Link
قام وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، بزيارةٍ إلى طهران في 19-21 يناير/كانون الثاني الجاري، وقّع في أثنائها مذكرة تفاهمٍ
لتعزيز التعاون العسكري والدفاعي الثنائي مع نظيره الإيراني، حسين دهقان، وهي الزيارة الأولى لوزير دفاعٍ روسي منذ عام 2002. وتنص المذكرة على توسيع التعاون العسكري بين البلدين في مجال التدريب، وتنظيم مناورات مشتركة، ودعم الأمنين، الإقليمي والدولي، ومكافحة "الإرهاب والتطرف والميول الانفصالية". وذهبت وسائل إعلام محسوبة على إيران، أو قريبة منها، إلى الحديث عن نشوء تحالفٍ استراتيجي بين الطرفين، كما جرى تداول تسريبات أنه تم في الزيارة "توقيع عقود موازية لتسليم إيران بطاريات إس-300"، والتي كانت روسيا امتنعت عن تسليمها لإيران سابقًا، وطائرات مقاتلة روسية حديثة "سوخوي-30"، إضافة إلى تحديث مقاتلات "ميغ-29" و"سوخوي-24"، وبيع قطع غيار ومحركات. كما حاولت وسائل إعلام روسية إضفاء أهمية كبيرة على الزيارة التي تأتي في ظروف حساسة ودقيقة، عبر الحديث عن مصالح مشتركة كثيرة تجمع الطرفين.
تحالف استراتيجي أم لقاء مصالح عابر؟
يبدو إبراز أهمية زيارة وزير الدفاع الروسي إلى طهران مفهومًا، بسبب بعدها الإستراتيجي وخدمتها مصالح الطرفين؛ في ظل تعرّض كلٍ منهما لضغوط غربية شديدة، إيران فبسبب برنامجها النووي، وروسيا بسبب الأزمة الأوكرانية. ومع ذلك، لا تشير الاتفاقية العسكرية الأخيرة، بالضرورة، إلى حصول تغيِّر استراتيجي في العلاقة بين البلدين، بالنظر إلى تاريخٍ طويلٍ من الشكوك وانعدام الثقة؛ إذ طالما استخدمت روسيا إيرانَ ورقةَ ضغطٍ ومساومةٍ في علاقتها المعقدة مع الغرب، وهي لم تكتفِ بالسماح بفرض عقوبات قاسية في مجلس الأمن
أما الروس، فلديهم هواجسهم الكبيرة، أيضًا، تجاه السياسات الإيرانية، فمن جهة لا تخفي موسكو قلقها إزاء احتمال حصول طهران على السلاح النووي. وفي هذا الشأن، تبدو المواقف الروسية أقرب إلى الغرب منها إلى طهران، كما بدا واضحًا في اجتماعات مؤتمر منظمة حظر انتشار الأسلحة النووية في موسكو في السنة الماضية. ومن جهة أخرى، يسري اعتقادٌ واسعٌ بين المسؤولين الروس بأنّ طهران سوف تبادر إلى الاستغناء عنهم، في اللحظة التي تنفتح فيها آفاق التعاون مع الغرب، خصوصًا الولايات المتحدة؛ فقد أبدت روسيا امتعاضًا شديدًا بسبب إقصائها عن المفاوضات السرية التي كانت تجري بين واشنطن وطهران في سلطنة عُمان، وأدت إلى التوصل إلى اتفاق جنيف المرحلي حول البرنامج النووي الإيراني. كما يبدي الروس شكوكًا متزايدة تجاه فتح مسار تفاوض ثنائي بين أميركا وإيران، بعيدًا عن صيغة 5+1 التي تشارك فيها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا.
وعلى الرغم من عدم إبداء مخاوف علنية، فإنّ روسيا قلقة من طموحات إيران في أن تحل محلها مصدراً رئيساً للطاقة إلى أوروبا، وتعلم روسيا أنّ الطاقة هي أحد أهم أسباب انفتاح الغرب على إيران، ومحاولته التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي الذي يعرقل هذا التوجه. وعلى الرغم من ذلك كله، تحولت روسيا إلى هدف لـ "الاحتواء" والعقوبات الغربية، كما جاء في خطاب حال الاتحاد، أخيراً، للرئيس الأميركي، باراك أوباما؛ ما يفتح المجال أمام تنسيق إيراني - روسي كبير، في ظل تنامي مصالح مشتركة كبيرة بينهما، في معظم ملفات المنطقة. ويختصر مدير مركز تحليل الإستراتيجيات في موسكو، روسلان بوخوف، ذكر هذه المصالح، بقوله صراحةً "إنّ إيران الشيعية تقف، مثل روسيا، ضد الحركات الإسلامية السنية المتطرفة في الشرق الأوسط. كما أنّ إيران وروسيا متضررتان من تراجع الأسعار العالمية للنفط، وتطالبان بزيادة هذه الأسعار. فضلًا عن الوضع المتوتر حول روسيا في أوروبا، بسبب أوكرانيا، وفي الشرق الأوسط حول إيران والعقوبات الغربية المفروضة عليهما".
ساحات جديدة للتنسيق
ومع أنه لا يخفى وجود تنسيق إيراني- روسي في الأزمة السورية بشأن دعم استمرار نظام الرئيس بشار الأسد، لأسباب تتعلق بكل منهما، ويشمل ذلك تقديم جميع أشكال المساعدة العسكرية والمادية وغيرها، فقد أدى صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، واحتلاله أجزاء واسعة من العراق في صيف 2014 إلى تعزيز المصالح المشتركة الإيرانية - الروسية في المنطقة؛ إذ تعتبر روسيا وإيران أنّ صعود التنظيمات الجهادية وتمدّدها يمثل تحديًا كبيرًا لسياساتهما الإقليمية ومصالحهما القومية. لكنّ الجديد في الأمر بروز مؤشرات على وجود تنسيق روسي - إيراني في الأزمة اليمنية؛ إذ يدور صراع شديد بين جماعة أنصار الله الحوثية، القريبة من إيران، وسلطة الدولة اليمنية.
وترى موسكو التي كانت تربطها علاقات وثيقة بجنوب اليمن في سنوات الحرب الباردة، في الأزمة الراهنة في اليمن فرصةً تسمح لها بعودة نفوذها إلى جنوب شبه الجزيرة العربية، عبر بوابة الحرب الأهلية، مثل المسألة السورية، لكنّ السبب الأبرز في نشوء تنسيق إيراني - روسي في اليمن هو رغبة الطرفين في تهديد المملكة العربية السعودية والضغط عليها؛ فموسكو لا تخفي امتعاضها من سياسة السعودية التي رفضت في اجتماع منظمة الدول
ومن منظور أوسع، ترى موسكو أنّ استيلاء الحوثيين على صنعاء، وتنامي نفوذهم في عموم اليمن، يخدم مصالحها في جنوب شبه الجزيرة العربية على المدى البعيد؛ إذ تنظر موسكو إلى الحوثيين بوصفهم جزءًا من المحور الشيعي الذي تجد نفسها في تحالفٍ موضوعي معه، في مواجهة القوى السنية في المنطقة، سواء أكانت دولًا أم تنظيمات، والتي تعدها تهديدًا استراتيجيًا لها ولمصالحها. ويبرِّر هذا الموقف أنّ الحوثيين هم خصوم القاعدة الرئيسين في اليمن؛ لذلك، نجد أنّ معظم سلاحهم معدات روسية تنقلها سفن إيرانية، وتشمل صواريخ "سام 2" و"سام 3" المضادة للطائرات. ويظهر الدعم الروسي للموقف الإيراني والحوثيين في مجلس الأمن؛ إذ تعمل روسيا بهدوء على عرقلة مساعي المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، جمال بن عمر، والحيلولة دون حصوله على دعمٍ كافٍ من مجلس الأمن لجهده الهادف إلى إبطال مفعول التغييرات التي جرت في اليمن بقوة السلاح، وتأكيده على مبدأ العودة إلى العملية السياسية، وتنفيذ اتفاق السلم والشراكة الذي تمّ التوصل إليه عشية استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014.
وفي موازاة تنامي مؤشرات الدعم الذي تمنحه روسيا للموقف الإيراني في اليمن، يبدو الموقف المصري مستغربًا من الأزمة السورية، والذي ينطلق من أجندة داخلية، يهيمن عليها هاجس الخوف من تيارات الإسلام السياسي، بأنواعها المختلفة، لكنه يصب، في نهاية المطاف، في خدمة المصالح الإيرانية والروسية. وبدلًا من أن تنظر مصر إلى التمدد الحوثي – الإيراني في اليمن، بوصفه تهديدًا لأمنها القومي، من خلال إمكانية السيطرة على مضيق باب المندب، ومن ثمّ التحكّم بخطوط النقل البحرية عبر قناة السويس، يبدو أنّ مصر تعمل على تحقيق الأهداف الروسية - الإيرانية في سورية، عبر ضغطها لتشكيل معارضة، تشكّل بديلًا للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وتقبل بحلٍ سياسي، يتضمن القبول بمبدأ بقاء نظام الرئيس بشار الأسد، بدلًا من التمسك بنص "بيان جنيف 1" الذي يدعو إلى تشكيل جسمٍ انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة، لقيادة مرحلة انتقالية في سورية، تؤدي إلى قيام نظام حكم ديمقراطي. ويكاد يتطابق الموقف المصري، في هذا الشأن، مع الموقفين الروسي والإيراني اللذيْن يسعيان إلى إنتاج "صيغة سلطة حكم" تجمع النظام والمعارضة، ويكون هدفها الأساسي محاربة الجماعات الإسلامية، جزءاً من الحرب على الإرهاب التي يستثمر الجميع فيها.
خاتمة
تعيش المنطقة العربية حالةً من السيولة الشديدة، تصل إلى حدّ الفوضى التي ينشرها المشروع الإيراني، في سعيه إلى تحقيق الهيمنة الإقليمية، فيما يبدو الدور الروسي داعمًا مرحليًا له، نتيجة نشوء مصالح مشتركة، أهمها مخاوف موسكو غير المبررة من تنامي قوى الإسلام السني، وتحيّز روسيا المبدئي لأنظمة شبيهة بنظامها السلطوي الرافض لمفهوم الثورة والتغيير. وفي الوقت نفسه، تبدو بعض القوى العربية، وفي مقدمتها النظام المصري، مشغولةً بهواجس بقائها، بدلًا من الانشغال بحماية المصالح العربية العليا التي يمثل الصعود الإيراني أحد أهم تهديداتها.
No comments:
Post a Comment