Wednesday, December 5, 2007

حواة أنابوليس والسلام "خيار" استراتيجي


د. عادل سمارة

"إنتهى حُواة التسوية في أنابوليس لإجراء تسوية مقابل تسوية، على ان يبقى الكيان الصهيوني على ما هو عليها من أرض، ويحوز على مكافأة بأراض أخرى كيف يخطط أو كيف رسمت له خريطة الطريق، بل خطة شارون. كأنما يقول الحُواة: من فهم فهو آمن، من لم يفهم بعد، فليفهم اليوم، ومن يرفض ويقاوم عليه مواجهة طاحونة راس المال المعولم (من المركز حتى العواصم القطرية وإلى مخيم جنين)، طاحونة القتل المفتوح.

ألقى حواة التسوية، فلسطينيون وعرب، كل ما في جعبتهم، تحدثو، خطبوا، كابروا، تنافخو، ضخموا...الخ ولكن لكل شيء حدوده. دفعوا كل ما لديهم، وتوقعوا أن يقبضوا من الكيان بعض الغطاء المعنوي، لكن هذا لم يحصل. فقد واصل الكيان مواصلة الإستيطان، مواصلة القمع، وكما توقع "متشائمون" مثلنا، سيتم خنق قطاع غزة بعد المؤتمر بما هو بؤرة تحت الضربة.

يقول هؤلاء، لقد انطلقت العملية التفاوضية. يا للغرابة، وهل هذه أول عملية تفاوضية يتم إطلاقها؟

وهل كل هذا الضجيج والدخان لإطلاق العملية التفاوضية؟

وهل يحتاج إطلاق العملية التفاوضية، دون تحديد أجندتها، لكل هذا الحضور العربي الرسمي؟

ومن قال أن إسرائيل وفلسطينيي التسوية لا يتفاوضون؟

لماذا تصوير الأمر وكأن هناك كيانين متقابلين متنافرين ويحتاجان لوسيط حتى يتحدثا؟

ما هو موجود هو مستعمرة ودولة استعمارية أعطت لجزء مما تسيطر عليه حكما ذاتياً "ولاية" كما قال أحدهم، وبوسعها سحب هذه الولاية كما حصل في اجتياح 2002 أو إعادتها. ولكن، لم يكن أمام حُواة التسوية إلا القول بانطلاق التفاوض لأن هذا الأمر الوحيد الذي تتقيد به إسرائيل أن تسمح لهم بالحديث، بل الحديث الذي تريد...فشكراً. لقد أرسى اسحق شامير هذا الموقف "يوم مدريد" وما كان ذلك اليوم بسر حينما قال : "سنفاوض العرب 20 عاماً" وها هي العشرون عاماً على مشارف النهاية ولم يتحقق للعرب شيئاً. مضت منها 16 عاماً، واختتمت بتطبيع 16 دولة قطرية عربية، فهنيئاً لشعب الله المختار.

لست ممن يثقون بالسيد عمرو موسى امين عام الجامعة العربية. وليس مرد ذلك الإجماع الرسمي العربي عليه، وهو إجماع حين يحصل يوماً ما علينا توقع كارثة لا محالة؟ بل ما هو أكبر من ذلك، وإن بدا صغيراً جداً. ففي أحد مؤتمرات القمة العربية وصف عمرو موسى الملك حسين بأنه مهرول باتجاه التطبيع مع إسرائيل. ولا يدري سوى الراسخون في العلم لماذا قالها، وهو نفسه وزير خارجية أول نظام إعترف واستمر في الإعتراف بالكيان الصهيوني. فعمرو موسى نفسه قال قبل أيام من مؤتمر أنابوليس، ان العرب ليسوا ذاهبين إلى التطبيع مع إسرائيل في أنابوليس! عجيب، فذاهبون من أجل ماذا؟ ولكي لا يغضب مني الحريصون على المقامات الطبقية واسرار العائلات والبيوت ...وبالطبع الأنظمة، لن اقول إن في هذا الحديث "خيانة" بل استغباء مكشوف للناس!! عجيب، والرجل فيه من الكياسة والخبرة ما يمكن أن يخلصه من سقطة من هذا الوزن، بقليل من المراوغة. فالمرء أعرف ما يكون بنفسه، وأدرى من يكون بقوله.

حسموا ...هناك

ماذا يمكننا وصف هذا الحضور الرسمي العربي لمؤتمر أجندة النقطة الواحدة: وهي "لا أجندة" مجرد وجوب الحضور حضور المذنب "عاري القدمين مكشوف الرأس". فحين تحضر دولة أو دولا مؤتمراً يخص أرضها يكون لها ما تضعه على الطاولة مقابل خصمها. أما حكام القطريات العربية فذهبوا إلى هناك ليسمعوا ويقولوا نعم. وفي حين وضع الفلسطينيون من أهل التسوية وراء ظهرهم، وليس شرطاً وراء التاريخ، الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني والأمة، وضع الحكام العرب وراء ظهرهم قرارات الأمم المتحدة وحتى مبادرتهم على تهافتها، وذهبوا جميعاً ليسمعوا كلمات تخرج من "فاه" بوش باسم خريطة الطريق، ولكنها بانفاس شارون "خطة شارون" المعلق بين السماء والأرض.

وعليه، إذا كان هناك من متابعة للتفاوض، وليس إطلاق عملية التفاوض، فهو على ما حدده شارون، حيث ابتلع بوش وأعاد إخراجه على شاكلة شارونية مع فارق في الحجم فقط. وعليه، فالحضور العربي كان مثابة خلع القطعة الأخيرة في مشهد مثل مشهد لقاء الرب: "عراة تماماً".

صحيح أن الحكام العرب اعتمدوا سياسة فك الموقف الرسمي عن الموقف الشعبي، وهذا ليس جديداً في التاريخ، فالعالم طبقات مهما ثرثر مثقفو الأنظمة بأن هذا الحديث عتيق. فأي نظام ديكتاتوري، وربما كل نظام هو ديكتاتورية طبقة ما. ولكن كل نظام على ارضه. أما الحكام العرب فيخلعون الوطن قطعة قطعة. ومن هنا معنى وقوفهم في مواجهة الموقف الشعبي. ولكي يتم تثبيت هذا الخلع في العراق والصومال والسودان وغيرها، يجب إنهاء المسألة في فلسطين كي تلحق نهائياً بالإسكندرون والأهواز وسبتة ومليلة وجزر طنب وأبو موسي...الخ.

ابعد من القضاء على قومية المعركة

لم يتمكن الحكام العرب من اقتلاع فلسطين من العمق القومي الشعبي، وإن نجحوا حتى اليوم في احتجاز الموقف الشعبي، القومية الكامنة، بالقمع والتشويه الثقافي وشراء النخب وغيرها. وحتى بتجنيد جيوشهم للعدوان على العراق عام 1991، اي لتدريب المواطن العربي على محاربة قطر عربي آخر تحت حراب الأجنبي. وكأننا بالغساسنة والمناذرة، قد أُعيد إنتاجهم ثانية. كان في هذا العدوان درس نفسي إيديولوجي، هو اقتلاع المشاعر القومية للمواطن العربي من الطبقات الشعبية وتحويل معتقده القومي إلى نموذج "خياني" للمسألة القومية مع الإعتذار للثوريين المترفين الذين يرون في التلفظ بكلمة "خيانة" تطاولاً على مقامات الحكام وطواوويس الثقافة والصهينة والتطبيع.

لا بد من اجتثاث الشعور القومي، وفي طريقه بالطبع يتم اجتثاث الشعور الشعبي ووعي هذا وذاك، ويصبح المواطن مطية :

وتضربه الوليدة بالهراوى فلا غِيرٌ لديه ولا نفيرُ

لذا، تم بعدها احتلال العراق، وشاركت الأنظمة في هذا العدوان بأساليب عدة، ومن يمكنه القول انها لم ترسل جنوداً لاحتلال العراق، حتى ولو للطهي! وأصبحت قطريات عدة مراكز تدريب للجيش العميل الجديد في العراق. ومع ذلك، لا يزال الجدل دائراً بين مثقفين/ات بأن ذلك النظام ليس عميلاً، وأن أميركا خلصتهم من نظام طاغٍ. ولكن، عجلة القدر المعولم دائمة الدوران، فهي تطحن السودان وطحنت الصومال، وتهدد لبنان. وربما كان هذا أحد اسباب "هرولة" أنظمة عمرو موسى إلى أنا بوليس، "فيا روح ما بعدك روح"!

بعد كل القتل في فلسطين والعراق والصومال ولبنان وغيره، يقف رئيس سلطة الحكم الذاتي في أنابوليس ويكيل المديح لبوش وتوني بلير وكأنهم صلاح الدين الأيوبي. فهل هناك عجباً فوق هذا؟ ولو من قبيل التكتيك وذر الرماد في العيون، كان يمكنه أن يقول كلمة عن مجزرة غزة، فكان حديث عباس عن وجوب تصفيه حماس، وكأن حماس تحتل يافا!

ماذا يعني حضور ستة عشر حاكماً للإستماع إلى الرئيس الأميركي ووزيرة خارجيته غير التثبيت في ذهن المواطن، أن كل شيء يُدار بالإرادة الأميركية، وأن من يخالف هذه الإرادة سوف يُقيد ويرمى تحت سنابك الخيل كما حصل لملك المناذرة عند كسرى، وبالمناسبة، كان ذلك مما ادى إلى تحالف انتصار المقاومة في "ذي قار".

أراد بوش أن يقول للشعب العربي، مكانكم، فما زالت أميركا هي القوة العظمى التي تأمر فتطاع! ومتى يقول ذلك؟ يقوله في لحظة أعتى هجوم على الأمة العربية.

نعم وابعد من هذا، فلا بد أن يبدو الكيان الصهيوني الإشكنازي طبيعيا في فلسطين ليتم تشغيل العرب ، ولكن هذه المرة "كأمة من المرتزقة" في حرب ضد إيران، على اعتبار اختلاف السنة والشيعة!، فما دام هناك مداً اصولياً فلم لا يتم ضربه ببعضه البعض. حرب السنة والشيعة، ولكن على ماذا؟ على اعتبار أن إيران قوية ستهدد القطريات العربية. ربما، ولكن ما مبرر وجود هذه القطريات إذا كانت أقل من الدفاع عن نفسها؟ ما لزوم جيوشها، وبزاتها العسكرية وعصا المارشالية بيد هذا أو ذاك وكميات هائلة من النياشين والأوسمة بالأقمشة والمعادن على بزاتهم، ليبدو الواحد منهم وكأنه خارج من "صالون تجميل عسكري"، بل هو كذلك.

أليس التاريخ حلبة صراع؟ من لا يحمي وطنه يُستباح وطنه، معادلة بسيطة وسهلة، والإستقواء بالأجنبي هو مناداة الإستعمار ليس أكثر. هل علينا، لأن إيران قوية أن نقاتلها بالنيابة عن اميركا وأوروبا اللتين حلتا، بمساعدة بعضنا محل تركيا؟

هناك الكثير من الحروب المؤجلة، وليست هذه الأنظمة هي المرشحة للقيام بها، ولكن اقل ما بُقال أن لا تدخلنا في حروب عبثية من طراز طائفي ومذهبي، أو من طراز نووي. فإيران قوية مقارنة مع كل جيوش العرب، التي لم تلتق معاً في حرب إلا ضد نظام الرئيس صدام حسين، وعليه، فإن إيران ليست بحاجة إلى النووي لتستقوي على العرب.

لعله مشهد عار حقيقي ان يقف حكام أمة بهذا الكم من الناس والثروة مرتعدين من بلد مجاور وكأنهم أمة من الكهول والعجزة! وهنا لا يقف الأمر عند الحكام، بل إن القوى السياسية ومثقفي الحكام هم الطابور الخامس ضد الطبقات الشعبية حيث يحقنوها بالتبعية الأبدية، والجاهزية لخدمة السيد.

خُيًِل للكثيرين قبيل المؤتمر أن إسرائيل مرغمة على المشاركة. هذا ما بدا من مناورات ألومرت وليفني. ولم يكن هذا إلا تغطية على الحضور العربي الذي لم يكن عليه التردد بل عدم الذهاب بالمطلق. ما كشف عن الموقف الإسرائيلي، كان ما تفوه به أولمرت في المؤتمر، وهو استلهام سلفه شامير وغيره، "التفاوض دون الإلتزام بشيء"، يعني جلسات في المقاهي، نفس المقاهي، وعلى راسها مقهى موسكو الذي استضاف بعض جلسات ما بعد مؤتمر مدريد.

حكام الكيان الصهيوني، أعداء، لكنهم يحترمون محكوميهم، لذا قالوا بوضوح بعد المؤمر:
"لن يعود لاجئاً واحداً، ومطلوب من العرب التطبيع، والإعتراف بيهودية الدولة، ويجب على العرب عدم التدخل بيننا وبين الفلسطينيين ولن نلتزم بنتائج بعد 2008، وعلى العرب التطبيع معنا". ألا يكفي هذا لتفنيد مزاعم فلسطينيي أنابوليس بأن إسرائيل أُرغمت على الحضور! وإذا كان هذا ما حصده من جُرَّ بالسلاسل، فماذا يُفترض أن "يقبض" من ذهب طائعاً!

ولكن لماذا ذهبوا!

إذا كان الحكام العرب قد اعترفوا بالكيان الصهيوني صراحة أو مداورة، سواء من حضر المؤتمر أو من لم يحضر، وهو الإعتراف الذي يشطب حق العودة، بغض النظر عن كتابة ذلك نصاً والبصم عليه بصماً أم لا. الإعتراف بدولة لليهود، لليهود وحدهم، على أرض العرب، وإذا كانوا يمارسون التطبيع وخاصة الإقتصادي مداورة، أو مباشرة، فلماذا كان المؤتمر، ولماذا ذهبوا:
ذهبوا لتثبيت هذه القضايا على الملأ لتؤكد أميركا وتُعرف العالم بأنها هي التي تحكم الأمة العربية، وبأنها ما تزال قوية رغم المقاومة التي تدميها.
ذهبوا ليؤكدوا ما تقوله أميركا بأنها روما العصر وأخطر.

ذهبوا ليضيفوا عبر هذه الحرب النفسية ضربة مًرَّةٍ للمواطن العربي بأن مصيره هو "السلام خيار استراتيجي" أي ليس مثير الوطن إلا عبداً في عصر العبودية الأميركي، وأن الأمة الوحيدة الممنوعة عن الكرامة هي الأمة العربية. وقد تكون هنا مفارقة مدهشة. طالما أن هؤلاء وأميركا لا ينكرون البعد القومي للقضية الفلسطينية، فلماذا لا يتم إنجاز اية خطوة في تصفية القضية إلا بحضور الحكام العرب؟

ذهبوا ليمهدوا الشارع العربي لما هو آت وأخطر، وهو التعبئة لمقاولات الحروب المقبلة وربما تكون ضد إيران .

ذهبوا، وهو الأهم، لتجهيز جبهة الحرب على اية مقاومة، وإن كانت المقاومة المسلحة على قمة الأجندة.

ذهبوا ليفتحوا قنوات لحرق فوائض النفط وهي الفوائض التي طالما حرقت الأمة، لا غيرها.

ألا تحتاج هذه "المهام" إلى مؤتمر؟ بلى، هي بحاجة لانعقاد دائم بالمطلق من قبل الحكام وعساكرهم. لكنها بحاجة ايضاً لنشاط محموم من عملاء الثقافة، من مثقفي الأنظمة، وهذا سوف ينصب لهم سوق عكاظ ليرتزقوا ما شاء النفط.

قد نختم بالتخوف المنسوب لوزير الخارجية السعودي من محاولة فرض معاهدة فرساي جديدة على العرب". هذا حديث في غير محله، تماماً كما هي هذه الأنظمة في غير محلها. فرساي ذهب إليها المهزومون قسراً وبعد حرب طاحنة، قاتلوا فيها من أجل مصالح طبقاتهم، قاتلوا بضراوة ، فما بالك لو كانت أرضهم محتلة. أما الحكام العرب، فلم يقاتلوا حتى دفاعاً عن أرضهم. استدعوا الهزيمة واستدخلوها، وأنتهوا إلى الندم على محاولات بعضهم المشاركة في الدفاع عن فسطين، إنتهوا لاعتماد شعار يندى له الجبين: "السلام خيار استراتيجي"! هل يُعقل هذا، وأنت أمام عدو يعتبر الحرب قراراً مطلقاً! ومعذرة للمدافعين عن الخيانة: هل هذا الخيار خيانة؟ اللهم إلا إذا كان قصد القائل، أن الشعب العربي لن يقبل بفرساي العرب!

بعد كل هذا، هل أمامنا من خيار غير المقاومة؟

ربما يجوز لنا القول أن الرد على هذه الحروب العديدة من الداخل والخارج هو الثبات على الموقف، موقف المقاومة. صحيح أن الصورة تبدو كما لو كانت خاتمة المطاف، ولا خاتمة طالما الحياة دائمة. ولكن بين الخنوع والنهوض، حتى بقوة بسيطة هناك مسافة وعي إنساني واحترام البشر لإنسانيتهم. فليس اسهل من الإقتناع بالقبوع في اقنان الدجاج، لكن هذه الراحة هي بانتظار السكين. فبين سكين الجزار، وسكين الشهادة، الثانية اشرف
. "

No comments: