Tuesday, October 15, 2013

From Azmi Bishara's Facebook Page


وردتني رسالة في العيد،
 صديقي العزيز،
كل عام وأنتم بخير
أنا بخير، حالي أفضل من الآخرين. سمعت من بعيد أن منزلي قد تهدم. لكننا لم نواجه الجوع، ولم نعش في مخيمات الذل بعد، أبنائي أحياء، وبناتي لم تغتصبن، وهذا أفضل من حال كثيرين. نعيش في هذا المكان وحدنا سوية. وأحيانا نكون سوية وحدنا. ولكي نواصل العيش غالبا ما تزورنا النسبية. لكن حكم العادة لم يزرنا بعد.
أرى الدمار وأسمع الثرثرة. وفي كل مساء أخرج غلى ...
الشرفة فأرى الأفق مخضّبا بالدماء.
قبل يومين حملت الرياح إلينا رعب أطفال أمسكوا عن البكاء من شدة الخوف، وما لبث أن تغلب الخوف على الخوف، وردد الفضاء انفجار البكاء من جديد.
حملت الرياح صدى عواء كائنات نصفها الأسفل آدمي، ونصفها الأعلى ذئبي، تعدو وهي تطلق النار، وتدوس على الضحايا.
وحملت الرياح رمالا، وغبارا، وابتسامات صفراء من أروقة الأمم.
حملت رياح ضحك ضباع تنطق بلغة البشر، وتضحك دون أن تتوقف عن الكلام، ترغي أن القتل افتراء، وانه في أفضل الحالات وجهة نظر، وأن الشاهد هو الضحية، والضحية ماتت. رواية القاتل ورواية القتيل وجهتا نظر. ضباع تستهتر بآلامنا ومآسينا، تزعم أن الاستعباد ليس سببا للثورة، وتعيّر الضحايا بأن الاستعباد على كل حال كان أفضل لهم من الموت؛ وتحمّل المسؤولية لمن أدخل أفكارا مثل الحرية والكرامة في عقول هؤلاء. الحرية مؤامرة، ومقاومة الظلم خيانة.
أنا مثلك وقفت ضد العدوان الأميركي على العراق، وضد العدوان الإسرائيلي على لبنان وغزة، ووقفت مع المقاومة بالفعل والقول. ومثلك لم اتفق مع جزء من المعارضة في بلادي حين راهن على التدخل الأميركي في العراق. ولكني حين وقفت مع جيل أبنائنا المنتصب القامة في وجه الاستبداد والإذلال،فلنقاوم الظلم في بلادنا، اتهمنا بأننا ضد المقاومة. المقاومة الوحيدة في نظر النظام وحلفائه هي المقاومة هكذا وحدها بدون مضاف إليه، أو مفعولا به. لقد أصبحت المقاومة لقبا. واللقب في بلادنا قد لا يمت بصلة لصاحبه. وقد يمنح لقاتل أو مغتصب، وحتى لمن وقف مع إسرائيل، طالما يقف الآن معنا. أما مقاومة أي شيء مثل مقاومة الظلم، مقاومة الفساد، مقاومة الذل، وحتى مقاومة الاحتلال، فكلها أنواع من الخيانة إذا أضرت بنظام الاستعباد والجريمة.
لم تتدخل أميركا وعقدت مع النظام صفقات، ولكم يتدخل ما يسمى "المجتمع الدولي". والتدخل المنظم الوحيد في بلادي هو تدخل حلفاء النظام. والتدخل لصالح الثورة "فزعات" لا نعرف لها أول من آخر، أفراد متعددو الدوافع، لا نعرف عن دوافعهم الكثير، ولا يعرفون عنا الكثير، يحاربون أعداءنا ويحاربونا في الوقت ذاته. أعرف أنهم لم يأتوا من أجلنا. وأنا مثلك أجد نفسي مع أطراف عربية، كانت وما زالت خصوما، لم افكر يوما أني سوف أكون معها على الجانب نفسه من المتراس، أطراف لم تربح في حياتها معركة واحدة.
ضباع كلامية ضاحكة تتابع بحماس مشاهد القصف والقتل، تدير ظهرها إلى الكامير وتحيي القتلة وتوصيهم "لا تترددوا في فعل شيء! ففي الحرب كما في الحرب"، ثم توجه كلامها إلى الكامير وتنكر القتل وتتهم الضحايا بأنهم قتلوا أطفالهم وانتحروا. وضباع كلامية أخرى تزني بأقلام مسروقة.
وألمس يا صديقي الطغيان في نفوس الضحايا. انتصرنا على النظام القائم فتحول إلى إمارة حرب، وأنتصر هو علينا فصرنا أمراء حرب. أمراء حرب بيننا يرددون صدى أمير الحرب القاتل القابع في العاصمة. كان في حلمنا حقدٌ مشروعٌ على الظلم ، أتوا بكوابيسهم على الحلم، وأبقوا من الحلم الحقدَ. هل فقدنا الأفق، هل أضعنا المدى؟
النظام يقصف مدننا وقرنا بشكل منهجي، بكل ترسانة الأسلحة التي يمكن تخيلها. ومعنا ترسانة من فوضى الشجاعة والجرأة والإقدام والحقد والكره والجبن والانتهازية والنرجسية والتفاني، والفوضى مرة أخرى... ومعنا أهلنا.
هل قدم شعب هذا الكم والكيف من التضحيات من أجل حريته. هل قرأت عن شجاعة مثل شجاعة شعبي، هل سمعت بمثلها؟ إذا كان شعبي لا يستحق الحرية والكرامة فما من شعب يستحقها. فهل سوف يودي أسوأ من فينا وما فينا بكل الشهامة والبطولات، هل سوف تذهب سدى؟ لست أبحث عن جواب، ففي المرة الأخيرة أجبتني أنك قلت ما عندك. ولكني أخاطب نفسي.
اشتاق لبلدي الذي تغير وأخشى أن لا يعرفني، ولكن هل سوف أرى البلد؟
ومرة أخرى كل عام وأنت بخير

"

No comments: