكثر فظاعة في جنين وبيت حانون ورفح ونابلس.
القمة العربية لن تقدم علي تعديل مبادرة السلام التي تبنتها قمة بيروت عام 2002، حتي تتجاوب مع المطالب الاسرائيلية في اسقاط اهم بندين فيها، وهما حق العودة ومنع توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول التي يقيمون فيها مثل الاردن ولبنان وسورية، ولكنها، اي القمة، ستعمل علي الالتفاف حول هاتين المسألتين، بطريقة او بأخري.
فإحياء مبادرة السلام العربية، بعد خمسة اعوام من الموات، وفي مثل هذا التوقيت بالذات، هو امر يثير الريبة والشك، خاصة بعد اعلان اكثر من وزير خارجية عربي، بينهم السيد احمد ابو الغيط، ان هذه المبادرة هي اطار للسلام يمكن ان يكون اساساً للتفاوض من اجل حل القضية الفلسطينية.
فاطار السلام قابل للتعديل، والأخذ والرد، عندما تبدأ المفاوضات، ونحن نعرف ان الطرف الاسرائيلي هو الأكثر مهارة في المساومة، وفرض صياغات مبهمة للمعاهدات او للحدود، وثقوب اتفاقات اوسلو الكثيرة هي المثال الأبرز في هذا الخصوص.
مسؤول كبير يمثل احدي دول اللجنة الرباعية العربية قال لي شخصياً إن هناك ثلاثة ملفات رئيسية مطروحة امام القمة العربية، هي النزاع العربي ـ الاسرائيلي، والوضع المتفجر في العراق، والبرنامج النووي الايراني. واعترف بأن الملف الاول اي الفلسطيني هو اسهلها واقلها تعقيداً، ولهذا يمكن ان يتم البدء في التعامل معه، بعدها يتم الانتقال الي الملف العــراقي ثم الملف الايراني.
سهولة الملف الفلسطيني المفاجئة هذه تعود الي أمرين اساسيين، الاول هو عدم وجود قيادة فلسطينية قوية، وترويض حركة حماس من خلال ادخالها حكومة الوحدة الوطنية، وبيت الطاعة العربي عبر بوابة اتفاق مكة ، والأمر الثاني اتفاق محور المعتدلين العرب علي التضحية بهذه القضية وتقديم تنازلات كبيرة بشأنها، من اجل الدخول في شراكة امنية وعسكرية مع الدولة العبرية لخوض حرب مشتركة للتخلص من التهديد النووي الايراني.
فليس من قبيل الصدفة ان يتم تجويع الشعب الفلسطيني لأكثر من عام بوقف الرواتب والمساعدات عنه، ومشاركة الدول العربية بـحماس غير معهود في هذا الحصار المالي الظالم. فالهدف هو تيئيسه وإذلاله، ودفعه للقبول بأي شيء بما في ذلك التنازل عن حق العودة.
فالحكومة الفلسطينية الجديدة ليست معنية بالمفاوضات، ولا بدعم المقاومة، وانما بكيفية كسر الحصار، فالهدف الاساسي من تشكيلها هو كيفية استئناف ضخ المساعدات العربية والدولية لموظفي السلطة، ونيل الاعتراف الامريكي والاوروبي بها. ومن اللافت ان حركة حماس دخلت هذه المصيدة، واصبحت المحلل لمثل هذا التوجه المرسوم بعناية من قبل الولايات المتحدة واسرائيل وبعض الدول العربية.
السيدة رايس اكدت علي هذه المسألة بوضوح عندما نجحت في ترتيب لقاءات دورية بين السيد محمود عباس رئيس السلطة، وايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي، تبحث في القضايا الامنية والانسانية فقط، اما قضايا الحل النهائي والجدار العنصري العازل، والتوسع الاستيطاني وخنق القدس، فعليها ان تنتظر ريثما يهدأ غبار الحرب القادمة ضد ايران، وتحصل الولايات المتحدة علي ما تريد، وتغير النظام في طهران مثلما غيرت النظام في العراق، ولكل حادث حديث بعد ذلك.
اللقاءات المنتظرة، او المتفق عليها بين عباس واولمرت برعاية امريكية، هي بهدف الايحاء بان القضية الفلسطينية علي طريق الحل، مما سيسهل، او سيوفر الغطاء، للقاءات عربية علنية مع المسؤولين الاسرائيليين، وخاصة بين مسؤولين عرب في دول لم تقم علاقات مع تل ابيب مثل المملكة العربية السعودية ودول الخليج.
القمة العربية الحالية ربما تدخل التاريخ كقمة تشريع التطبيع، وتأكيد الزعامة السعودية للمنطقة بعدما تخلت عنها مصر طوعاً، وانتهت منافسة العراق لعدة عقود، واصبحت القيادة السورية تسعي جاهدة لنيل الرضي السعودي، او تجنب العزلة الخليجية.
تأكيد الزعامة السعودية للعرب علي درجة كبيرة من الاهمية، لانه يعني توفير الغطاء السني العربي والاسلامي لأي ضربة امريكية قادمة وشبه مؤكدة لايران، لان السعودية ستكون الشريك الاساسي فيها، مثلما كان حالها في كل الحروب الامريكية في المنطقة ابتداء من حربي افغانستان الاولي ضد السوفييت، والثانية ضد الارهاب وانتهاء بحربي امريكا ضد العراق، لتحرير الكويت اولاً، واطاحة النظام البعثي الوطني ثانياً.
ما زلنا، وسنظل نعتقد ان هذه القمة هي اخطر القمم العربية، او واحدة من اخطرها علي الاقل، ومثلما غيرت قمة القاهرة في اب (اغسطس) عام 1990 وجه المنطقة، واغرقتها في الفوضي والحروب الاهلية وادخلتها تحت الهيمنة الامريكية، فان هذه القمة قد تكرس الاهداف نفسها، وتضيف اليها تقسيم العالم الاسلامي الي معسكرين احدهما سني وآخر شيعي، وتمزق الدول القطرية نفسها، وتغرقها في حروب اهلية علي هذا الأساس

No comments: