لميس أندوني
إذا كان الهدف من تقديم مشروع قرار الاعتراف بدولة فلسطين تثبيت فلسطينية الأرض، وتقويض شرعية الاستيطان، فإن البنود، وخصوصاً كما تم تعديلها تحت الضغوط الأميركية، تعيد سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، بل وتهدف إلى تقويض شرعية أي فعل مقاوم، الفلسطيني السلمي، الثقافي والمسلح سواء.
بدايةً، فإن مشروع القرار نفسه، ومن دون أي تعديلات، إشكالي أصلاً، لأن الاعتراف بدولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967 يحمل، في طياته، خطر التخلي عن الحقوق الفلسطينية، وأهمها حق العودة للاجئين، والتخلي عن المطالب الفلسطينية، التاريخية والسياسية المشروعة.
لا يتخلى نص المشروع الأصلي عن أي حقوق للشعب الفلسطيني، لكنه لا يدعو، صراحة، إلى حق العودة، إذ إن القول إن مشكلة اللاجئين يتم حلها على أساس قرار الأمم المتحدة رقم 194، لا يعني التمسك بتنفيذ نصه بالكامل، بل الاستعانة به مرجعية قابلة للتفاوض، وهذه مشكلة في حد ذاتها.
الصياغة المبهمة في مشروع القرار الأصلي مبهمة بحيث تفتح ثغرة تمهيداً للتخلي عن ممارسة حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم. لكن، لم يكن ذلك كافياً من وجهة النظر الأميركية، فكان لا بد من إضافة نص يفرض على الفلسطينيين، التخلي عن كل المطالب بشكل نهائي في مقابل "دولة فلسطينية"، أي إسقاط حقهم في فلسطين التاريخية وحق العودة.
لكن، من الخطأ الاعتقاد أن التنازل عن الحقوق التاريخية يعني مقايضة الحقوق في كل فلسطين بدولة فلسطينية على 20% من الأرض. ولذا، تمت تعديلات أخرى، أهمها استبدال دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، بأن "القدس عاصمة مشتركة لدولتين"، أي أن للإسرائيليين الحق في كل القدس. بالتالي، العودة إلى الصيغة الإسرائيلية التي تختصر القدس إلى أنه يحق للسلطة الفلسطينية مد سيطرتها عليها في ضاحية أبو ديس، وأحياء مجاورة.
لذا، لم يكن ذلك كافياً لمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة، حتى مجرد دولة منقوصة السيادة على كل الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية وقطاع غزة، ثم إضافة نص يجعل من "تبادل الأراضي" جزءاً من قرار للأمم المتحدة، وفي هذا نسف للقرارات السابقة عن وحدة الأراضي الفلسطينية، واعتبار المستوطنات اليهودية غير قانونية، ويمهد لضم الكتل الكبيرة للمستوطنات، وكذلك شريط في غور الأردن، إضافة إلى أي أجزاء تريدها إسرائيل.
وحتى لا يكون القرار بمثابة تنفيذ لممارسة الشعب الفلسطيني حق تقرير المصير، تم إدخال بندين، يشترطان على الطرفين عدم اتخاذ إجراءات أحادية الجانب، أي المساواة عملياً بين مصادرة الأراضي وتشريد أصحابها، وتدمير الأراضي الزراعية والقصف الإسرائيلي، وبين الخطوات الدبلوماسية الفلسطينية في المحافل الدولية، وكل أشكال المقاومة الفلسطينية المشروعة، وهذا ينسف قرارات سابقة للأمم المتحدة واتفاقية جنيف الرابعة وميثاق الأمم المتحدة نفسه.
لكن، لم يكن ذلك كافياً، فالإدارة الأميركية، كما دائماً، حريصة على أن تغلق جميع الثغرات، وعلى بناء جدار منيع في الصياغة وخانق، فتم فرض شرط إسرائيلي دائم، هو العدول عن أي نشاطات "تحريضية"، وهذا يشمل، في العرف الإسرائيلي، منع الدعوة إلى مسيرات شعبية، ومنع برامج تلفزيونية عن تاريخ الثورة الفلسطينية، لأنها تساهم في خلق الوعي التاريخي بحيثيات القضية.
أخيراً، تم التأكيد على أمن إسرائيل شرطاً أساسياً لأي حركة إلى الأمام، أي عرقلة أي تقدم، إذا تم تمرير القرار من دون فيتو أميركي. ولكن، لا حاجة لفيتو أميركي، فالنص المطروح أكبر هدية لإسرائيل، وعلى الرئاسة الفلسطينية سحبه فوراً.
No comments:
Post a Comment