Saturday, November 15, 2008

توظيف ذوي السوابق الجنائية من فيتنام الى العراق

توظيف ذوي السوابق الجنائية من فيتنام الى العراق

مقاله رائعه
هيفاء زنكنة

".......
اذ قام احد جنود الدورية الامريكية، المتوقفة عند نقطة تفتيش عراقية في منطقة الزنجيلي، وسط مدينة الموصل، باصدار الاوامر الى برزان بطريقة مهينة وعندما احتج برزان شتمه الجندي الامريكي وبصق عليه ثم ضربه امام الآخرين، فما كان من برزان غير ان يجيبه برشه والآخرين بنيران رشاشه، مما ادى الى قتل اثنين من جنود الاحتلال وجرح ستة آخرين قبل استشهاده.
ومن المتوقع ان تزداد شراسة وعنجهية جنود الاحتلال كلما شعروا بانهم محاصرون من جميع الجهات بالكراهية والرغبة المتزايدة والملحة برحيلهم السريع. وفي حالات اطلاق النار المتبادل ما بين جنود الاحتلال والجنود العراقيين، تذكير مهم خاصة للطرف العراقي بان جنود الاحتلال، عموما، ينظرون باحتقار الى المتعاونين معهم من العراقيين سياسيين كانوا أو من اجهزة الشرطة والحرس والجيش، خاصة من يقوم بتنفيذ العمليات العسكرية الهجومية وعمليات المداهمة للبيوت، كما تختلط مشاعرهم تجاههم بالخوف وعدم الأمان حتى ولو كانوا من أكثر المتعاونين طاعة لهم.
ولعل افضل من يوضح مشاعر عدم الثقة والاحساس بقلة الامان هم جنود العدو نفسه، اذ كتب احد جنود المارينز المتقاعدين، في موقعه الالكتروني، عن حادث قتل الجنود الامريكيين في الزنجيلي، قائلا: 'هذه مسألة شائكة حقا. لقد عملت في فيتنام مع العديد من اهل البلد الذين تعاونوا معنا ضمن القوات الخاصة.
بشكل عام، لقد اوليتهم ثقتي من ناحية وان كنت من ناحية اخرى اشعر بالخوف دائما، خاصة اثناء عملي مع كشافة كت كارسون، أي العدو السابق الذي انتقل للعمل معنا، كما كنت اخاف حتى من جنود فيتنام الجنوبية المفترض انهم بجانبنا. كنا نعلم بان في صفوفهم جواسيس وارهابيين. انه موقف صعب جدا. أصلي للعوائل التي فقدت ابناءها في هجوم الزنجيلي الجبان'.
وكشافة كت كارسون التي يتحدث عنها جندي المارينز هم الفرقة الامريكية الخاصة المكونة من مقاتلي المقاومة الفيتنامية (الفيتكونغ) واطلق عليهم باللغة الفيتنامية اسم
(الاعضاء العائدين) أو (الصحوة) في حالة العراق، أي الذين تخلوا عن المقاومة وتعاونوا مع قوات الاحتلال على مستويات مختلفة من بينها تزويد العدو بالمعلومات والاخباريات والرصد والقاء القبض على افراد المقاومة واشاعة الصورة الايجابية عن القوات الامريكية بالمقارنة مع البقية. وقد اطلق الاسم، لاول مرة، على احد افراد قبيلة للهنود الحمر الذي عمل مع الجيش الامريكي كمرشد لتسهيل وصولهم الى مناطق القبائل المقاتلة وساعد في حملة الابادة الشاملة التي استهدفت اهل البلد الاصليين عند وصول المستوطنين البيض الى اراضي أمريكا الحالية. ويعتبر ذلك اول عمليات (مكافحة التمرد). واستخدم الجيش الامريكي الاسم والاسلوب ثانية في فيتنام وها هو يستخدمه في العراق لتقسيم اهل البلد وبضمنها ما يسمى بقوات الصحوة ضد المقاومة العراقية المستهدفة لقواته.
واذا كانت قوات الصحوة العراقية التي قرر بعض افرادها من ابناء المقاومة سابقا، التحول الى مرتزقة برواتب وعقود تجدد مرة كل ستة شهور، تواجه حملة اغتيالات واعتقالات لم تضعها في اعتبارها عندما ربطت مصيرها بوجود العدو الزائل، فلعلها ستحذو حذو الجندي برزان عبد الله في عمليته التي اعادت اليه الاعتبار بين اهله وابناء بلده. وتدل دروس التاريخ المستخلصة من حروب التحرير الوطنية ان تكتيك خدمة العدو فاشل لا محالة ودرس التحاق بعض مقاتلي الفيتكونغ بقوات عدوهم وفرقته الخاصة المسماة كشافة كت كارسون لا زال ماثلا في الاذهان.
ففي مقالة نشرتها صحيفة 'التايم' الامريكية بتاريخ 23 آب/اغسطس 1968 بعض التفاصيل المهمة عما اسميه بقوات الصحوة الفيتنامية. اذ قامت قوات المارينز المحتلة لفيتنام الجنوبية بتشكيل فرق الصحوة من مقاتلي الفيتكونغ الذين تخلوا عن المقاومة لإضعافها وتمزيق صفوفها واشاعة اليأس بين ابناء الشعب ولتقليل خسائرها المتزايدة. وكان انضمام المقاتلين السابقين يتم وسط ضجة اعلامية كبيرة وبعد دقائق من وصولهم توفر لهم الخدمات الطبية ووجبات الطعام والمكافأة المالية. خلال اربع سنوات انضم الى الفرق 83 ألفا من الفيتكونغ. أي ما يعادل 33 فرقة قتالية. كما قامت القوات الامريكية بمنح مكافاة لكل قطعة سلاح يقوم بتسليمها المقاتل الفيتنامي. وتختلف قيمة المكافاة حسب نوع قطعة السلاح.
وقد استلم احد مقاتلي الفيتكونغ مبلغ 16 ألف دولار عندما أخبر عن مستودع سري للسلاح. ولا يطلب من الفيتكونغ المشاركة بالمهمات القتالية فحسب بل يعمل أيضا في المجال الدعائي مؤكدا لابناء الشعب تحسن احواله لتخليه عن المقاومة وتعاونه مع القوات الامريكية. وقد تم تعيين عدد من النخبة في مناصب حكومية.
الا ان التعامل لم يكن وديا مع الجميع واقتصر تعيين العملاء في مناصب محددة لاسباب امنية ولانعدام الثقة بهم فضلا عن الشعور الامريكي بالاستعلاء العنصري تجاههم. وقد وصف احد الكشافة تعيينهم بانه 'يشبه توظيف ذوي السوابق الجنائية'.
وكانت كراهية اهل فيتنام الجنوبية واضحة ايضا ضدهم نتيجة سنوات الحرب الطويلة. وقد بدأ التناقص في اعدادهم وبشكل كبير متزامنا مع احساس الجميع بحتمية الخسارة الامريكية واقتراب رحيل قوات الاحتلال. وهو يشبه الى حد كبير التخلي الامريكي التدريجي عن قوات الصحوة وتركها رهينة حكومة الميليشيات من جهة وكراهية الناس من جهة ثانية.
وعن المنظور الامريكي للتحالف مع العراقيين، وان كانوا من المتعاونين معهم، يقول الكاتب جورج ميلنغير، وهو جندي سابق حارب في فيتنام: 'تشير الدلائل باننا سنخوض حربا ضد ايران في المستقبل القريب. مما يجعلنا بحاجة ماسة الى التعاون مع دولة الامارات مثلا. ان الكثيرين من ابناء جيلي يتذكرون مصطلح كشافة كت كارسون. واذا ما خانتكم الذاكرة دعوني اذكركم. انهم الاعداء السابقون ولم تأت الثقة بهم بشكل تلقائي الا اننا كنا بحاجة ماسة لمساعدتهم لذلك عملنا معهم، او على الاقل تظاهرنا بذلك. وان كنا بشكل عام لا نثق اطلاقا باي فيتنامي. أما اليوم، فان الكثيرين منا يشعرون بان الثقة بالعرب والمسلمين ليست مسالة طبيعية ولكننا في وضع معين يتطلب منا ان نثق بهم او نتظاهر باننا نثق بهم لاننا بحاجة ماسة الى مساعدتهم لمحاربة الآخرين منهم ممن نعلم باننا لا نستطيع ان نثق بهم. هل تفهمون ما اعنيه؟'.
أن منظور قوات الإحتلال وعنصريته، والتقاليد العسكرية الأمريكية منذ كشافة كت كارسون، لم تتغير منذ إستيطان الولايات المتحدة، وقد نجحت مع الهنود الأمريكيين، غير انها لم تنجح الا جزئيا في تغطية الخروج التدريجي للقوات الأمريكية من فيتنام في السنوات التي سبقت خروجهم المذل بطائرات الهليكوبتر من على سطح السفارة الأمريكية في سايغون
. "

No comments: