وائل قنديل
19 أكتوبر 2014
مرة أخرى أجدني مضطرا للتذكير بالأفراح والليالي الملاح التي أقامتها إسرائيل؛ احتفالا بنجاح الانقلاب العسكري في مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي، واشتعال مراكز الأبحاث ودوائر الإعلام الصهيونية في الترويج للسلطة الجديدة في مصر، والتي هي في رأي رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو أكثر من حليف.
عبد الفتاح السيسي الذي شهدت فترة جلوسه على سدة الحكم أزهى فترات التملص من دور مصر التاريخي تجاه القضية الفلسطينية، وصولا إلى حالة لم يجرؤ حسني مبارك الموصوف بـ "الكنز الاستراتيجي" لإسرائيل الجهر بها، إذ بدا حاكم مصر الجديد في اختبار العدوان الصهيوني الأخير على غزة أقرب للموقف الإسرائيلي.
وما مناسبة هذا الكلام المكرر والمعاد؟ المناسبة هي حالة الدجل والتدليس القائمة في ربوع مصر الآن، والتي قطعت شوطا غير مسبوق في إسباغ صفات الأنبياء والفاتحين على شخص لم يجرؤ يوما على أن ينطق عبارة "القدس الموحدة" كعاصمة لفلسطين المحتلة، ورغم ذلك يتحدث رجل الشؤون الدينية في الحزب الوطني المنحل عن السيسي على النحو التالي: "أتمنى أن يتم فتح القدس مرة أخرى على يد الرئيس عبد الفتاح السيسي والجنود المصريين، كما فعل من قبل صلاح الدين الأيوبي".
المتحدث هو الدكتور أحمد عمر هاشم، أحد خطباء السلطان في زمن حسني مبارك الذي عينه عضوا في مجلس الشعب المصري، وعضوا في المكتب السياسي للحزب الوطني الديمقراطي المحترق بعد ثورة يناير، وعضوا في مجلس الشورى المصري بالتعيين، وعضوا في مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون.
الدكتور هاشم كان يلقي خطبة ترويجية لطريقته الصوفية في الاحتفال بمولد السيد البدوي في مدينة طنطا، وبصرف النظر عن أن هذه المناسبات تكون فرصة مواتية لاشتعال المباخر بلا معقول الكلام، فإن بلوغ مرحلة التمني من السيسي أن يفعل مع الصهاينة كما فعل صلاح الدين الأيوبي في الحملات الصليبية، هو أمر ربما يكون مزعجا للسيسي شخصيا.. فالرجل لا يحمل أي مشاعر عداء ولا رغبات مواجهة مع الإسرائيليين. وهذا العجب العجاب يأتي متناغما مع تيار هادر يتدفق على ألسنة رجال دين السلطة، يشتط أحيانا ليرتفع بجنرالي مذبحة رابعة العدوية عبد الفتاح السيسي ومحمد إبراهيم إلى مصاف الرسل والأنبياء، و يتفوق -أو بالأحرى يتهور- على نفسه ويقول إن الله أنزل محبته على السيسي في "غزوة نيويورك". غير أن الربط بين السيسي وتحرير القدس من قبضة الصهاينة، ووضعه في جملة واحدة مع صلاح الدين الأيوبي يعد متجاوزا لحدود الخيال، بما في ذلك خيال السيسي نفسه، والذي توقف عند حدود الحلم بمجد أنور السادات، ومن ثم تعد هذه مزايدة على أحلام الجنرال المسربة بحرفية شديدة عبر وسائل إعلامه.
وبما أن هذه مصر في زمن الدروشة السياسية، فلم يفوت الخطيب العابر للأزمنة الفرصة ليأتي بما لم يجر على لسان أحد قبله من المؤرخين والسياسيين، ليعلن سرا خطيرا مفاده أن أكتوبر 73 كان انتصارا صوفيا، إذ يقول بالنص إن "أهم أسباب أخذ الرئيس الراحل، محمد أنور السادات، قرار الحرب هو الشيخ الجليل عبد الحليم محمود، شيخ الأزهر الأسبق، وأحد أقطاب الصوفية، الذي أخبر الرئيس السادات بأنه رأى رؤية تتضمن سير رسول الله بالطريق ومن خلفه جنود مصر، وهذه الرؤية دفعت الرئيس السادات لاتخاذ قرار الحرب، والذي كلل بالانتصار بفضل بشارة أحد أولياء الله".
إذن، مصر حاليا في مرحلة تصنيع "رئيس مؤمن" جديد فمتى يكتشفون فجأة أن اسم الحاكم الجديد هو "محمد عبد الفتاح السيسي"؟ -
No comments:
Post a Comment