Thursday, August 28, 2014
السلطة الفلسطينية والعدوان: السير على حدّ السكّين
ترى أوساط من الكتّاب والمراقبين الفلسطينيين أن السلطة الفلسطينية قدمت أداءً متبايناً خلال العدوان على غزة طيلة 51 يوماً. تبايُنٌ عكس نفسه في المواقف السياسية والخطاب الإعلامي. أما على صعيد حركة "فتح"، فكان هناك تململ لم يتطور لدرجة حراك فاعل داخل الحركة، تمثّل بانطلاق ما عُرف باسم "القيادة الميدانية"، التي سرعان ما انطفأت بعد أربعة بيانات فقط.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي، هاني المصري، لـ"العربي الجديد"، إن أداء السلطة كان متفاوتاً، ففي مرحلة ما، بدا "غير مكترث ويريد إنهاء الحرب بأي طريقة، بينما أدى في مرحلة أخرى دور الوسيط لإنهاء العدوان".
ويقول المصري إن "الانتقادات الشعبية للسلوك الرسمي للسلطة كانت واضحة من خلال الحراك التي قام به الشارع، أو بتعبيرها عن رفضها لموقف القيادة، الأمر الذي ساهم بتغيير موقف السلطة". ويشير إلى أن "نقطة التحوّل كانت في بيان القيادة الذي تبنى مطالب المقاومة على أنها مطالب الشعب الفلسطيني"، وهو البيان الذي تلاه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ياسرعبد ربه، في 23 يوليو/ تموز 2014، وتضمن دعوة إلى الشعب "لأوسع تحرك شعبي للتضامن مع قطاع غزة"، الأمر الذي اعتبره كوادر وعناصر "فتح" ضوءاً أخضر لانطلاق المواجهات ضد الاحتلال الإسرائيلي.
التباين في موقف القيادة الفلسطينية كان السمة السائدة طوال فترة العدوان، الأمر الذي يصفه الكاتب والمحاضر في كلية الإعلام في جامعة القدس، أحمد عوض، بـ"بالبطء والارتباك والاضطراب".
ويفسّر عوض، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، البطء والارتباك بواقع ارتباط السلطة مع الاحتلال الإسرائيلي باتفاقيات تُلزم السلطة بالنأي بنفسها عن أسلوب وسلوك المقاومة، في مقابل وجود ضعط شعبي، "ما جعل السلطة تسير على حدّ السكين" طيلة فترة العدوان.
ويتابع عوض أن "ارتباك السلطة الفلسطينية كان واضحاً. مثلاً في فتح التلفزيون الرسمي للسلطة موجة مفتوحة لتغطية العدوان على القطاع بعد أيام على اندلاعه" بعد السبات الذي عاشه في الأيام الأولى للعدوان.
ولأن العلاقة بين السلطة الفلسطينية وحركة "فتح" متداخلة لدرجة أن أي محاولة لفصل إحداها عن الأخرى ستنتهي بتشويه طرف على حساب الآخر، يبدو من الصعب الفصل بالمواقف إلا في الحدود الضيقة جداً، وربما ينعكس هذا الفصل في مربع واحد فقط، وهو مربع حكومة التوافق الوطني التي أصرّ الرئيس محمود عباس منذ اليوم الأول، على أن تكون "حكومة كفاءات". لكن حتى هذه الحكومة تواجه نقداً لغياب دور فاعل لها خلال أيام العدوان، رغم جهد السلطة في تفعيل الحكومة في قطاع غزة، وزيارة عدد من الوزارء للقطاع، فضلاً عن جهود وزارة الصحة في مد مستشفيات القطاع بالدواء والكوادر الطبية والاحتياجات. إلا أن كل ذلك بقي أقل من المطلوب في ظل العدوان، وربما يعود السبب لقصر الفترة الزمنية لتشكيل الحكومة التي لم يمهلها العدوان وقتاً لترتيب أمورها.
وفي حين يعتبر البعض أن تصريحات عباس في بداية العدوان، التي هاجم فيها المقاومة واصفاً إياههم بـ"تجار الحروب"، كانت مناورة سياسية يحتاجها المستوى الرسمي الفلسطيني، إلا أنهم يؤكدون أن ضغط الشارع الفلسطيني جعله يغيّر خطابه بشكل كلي ويتخلى عن المناورة، إذ احتفلت حركة "فتح" بخطاب، في 23 يوليو الذي قرأ فيه عباس، وللمرة الأولى، الآية القرانية: "أُذنَ للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا وأن الله على نصرهم لقدير". وعلى الرغم من أن المستوى الأمني بعد خطاب الرئيس ابتعد عن نقاط الاحتكاك مع قوات الاحتلال، وسمح للمواطنين بالتظاهر في تلك النقاط، إلا أنه سرعان ما عاد إليها ومنع التظاهرات والمسيرات في نقاط الاحتكاك، مبرراً ذلك، على لسان الناطق باسم الأجهزة الأمنية اللواء عدنان الضميري، بـ"الحفاظ على أرواح أطفال الشعب الفلسطيني".
وقد اعتبرت "فتح" أن خطاب عباس، "التاريخي"، هو ضوء أخضر لتبدأ مواجهات في الشارع كانت تتعطّش إليها، ولا سيما أن كوادرها عانوا من ضغط كبير خلال العدوان، فبدوا خارج مربع المقاومة، كما يقول عدد منهم لـ"العربي الجديد".
ويقول أحد هؤلاء، وهو الأسير المحرر وصفي سلمان، لـ"العربي الجديد" إن "فتح كل يوم تخسر من أبنائها لصالح الأحزاب والحركات الفلسطينية الأخرى، ووصلت ذروة هذه الخسارة في العدوان على غزة". وأطلق عدد من كوادر "فتح"، قبل أيام من خطاب الرئيس، ما يسمى "القيادة العامة الميدانية"، وهي على شاكلة القيادة العامة للانتفاضة الأولى، وأصدروا أربع بيانات، لكن سرعان ما انطفأت هذه القيادة العامة وتلاشت. وتابع سلمان أن "المشكلة تكمن في أن السلطة ربطت كوادر فتح بامتيازات الراتب والمصالح الحياتية، وبات من الصعب أن يغرّد أحد خارج السرب، لأن كل الهيكليات باتت تتبع لهذه الامتيازات ابتداءً من أقاليم الحركة".
ورغم أن أحد أعضائها أكد، لـ"العربي الجديد"، أن السبب يعود لخلافات حول الرؤية، إلا أن مصدراً آخر في المجموعة نفسها يرى أن "الأمن لم يكن ليسمح بأن تعمل هذه القيادة العامة في الشارع كما يجب".
وعن هذا الموضوع، يؤكد المحلّل، هاني المصري، على وجود تيارات شعبية رافضة لمواقف المستوى الرسمي لـ"فتح"، بدليل أنه "يوم أمس (الثلاثاء)، لم يحضر أربعة من أعضاء مركزية فتح اجتماع القيادة، لأن هذا الاجتماع يجب أن يسبقه اجتماع للمركزية على حد قولهم".
الاحتكاك الأول بين القيادة الميدانية والأمن الفلسطيني كان مساء مسيرة الـ"48 ألف" في 24 يوليو/ تموز الماضي، حين قام عدد من المسلحين بإغلاق رام الله التي كانت تنتعش بالحياة، فيما كانت الإصابات والشهداء يتوالون على مستشفى رام الله إثر المواجهات التي كانت مندلعة جنوب المدينة، على حاجز قلنديا تحديداً.
إغلاق الأسواق بالسلاح كان مشهداً نادراً، لكن عناصر الأمن لم يكونوا ليدعوه يمر مرور الكرام، فجرى تشكيل لجنة أمنية مشتركة من الأمن، وتمت مساءلة بعض أعضاء القيادة الميدانية العامة حول وجود مسلحين وعلاقتهم بهم، بحسب ما أبلغت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد".
خطاب "فتح" أيضاً عكس تبايناً كبيراً آخر؛ ففي حين ساهمت دعوات الأسير القائد، مروان البرغوثي، في استنهاض الحركة وحث أبنائها على الانخراط في المقاومة بكل أشكالها، داعياً أبناء فتح إلى "التشمير عن سواعدهم"، إلا أن أصواتاً أخرى من الحركة كانت تصرّ على تسليط الضوء على المشاكل والخلافات الداخلية بين "فتح" و"حماس". ولعلّ صدور رسالة موقّعة من أربعة أعضاء من المجلس الثوري للحركة، تطالب الرئيس بالتحقيق في ضرب وإطلاق النار وفرض الإقامة الجبرية على عناصر من الحركة في قطاع غزة، من أبرز الأدلة على ذلك، إذ لم يتبنَّ المجلس الثوري، الذي يضم 130 عضواً، الرسالة وخرجت موقّعة من أربعة أسماء فقط من المجلس.
وفي حين يؤكد الناطقون باسم الحركة على وحدة الموقف، وعلى وقوفهم وراء المقاومة، وكذلك يفعل أبرز كوادر "فتح"، مثل توفيق الطيراوي وعباس زكي، إلا أن الإعلام الاجتماعي التابع لصفحات "فتح" الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، يبدو بعيداً عمّا يقوله الناطقون باسم الحركة على الفضائيات، وفي تصريحاتهم الإعلامية.
وعن ذلك، يقول عوض إنه "كانت هناك تصريحات سياسية تشبه الانفجارات داخل الحركة، والتي أكدت أنه إن لم نلحق بالمقاومة سيتجاوزنا الشارع".
وعمّا إذا كان التغيّر في موقف القيادة جذرياً أم لا، يجيب المصري: "أمس (الثلاثاء) كان بيان القيادة أشبه ببيان للأمم المتحدة وليس بياناً صادراً عن قيادة الشعب الفلسطيني. لا توجد أي إشادة بالمقاومة وبالتحديات التي واجهها أهالي غزة في صمودهم الأسطوري ضد الاحتلال. هناك تقليل من الانتصار لدرجة إنكار أن هناك انتصار، وفي المقابل هناك مبالغة من حركة حماس في الانتصار".
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment