Friday, March 20, 2009

جرائم الحرب.. أفكار حول معنى المحاكمة


Another Great Piece by Azmi Bishara

عزمي بشارة

Note: An English version of this article appeared on Al-Ahram Weekly and was posted here.

"......
تستند كل هذه الحالات إلى إرادة دول قوية للمحاسبة، كما تقوم على قدرة دول قوية ذات سيادة قادرة ليس فقط على وضع القانون بل أيضا على تنفيذه حين تشاء.

وبهذا المعنى فإن التفكير في القانون الدولي بمفهوم سيادة القانون في دولة ذات سيادة، هو تفكير خاطئ من أساسه. فالقانون الدولي ليس سيّدا ولا يُطبَّق كأنه في دولة ذات سيادة تمتد على مساحة العالم، ولا وجود لسلطة تنفيذية تطبقه سوى الدول القوية. أي أنه لا يستوي بدون سياسة ومصالح سياسية وأهداف سياسية.

وليست هنالك مساواة أمام القانون الدولي بموجب مبدأ المساواة أمام القانون المتبع في الدول الديمقراطية، لا نظريا ولا عمليا. من هنا نتابع فنقول:

1- تدعي إسرائيل منذ عقود أنها تتعرض لجرائم ضد مدنييها في خضم سياساتها الاحتلالية والمقاومة الفلسطينية ضدها. وتسمى هذه الجرائم بلغتها "إرهابا".

ولكننا لم نشهد في يوم من الأيام توجها إسرائيليا للقضاء الدولي. وذلك من قبل الدولة الوحيدة التي قامت بقرار من الأمم المتحدة، أو بموجب ما يحب العرب أن يسموه "الشرعية الدولية". وقد اقتصت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ممن أرادت، وحتى في إطار عمليات انتقامية نفذتها في أوروبا الغربية ذاتها، على أرض دول صديقة لها. وعلى هذا درجت الولايات المتحدة في "حربها على الإرهاب" على الساحة الدولية. وغيرها دول كثيرة.

وليس صدفة أنه في حالة غزة مؤخرا، وبدرجة أقل في حالة الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في لبنان، تصر المجتمعات والشعوب العربية، وليس الدول على التوجه إلى المحاكم. وينشط في ذلك حقوقيون ونشطاء اتحادات وتنظيمات مدنية، لأن الشعوب العربية تعيش شعورا عميقا بالذل والهوان. وهي تدرك أن دولها عاجزة عن أخذ حقها
....
ولا يتوقف الرأي العام العربي عند التفاصيل والتفسيرات، بل هنالك شعور عميق بالظلم يرافقه شعور بعجز الأنظمة. ومن هنا ترتفع التوقعات الشعبية ممن أخذوا على عاتقهم الاقتصاص من المسؤولين الإسرائيليين بالقانون الجنائي إن كان وطنيا في دول منفردة أو دوليا
.....
وما زال القانون الدولي بموجب هذا التقليد، وبموجب الواقع الدولي لا يحاسب دولة غربية، خاصة إذا خرجت منتصرة من الحرب. فلم يحاكم أميركي واحد بتهمة ارتكاب جرائم حرب لا في فيتنام ولا في العراق ولا غيرها.

وينطبق هذا على كافة جرائم الاستعمار بأشكاله الأقدم، والاستعمار الصهيوني الأحدث. كما ينطبق على الدول الكبرى مثل الصين، التي ترفض أن تُطبَّق عليها مثل هذه القوانين
....
2- يعني خضوع حركة تحرر للقانون الدولي الشكلاني أنها تضحي بالمضامين التحررية لصالح شكليات قانونية ليست لديها حتى القدرة على تنفيذها، أي أنها تضحي بالحق الطبيعي في التحرر وضرورة تأسيسه على قوة قادرة على تحقيقه والدفاع عنه لصالح مبادئ قانون دولي لم تعدّ من أجلها، وليست لديها القدرة على التحكم بها. وهي على أية حال تصبح غير قادرة أصلا على تنفيذها حالما تنازلت عن عناصر قوتها هي.
القانون الدولي يعترف بدول. أما حركات التحرر فلا يعترف بها. وإذا اعترف بها دون أن تحصل مكانة وسيادة الدولة، فسوف يلقي عليها واجبات الدول دون الحقوق التي تتمتع بها الدول. لأن الواجبات يفرضها الآخرون، أما الحقوق فيجب أن يفرضها صاحب الحق، أو يكون رهينة لمشيئة الآخرين
.....
هنا ننتقل إلى النقطة الأخيرة. لا تستحق المحاكم الدولية الذهاب إليها في الظرف الدولي الراهن، الذي يساوي في أفضل الحالات بين المجرم والضحية وغالبا ما يلوم الضحية، إذا كان هذا الذهاب مرهونا بالتنازل عن مواقف سياسية تمنح شرعية لإسرائيل أو يتم فيها التنازل عن حقوق المقاومة والتحرر
.....
وحين انتقلت الدول العربية إلى التسوية ومبادرات السلام، نشأ انطباع أن هنالك تناقضا بين اتهام حكام إسرائيل بأنهم مجرمون وبين صنع السلام معهم.

ولذلك نلاحظ أن الرسميين العرب إذا ذكروا الجرائم فإنما يذكرونها بخجل وتحفظ بالعربية، ولكن يصعب عليهم إبداء الموقف من مجرم الحرب في سلوكهم. فمن يُتَّهم بجريمة حرب لا يندفع موجهو التهمة لاعتباره شريك سلام بعد حرب لبنان، ناهيك عن عدم اتخاذ حتى المسافة الجسدية اللازمة رصانة حين التعامل مع من يعتبرهم القادة مجرمي حرب، لو صح أنهم يعتبرونهم فعلا مجرمين وأن هذا الأمر يهمهم.

وطبعا هذا السلوك العربي المزدوج لا يساعد كثيرا على الحلبة القضائية، فلا يصح عند اتهام مسؤول بجريمة حرب أن يرافق الاتهام أخبار مكثفة عن زيارات ومصافحات واستقبالات ومؤتمرات سلام. فالعالم ليس غبيا، وهو يبحث باستمرار عن شاهد كفيل لإسرائيل.
"

No comments: