سلامة كيلة
23 أكتوبر 2014
خصّني الأستاذ وليد الرجيب بتعليق على مقال لي في "العربي الجديد" عنوانه: "المجاهدون بين الأيديولوجية والواقع، من أفغانستان إلى داعش" (13 أكتوبر/ تشرين الأول 2014)، عنوان التعليق: "هل الإرهاب صناعة غربية فقط؟"، (الرأي الأردنية، 19 أكتوبر 2014)، ويدعو إلى عدم الفصل بين البيئة المحلية والدور الغربي، ويشير إلى "البيئات" الرجعية التي "كرّست استغلال الدين، لتثبيت حكمها، متماهية بذلك والمصالح الغربية التي تتبعها"، ويكمل الإشارة إلى "الأصوليين الأثرياء الذين يموّلون الجهاديين".
حين أشرتُ إلى "الدور الاستخباري" في صناعة داعش والقاعدة، كنت أشير إلى ظاهرة محددة، وحاولت أن أوصل أن "المالك لها" هي أميركا التي صنّعتها منذ الحرب ضد السوفييت في أفغانستان، وأوصلت إلى الأشكال التي نراها. وكنت أوضّح الفارق بين الممسك بسياساتها والفئات التي تأتي من مناطق مهمّشة، لكي تنخرط فيها، انطلاقاً من مشكلات التهميش التي تنعكس في تصوراتها. وفي حدود هذا الموضوع (هو بحاجة إلى بحث أوفى)، لم أجد ضرورة للإشارة إلى الإطار الأوسع الذي شكّل الظاهرة السلفية الوهابية، وعمل على تعميمها منذ عقود. ولا شك في أن الأمر يحتاج إلى وضوح، كنت كتبت حوله سابقاً مقال (الخلافة الإسلامية وأوهام العودة إلى الوراء، موقع الحوار المتمدن)، وهو أكبر من دور سلفيين أثرياء. الأمر، هنا، يتعلق بما أنتج "الدولار النفطي" بعد سنة 1974 من سياسة لضمان استمرار النُظُم النفطية، بالتبعية للولايات المتحدة.
كان واضحاً أن الهزّة الكبيرة التي نتجت عن الانقلابات في البلدان العربية، وسيطرة "نظم قومية" ومتحالفة مع السوفييت، وتطرح شعار "نفط العرب للعرب"، قد فرضت، خصوصاً بعد الفورة النفطية التي نتجت عن حرب أكتوبر سنة 1973، سياسة تقوم على استتباع الانهيار الذي بدأ في تلك النظم القومية، بتعميم الوهابية، لكي تصبح هي السدّ القوي في مواجهة الفكر الحديث. لكن، أيضاً في تخلّف المجتمعات وسدّ إمكانيات تطورها. لهذا، باتت السعودية كدولة، وكثير من الأمراء السعوديين والخليجيين، وأيضاً، من التجار الأثرياء في الخليج، معنيون جميعاً بنشر الفكر الوهابي، عبر نشر المدارس والجامعات واستقطاب شيوخ جوامع ومؤسسات دينية، كما عبر طباعة كتب ونشريات ومجلات، ومن ثم الفضائيات كثيرة العدد. إضافة إلى دعم تشكيل مجموعات سلفية، ومنها كان الشغل على إرسال "الجهاديين" إلى أفغانستان، وتشكيل ظاهرة الأفغان العرب، ثم دعم تنظيم القاعدة بشكل مباشر أو غير مباشر (بغضّ النظر عن الكلام الإعلامي عن الصراع معه).
بمعنى أن الوهابية كأيديولوجيا، والتنظيمات "الجهادية"، كانت التعبير عن "الرأسمالية النفطية" التي عملت، بالتبعية لـ"الغرب" (وهنا لأميركا) على تعميمها، كأيديولوجية مهيمنة في الوطن العربي (وربما في العالم الإسلامي). ويبدو الهدف واضحاً، وهو منع التطور والحداثة، وتأسيس قوى سلفية متشددة، تدمرّ وتقتل كل ميل تحرري حداثي، ديمقراطياً أو قومياً أو شيوعياً، مع تشكيل فعل تدميري ذاتي في المجتمعات، يدفع إلى تفككها وتشظيها. لأن كل ميل تحرري حداثي سوف يهدد وجود الإمارات والمشيخات والممالك النفطية.
لهذا، جرى دعم تشكيل "المجاهدين" الذين أصبحوا يصاغون وفق السياسات الأميركية، كما لاحظنا مع داعش، وقبلها تنظيم دولة العراق، وقبله تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين. وبالتالي، إذا كان التمويل هو من هذه الأطراف، فإن السياسة ترسمها أميركا في الأخير (على الرغم من أن جبهة النصرة وداعش لعبتا دوراً مضاداً للثورة، وخدمتا مباشرة السلطة السورية، والسلطة في العراق قبل أن تعود أميركا لتستغلّ داعش، من أجل فرض سياساتها).
ما حاولت إيضاحه في المقال ذاك أن الأمر ليس "نبتاً طبيعياً" من مجتمعاتنا، كما يحاول بعضهم القول، بل إن هذا التخلّف والتهميش في بعض المناطق يستغلّ في تشكيل قوى تدمير.
No comments:
Post a Comment