إلا نحن العرب!!

إلا نحن العرب!!

محمد كريشـان

"استقالة الرئيس الباكستاني برويز مشرف لا يمكن سوى أن تعمق مأساة الحكم عندنا في البلاد العربية ففي كل أصقاع العالم، شرقه وغربه، تعثر الطبقات السياسية دائما، بما فيها القيادات، على مخارج معينة لحالات الانسداد السياسي الخانقة التي تعرفها بعض الدول إلا نحن العرب فقد أدمنا العقم السياسي حتى بات هو القاعدة التي من الصعب أن نجد لها استثناءا، فقد يحل برلمان هنا أو هناك وتستقيل حكومة هنا أو هناك، وهاهو رئيس في باكستان يدفع إلى الاستقالة بعد أن عجز قبل أشهر عن تزييف الانتخابات لمنع وصول المعارضة إلى الحكم، أما عندنا فليس هناك سوى الجمود البائس والمحبط. استقال برويز مشرف بعد تسع سنوات قاسيات لم يجد في نهايتها بدا من استخلاص ما يجب استخلاصه وقد انفض الناس من حوله وجردته مشاركته المجتهدة في حرب واشنطن على الإرهاب من دعم الكثيرين، أما عندنا فليس مهما أن يسأم الجميع من طلعة رئيسهم البهية الممتد حكمه الميمون لعشرات السنين وليس مهما كذلك أن تزيف الانتخابات في وضح النهار رغم أنف الجميع وليس مهما أيضا أن يصاب الناس بالقرف من حجم الفساد واستغلال النفوذ وصولات ذوي القربى، بل المهم قبل كل شيء وبعده أن يؤبد حكم الزعيم الذي لم تفلح الأمة أبدا في العثور على مثيل له حتى أنه عندما يتقدم به العمر وتستحيل معه مقاومة سنة الله في خلقه تتفتق الذهنيات على توريث الحكم لأنجاله فمنهم من فعل ذلك فعلا ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا!! استقال مشرف 'بعد استشارة سياسيين وقانونيين' كما قال في خطابه إلى الأمة أمس الأول وبعد أن ضاق الخناق عليه من قبل البرلمان الذي كان يعد لائحة اتهام ضده، أما نحن ففضلا عن أنه ليس من الوارد أصلا أن يتنطع البرلمان ليبحث تصرفات رعناء كهذه فإن المستشارين إذا ما خطر على بال الرئيس المبجل أن يبحث معهم خطبا من هذا القبيل فسينصحونه حتما بحل البرلمان أو إعلان حالة الطوارئ بعد أن كانوا نصحوه مبكرا بتعديل الدستور ليؤبد بقاءه على قمة الهرم ومنع محاسبته الآن أو غدا إذا ما ترك يوما ما كرسي الرئاسة لا سمح الله. حتى تلك الدول العصية على التغيير الديمقراطي السلمي مثلما رأينا مؤخرا في حالتي كينيا وزيمبابوي ارتضت في النهاية وبعد لأي شديد بحث تقاسم السلطة بين الحكم المتشبث بالحكم والمعارضة المقتنعة بفوزها فنالت نيروبي ذلك وما زالت هراري تخوض فيه، أما نحن فالأمر غير وارد عندنا لأن المعارضات المدنية المختلفة حوصرت وضربت وهمشت ولم تبق سوى معارضات إسلامية متفاوتة في تشددها يخشاها بعض أهل البلد تماما كما تخشاها قوى دولية متعددة فالتقي الاثنان على منعها من الوصول إلى السلطة بكل الوسائل فيما لا تترك هذه المعارضات عموما من عوامل الريبة فيها والشك إلا غذته ونفخت فيه. العالم كله يتغير شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، وفي كل القارات، أما نحن فإلى التحنيط أقرب مما يمثل فعلا حالة تستحق الدراسة في علم الاجتماع السياسي فلعل في جيناتنا قادة وشعوبا ما يحول دون التغيير الذي يخشى إن طال استعصاؤه أن يأتينا يوما مزمجرا ومشوها فلا ننعم بثمراته أبدا. "