A Good Article
By Professor Abdel Sattar Qassem
"حقبة تاريخية جديدة
القهر العربي للقضية الفلسطينية
القوى المضادة
على المدى القصير
السياسة الفلسطينية
المحصلة
....
تتميز أعتاب المرحلة التاريخية الجديدة التي ما زالت في طور التكون والتكوين بميزات عديدة على رأسها:
أولا: الثورة العربية الآن هي ثورة شعوب، وبهذا تختلف تماما عن الانقلابات العسكرية التي شهدتها دول عربية عدة في الحقبة التاريخية السابقة، وتختلف عن الحروب الداخلية التي شهدتها دول غير عربية باستثناء ليبيا حتى الآن.
وبما أن الشعوب هي الثائرة فإن المصلحة الخاصة ليست هي عنوان المطالب وإنما المصلحة العامة، وذلك وفق تعريف كل ثورة عربية بما تراه أنها المصلحة العامة.
أي أن الشعوب تحركت بسبب معاناة عامة، ولتحقيق أهداف عامة، وهذا ما يجعلنا نقدر أن القضايا العربية ستكون على رأس اهتمامات هذه الشعوب، ولن تقتصر الأمور على الهموم القطرية.
ما زالت شعوب العرب تمتلك الانحياز أو الانتماء للأمة، ولا يوجد شعب يدير ظهره لهموم شعب آخر. وخير دليل على ذلك أن الثورات انطلقت بشكل شبه متزامن أو بتتابع متداخل وكأن هناك ثورة عربية واحدة، وأن أغلب الشعوب العربية تعيش الثورات العربية لحظة بلحظة عبر وسائل الإعلام، راجية في الغالب زوال الحكام. وفي النهاية، الشعب الذي يمتلك إرادة حرة يتمتع بانتماء وطني جمعي يطغى على إرادة حاكم يحاول أن يشتري الولاء.
ثانيا: من الملاحظ أن الثورات انطلقت بمعزل عن الأحزاب والتنظيمات، وأن قياداتها قد أخذت تتبلور في الشارع، إنما دون تشكيل تنظيمي. هذا يعني أن المصالح الحزبية أيضا غائبة عن الثورات، وأن الأبعاد العامة غير المنحازة لهذا البرنامج الحزبي أو ذاك هي العنوان الرئيس. حاولت الأحزاب بعد انطلاق الثورات اللحاق، وقدمت الدعم لحركة الشباب، ولم يجرؤ أي حزب على طرح برنامجه كأساس حركي، أو توجيهي للشارع.
ثالثا: تمسكت الجماهير بشعارين حيويين وهما الحرية والوحدة الوطنية. الحرية هي أساس الإبداع الواعي، وهي حجر الزاوية القوي للبناء والتقدم، والوحدة الوطنية هي الحامي للحريات ولتحقيق المساواة العددية بين الناس والعدالة لجميع المواطنين دون تمييز.
رابعا: واضح أن جماهير العرب قد سئمت مسألة مسلم ومسيحي، وسني وشيعي، وعربي وكردي، وشمالي وجنوبي، وفلسطيني وأردني. لقد وجدت أن الخصام الداخلي ينعكس على الجميع، وأن الناس لن يستطيعوا تحقيق مصالحهم إلا بالوقوف معا في مواجهة الاستبداد.
خامسا: تتميز الثورات العربية بمستوى أخلاقي رفيع من حيث أن الجماهير لم تتعمد التخريب والتدمير، وأصرت على سلمية المظاهرات محافظة منها على نفوس الناس وممتلكاتهم. هذا يعكس البعد الأخلاقي الذي يمكن أن تدور ضمنه التطورات المستقبلية.
....
القوى المضادة
إسرائيل وأميركا هما أكثر الدول ارتباكا حيال ما يجري في الساحة العربية، وهما الأشد ارتباكا في البحث عن كيفية مواجهة ما يجري. من تصريحات الدولتين، نلمس خوفهما من المستقبل لأنهما تتوقعان تطور رقابة شعبية على سياسات الحكومات العربية القادمة، ولن يكون بالأمر السهل على أي حكومة عربية أن تفعل عكس ما تقول، أو أن تتحالف مع أميركا وإسرائيل سرا بمعزل عن إرادة الشعوب.
حتى أن الأنظمة التي قد لا يطالها التغيير السياسي ستجد نفسها أمام واقع شعبي جديد يتسم بالذكاء والبحث عن الحقيقة، ولا بد له أن ينعكس على كل البيئة السياسية العربية.
....
وعليه فإن الدولتين تحاولان الآن الدخول في الثورات العربية بهدف تخريبها من الداخل. من الصعب معرفة ما تصنع إسرائيل الآن بخاصة أن لها وفرة من العملاء والجواسيس في مختلف البلدان العربية، وتستطيع من خلالهم إحداث الفوضى بعمليات اغتيال وإطلاق نار عشوائي وتخريب، وما شابه ذلك.
....
هل ستنجح إسرائيل وأميركا في محاولاتهما لتلويث مسيرة التغيير في الوطن العربي؟ أشك في أنهما ستحققان نجاحا كبيرا، لكنهما ستصنعان أجواء من البلبلة من أجل أن يترحم الناس على الأيام الغابرة.
لن تحقق الدولتان نجاحا كبيرا يحرف مسار الثورات عن أهدافها في الحرية والاستقلال لأن منطق التاريخ أقوى من أن يلغيه منطق القوة.
....
ولهذا من المتوقع أن تخفف مصر حصارها على غزة، وأن تبدأ باتخاذ مواقف غير متعاونة مع إسرائيل، وذلك ليس نحو إلغاء اتفاقية كامب ديفد، وإنما نحو التملص تدريجيا من الالتزامات الأمنية تجاه إسرائيل، وبناء رؤية جديدة في كيفية حشر إسرائيل دون فقدان التوازن السياسي على المستوى الدولي
....
التاريخ يتغير، ووعي أصحاب القضية الفلسطينية بذلك حيوي إذا أرادوا الانتقال من مرحلة الضعف إلى مرحلة القوة. فإذا توفر الوعي والتقييم الإستراتيجي للتحولات التي تطرأ، فإنه من المتوقع أن تأخذ المطالبات الفلسطينية بالحقوق منحى جديدا لا يعتمد على قوة الضعيف المستجدي.
وتقديري أن حماس ستكون أكثر وعيا من فتح بجدلية التطورات، وستستفيد منها، أما السلطة الفلسطينية في رام الله فستتلكأ كثيرا إلى درجة أنها من الممكن أن تجد نفسها تتلاشى تدريجيا أمام زخم الأحداث.
لقد ظهرت بوادر التأثير على التفاعل العربي مع القضية الفلسطينية في ذكرى النكبة إذ انطلقت مظاهرات متواضعة في عدد من البلدان العربية، كما انطلقت جماهير غفيرة يوم الزحف الموافق 16/5/2011 إلى الحدود الافتراضية بين فلسطين والبلدان العربية المجاورة. من السهل أن يلمس المرء تحولا في نفسية ومعنويات الفلسطيني الآن، وأن يسمع منه عبارات أكثر ثقة بجماهير الأمة العربية.
...."
By Professor Abdel Sattar Qassem
"حقبة تاريخية جديدة
القهر العربي للقضية الفلسطينية
القوى المضادة
على المدى القصير
السياسة الفلسطينية
المحصلة
....
تتميز أعتاب المرحلة التاريخية الجديدة التي ما زالت في طور التكون والتكوين بميزات عديدة على رأسها:
أولا: الثورة العربية الآن هي ثورة شعوب، وبهذا تختلف تماما عن الانقلابات العسكرية التي شهدتها دول عربية عدة في الحقبة التاريخية السابقة، وتختلف عن الحروب الداخلية التي شهدتها دول غير عربية باستثناء ليبيا حتى الآن.
وبما أن الشعوب هي الثائرة فإن المصلحة الخاصة ليست هي عنوان المطالب وإنما المصلحة العامة، وذلك وفق تعريف كل ثورة عربية بما تراه أنها المصلحة العامة.
أي أن الشعوب تحركت بسبب معاناة عامة، ولتحقيق أهداف عامة، وهذا ما يجعلنا نقدر أن القضايا العربية ستكون على رأس اهتمامات هذه الشعوب، ولن تقتصر الأمور على الهموم القطرية.
ما زالت شعوب العرب تمتلك الانحياز أو الانتماء للأمة، ولا يوجد شعب يدير ظهره لهموم شعب آخر. وخير دليل على ذلك أن الثورات انطلقت بشكل شبه متزامن أو بتتابع متداخل وكأن هناك ثورة عربية واحدة، وأن أغلب الشعوب العربية تعيش الثورات العربية لحظة بلحظة عبر وسائل الإعلام، راجية في الغالب زوال الحكام. وفي النهاية، الشعب الذي يمتلك إرادة حرة يتمتع بانتماء وطني جمعي يطغى على إرادة حاكم يحاول أن يشتري الولاء.
ثانيا: من الملاحظ أن الثورات انطلقت بمعزل عن الأحزاب والتنظيمات، وأن قياداتها قد أخذت تتبلور في الشارع، إنما دون تشكيل تنظيمي. هذا يعني أن المصالح الحزبية أيضا غائبة عن الثورات، وأن الأبعاد العامة غير المنحازة لهذا البرنامج الحزبي أو ذاك هي العنوان الرئيس. حاولت الأحزاب بعد انطلاق الثورات اللحاق، وقدمت الدعم لحركة الشباب، ولم يجرؤ أي حزب على طرح برنامجه كأساس حركي، أو توجيهي للشارع.
ثالثا: تمسكت الجماهير بشعارين حيويين وهما الحرية والوحدة الوطنية. الحرية هي أساس الإبداع الواعي، وهي حجر الزاوية القوي للبناء والتقدم، والوحدة الوطنية هي الحامي للحريات ولتحقيق المساواة العددية بين الناس والعدالة لجميع المواطنين دون تمييز.
رابعا: واضح أن جماهير العرب قد سئمت مسألة مسلم ومسيحي، وسني وشيعي، وعربي وكردي، وشمالي وجنوبي، وفلسطيني وأردني. لقد وجدت أن الخصام الداخلي ينعكس على الجميع، وأن الناس لن يستطيعوا تحقيق مصالحهم إلا بالوقوف معا في مواجهة الاستبداد.
خامسا: تتميز الثورات العربية بمستوى أخلاقي رفيع من حيث أن الجماهير لم تتعمد التخريب والتدمير، وأصرت على سلمية المظاهرات محافظة منها على نفوس الناس وممتلكاتهم. هذا يعكس البعد الأخلاقي الذي يمكن أن تدور ضمنه التطورات المستقبلية.
....
القوى المضادة
إسرائيل وأميركا هما أكثر الدول ارتباكا حيال ما يجري في الساحة العربية، وهما الأشد ارتباكا في البحث عن كيفية مواجهة ما يجري. من تصريحات الدولتين، نلمس خوفهما من المستقبل لأنهما تتوقعان تطور رقابة شعبية على سياسات الحكومات العربية القادمة، ولن يكون بالأمر السهل على أي حكومة عربية أن تفعل عكس ما تقول، أو أن تتحالف مع أميركا وإسرائيل سرا بمعزل عن إرادة الشعوب.
حتى أن الأنظمة التي قد لا يطالها التغيير السياسي ستجد نفسها أمام واقع شعبي جديد يتسم بالذكاء والبحث عن الحقيقة، ولا بد له أن ينعكس على كل البيئة السياسية العربية.
....
وعليه فإن الدولتين تحاولان الآن الدخول في الثورات العربية بهدف تخريبها من الداخل. من الصعب معرفة ما تصنع إسرائيل الآن بخاصة أن لها وفرة من العملاء والجواسيس في مختلف البلدان العربية، وتستطيع من خلالهم إحداث الفوضى بعمليات اغتيال وإطلاق نار عشوائي وتخريب، وما شابه ذلك.
....
هل ستنجح إسرائيل وأميركا في محاولاتهما لتلويث مسيرة التغيير في الوطن العربي؟ أشك في أنهما ستحققان نجاحا كبيرا، لكنهما ستصنعان أجواء من البلبلة من أجل أن يترحم الناس على الأيام الغابرة.
لن تحقق الدولتان نجاحا كبيرا يحرف مسار الثورات عن أهدافها في الحرية والاستقلال لأن منطق التاريخ أقوى من أن يلغيه منطق القوة.
....
ولهذا من المتوقع أن تخفف مصر حصارها على غزة، وأن تبدأ باتخاذ مواقف غير متعاونة مع إسرائيل، وذلك ليس نحو إلغاء اتفاقية كامب ديفد، وإنما نحو التملص تدريجيا من الالتزامات الأمنية تجاه إسرائيل، وبناء رؤية جديدة في كيفية حشر إسرائيل دون فقدان التوازن السياسي على المستوى الدولي
....
التاريخ يتغير، ووعي أصحاب القضية الفلسطينية بذلك حيوي إذا أرادوا الانتقال من مرحلة الضعف إلى مرحلة القوة. فإذا توفر الوعي والتقييم الإستراتيجي للتحولات التي تطرأ، فإنه من المتوقع أن تأخذ المطالبات الفلسطينية بالحقوق منحى جديدا لا يعتمد على قوة الضعيف المستجدي.
وتقديري أن حماس ستكون أكثر وعيا من فتح بجدلية التطورات، وستستفيد منها، أما السلطة الفلسطينية في رام الله فستتلكأ كثيرا إلى درجة أنها من الممكن أن تجد نفسها تتلاشى تدريجيا أمام زخم الأحداث.
لقد ظهرت بوادر التأثير على التفاعل العربي مع القضية الفلسطينية في ذكرى النكبة إذ انطلقت مظاهرات متواضعة في عدد من البلدان العربية، كما انطلقت جماهير غفيرة يوم الزحف الموافق 16/5/2011 إلى الحدود الافتراضية بين فلسطين والبلدان العربية المجاورة. من السهل أن يلمس المرء تحولا في نفسية ومعنويات الفلسطيني الآن، وأن يسمع منه عبارات أكثر ثقة بجماهير الأمة العربية.
...."
No comments:
Post a Comment