Monday, September 1, 2008

الخلاص في حل السلطتين


A Great Editorial (Arabic) by Abdul Bari Atwan

الخلاص في حل السلطتين
عبد الباري عطوان
"......
اولمرت المتهم بالفساد والمستقيل من زعامة حزبه، تصرف مع الرئيس الفلسطيني كما لو انه رئيس مجلس بلدي تابع له، يؤنبه على بعض تصرفاته، ويقدم له قائمة من المحظورات عليه الالتزام بها وعدم خرقها. الرئيس عباس، ومثلما تسرب من اخبار على ألسنة مرافقيه الذين حضروا الاجتماع، لم يعارض هذا التصنيف بدليل انه قدم تفسيرات، وتبريرات، لدرء اللوم عن نفسه، عندما قال موضحاً ان قنطار هو الذي اندس بين الحشد وتقدم اليه مصافحاً دون علمه أو دعوته.
.......
لو كنت مكان السيد عباس، والحمد لله اني لم ولن أكون، لما قدمت اي تبريرات او تفسيرات، بل لما سمحت لهذا القاتل الفاسد أو غيره، ان يوجه مثل هذا العتب الاستنكاري مطلقاً، لان اولمرت ما زال، وسيظل، عدواً للشعب الفلسطيني، والامة العربية، ومجرم حرب يرأس حكومة تتبنى العدوان، وتحتل أراضي عربية، وترتكب مجازر في حق الابرياء، وتتوسع في الاستيطان، وتعتقل أكثر من عشرة آلاف اسير خلف القضبان.
ولعل الاهانة الأكبر التي وجهها اولمرت للرئيس الفلسطيني في اللقاء المذكور هي محاولة اقناعه بقبول تسوية جزئية، تستثني القدس المحتلة، وبقية قضايا المرحلة النهائية، مثل حق العودة والمستوطنات والحدود والمياه، وهي المقترحات التي رفضها الرئيس الفلسطيني مثلما اكد الدكتور صائب عريقات رئيس هيئة شؤون المفاوضات.
الرئيس عباس سيتوجه إلى واشنطن في الأيام القليلة المقبلة للقاء الرئيس جورج بوش الابن، ونتوقع ان يتعرض لضغوط أكبر لقبول المقترحات المهينة نفسها أو بعضها من أجل انقاذ ماء وجه ادارة أمريكية غارقة في الهزائم في العراق وافغانستان واخيراً جورجيا، حتى ان عدداً كبيرا من حلفائها الاوروبيين باتوا يبتعدون عنها وسياساتها الخارجية الفاشلة، ونخشى ان يضعف الرئيس عباس امامها ويقبل بها أو ببعضها.
وحتى لا يقع في 'المصيدة الأمريكية' الأقوى لا بد من تحرك فلسطيني وعربي فاعل، وسريع، للتأكيد على فشل الرهان على المفاوضات وسقوط حل الدولتين، والتحذير من التفريط بأي من الثوابت الفلسطينية التاريخية، والتأكيد على أن طرفي المعادلة الفلسطينية في رام الله وغزة قد فشلا في تحقيق أي تقدم ملموس للشعب الفلسطيني وقضيته، وانشغلا بأمور حياتية ثانوية بعيداً عن الأهداف العليا والسامية.
فإذا كان هناك اجماع فلسطيني على ان المفاوضات والمراهنين عليها وصلوا إلى طريق مسدود، واهدروا وقتاً ثميناً في عملية سلمية وهمية وعبثية، فان من قبلوا بتهدئة مسمومة، وتخلوا عن المقاومة، ولو مؤقتاًَ، وهم الذين يتطلعون إلى الشهادة كهدف مقدس، لم يقدموا البديل الأنجع في وقت يبحث فيه الشعب الفلسطيني عن هذه البدائل. علينا أن نعترف بان جميع مكونات الهوية الوطنية الفلسطينية قد ضُربت، وان السلطة الفلسطينية التي جاءت ثمرة خطة اسرائيلية أمريكية محكمة، لعبت دوراً كبيراً في تفكيك هذه الهوية، وتحويل الشعب الفلسطيني من شعب مناضل من اجل استعادة حقوقه المشروعة، يحظى بالتفاف العالم بأسره حوله، الى شعب متسول، يبحث عن الراتب، في آخر الشهر بعد ان اصبح اسيراً له، لا يستطيع العيش بدونه.
سلطة رام الله تتسول الرواتب، وسلطة غزة تتسول فتح المعابر، ولو جزئياً، لادخال كميات من الطعام والوقود والأدوية، أي اننا نعود كشعب الى مرحلة ما قبل عام 1967، أي نعيش على مساعدات وكالة الغوث، التي تكاد تبقينا على حافة الحياة في مخيمات اللجوء والقهر دون اي كرامة وطنية، ننتظر كرم الدول المانحة، وحفنات دقيقها، وأرزها، وتمرها، وملابسها البالية.
ومثلما كانت قوات الامم المتحدة تتمركز في قطاع غزة لمراقبة الهدنة، بين العرب والاسرائيليين، هناك من يخرج علينا باقتراح غريب ومفاجئ بارسال قوات عربية، بقيادة مصرية، الى القطاع للفصل بين الفلسطينيين انفسهم اولاً، ثم بينهم وبين الاسرائيليين ثانياً، أي ان القوات العربية، بدلاً من ان تدخل الى غزة محررة (بكسر الميم)، مثلما كان يأمل الفلسطينيون المحاصرون المجوعون، تذهب الى القطاع محايدة بقبعات زرقاء، مثلها مثل القوات الكندية والهندية والبرازيلية والنرويجية، سابقاً. أي ان التاريخ يعيد نفسه ولكن بصورة اكثر سوءاً.
السيد احمد ابو الغيط وزير الخارجية المصري وصاحب نظرية كسر الاقدام يستحسن الفكرة هذه ويتحمس لها ويعتبرها 'جذابة' الأمر الذي يدفعنا الى توجيه سؤال بسيط له وهو: كيف سيرسل هذه القوات الى القطاع ورئيسه، لا يستطيع زيادة عدد القوات المصرية جندياً واحداً في سيناء، رغم توسلاته للاسرائيليين، واكثر من مرة، من اجل هذا الغرض؟ وتقديمه خدمات غير مسبوقة لحماية امنها سواء بقتل المتسللين الأفارقة عبر حدودها طلباً للجوء او تدمير العشرات من انفاق رفح على الحدود المستخدمة في تهريب الطعام ولقمة الخبز للمحاصرين.
المراجعة الفلسطينية الشاملة من قبل السلطتين في رام الله وغزة، ومن كل ابناء الشعب الفلسطيني للخروج من حالة الشلل الحالية التي تعيش في ظلها القضية المركزية الاولى، باتت حتمية وملحة، فاستمرار الاوضاع على وتيرتها الراهنة، في ظل الرهان على اوهام، والتضحية بالثوابت الوطنية من اجل راتب، او قارورة غاز، امر خطير علاوة على كونه معيبا، ويشكل اهانة للتاريخ الفلسطيني الحافل بالتضحيات والبطولات.
فالحوارات الفلسطينية التي تستضيفها القاهرة حالياً، هي محاولة لإطالة بقاء حالة الشلل الحالية هذه لأطول وقت ممكن، وبما يخدم اسرائيل التي تستغلها لالتهام الارض، وتهويد القدس، وتكريس الاحتلال، وتمزيق الهوية النضالية والجهادية الفلسطينية.
المطلوب الآن حوار فلسطيني - فلسطيني مستقل يتركز حول كيفية الخروج من هذا المأزق، ويكون عنوانه حل السلطتين في قطاع غزة ورام الله، وايقاف مسلسل التسول والتوسل الفلسطيني الحالي، بأسرع وقت ممكن، والعودة الى المربع الأول الذي نسيناه جميعاً، وهو مربع المقاومة والتحرير بكل الطرق والوسائل.
الرئيس عباس الذي راهن على المفاوضات، وحل الدولتين، منذ اشرافه على مفاوضات اوسلو يجب ان يعترف علناً بفشل رهانه هذا، وان يبادر مثل كل الزعماء الشجعان الى حل السلطة التي يتزعمها، وان يبادر بالاستقالة من كل مناصبه الحالية، فهكذا فعل ويفعل جميع الزعماء السياسيين عندما يفشل مشروعهم، والفلسطينيون ليسوا استثناء.
نعترف وبأسف اننا لا نرى اي مؤشر لأي تحرك في هذا الاتجاه، بل نقرأ 'فتاوى قانونية' تشرّع تمديد بقائه في السلطة، رغم الفشل الحالي الواضح للعيان، بعد انتهاء فترة رئاسته القانونية في كانون الثاني (يناير) المقبل. فوعاظ السلاطين المستفيدون من هذه السلطة جاهزون بفتاواهم لتحويل الفشل الى نجاح، و'رش سكر على الموت' مثلما يقول المثل الشعبي.
الشعب الفلسطيني الذي قدم آلاف الشهداء والأسرى يجب ان يتحرك، لإنقاذ نفسه وهويته، وقضيته، من المستنقع العفن وتقليص الخسائر بأسرع ما يمكن، والعودة الى الطريق الصحيح الذي سارت عليه جميع الشعوب الأخرى، واقالة كل من اوصله الى هذا الوضع البائس المخجل والمعيب."

No comments: