ياسر الزعاترة
Link
في تصريح لافت نقلته وكالة "فارس" الرسمية مؤخرا وفي سياق الاحتفالات بذكرى الثورة الإيرانية؛ أعلن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني أن "مؤشرات تصدير الثورة الإسلامية باتت مشهودة في كل المنطقة؛ من البحرين والعراق إلى سوريا واليمن وحتى شمال أفريقيا".
والحال أن مصطلح "تصدير الثورة" قد خرج من التداول الرسمي في الأدبيات الإيرانية منذ ما يقارب ثلاثة عقود؛ أيام الحرب العراقية الإيرانية التي كانت حجة العراق فيها هذا المصطلح الذي يعني أنه (أي العراق) الخطوة التالية لمد أو تمدد الثورة الإيرانية، ليس فقط لأنه دولة جوار، بل أيضا لأن ما يقارب نصف سكانه من الشيعة، مع التذكير بأن النِّسب هنا لا تخلو من جدل بشأنها بين مكونات العراق الثلاثة.
وحين نتحدث عن قاسم سليماني بوصفه صاحب التصريح، فنحن لا نتحدث عن سياسي أو عسكري أو أمني عادي في الدولة الإيرانية، بل نتحدث عن الرجل الذي يجري رفعه إلى مقام الأسطورة، وتدبَّج له الأغاني، ويتصدر المناسبات، ربما على نحو يختفي معه الرئيس مثلا، بل حتى المرشد نفسه في بعض الأحيان، مع أنه ينتسب إلى ذات المنظومة "المحافظة" التي تقف قبالتها منظومة أخرى تتمثل في التيار الإصلاحي الذي يتصدره كل من رفسنجاني وروحاني، بعد تغييب الآخرين بالإقامة الجبرية، وفي مقدمتهم مير حسين موسوي ومهدي كروبي.
"لا أحد يُذْكَر داخل إيران ولا في الأوساط الشيعية في الخارج كما يُذكر سليماني، الذي يعرف المعنيون بالشأن الإيراني منذ زمن أنه المسؤول الفعلي عن العمليات والعلاقات الخارجية لإيران، وهو الذي يديرها في شتى أرجاء الأرض"
لا أحد يُذْكَر داخل إيران ولا في الأوساط الشيعية في الخارج كما يُذكر سليماني، الذي يعرف المعنيون بالشأن الإيراني منذ زمن أنه المسؤول الفعلي عن العمليات والعلاقات الخارجية لإيران، وهو الذي يديرها في شتى أرجاء الأرض، بما في ذلك ما يتعلق بالجاليات الشيعية في الخارج، فضلا عن الأقليات الشيعية في الدول العربية والإسلامية.
إنه الرجل الذي يحرِّك عشرات المجموعات المسلحة ويتحكم في موازنات ضخمة، ولا يمكن تبعا لذلك التعاطي مع تصريحه بوصفه زلة لسان، بقدر ما يعبر عن إستراتيجية ورؤية تتبعها إرادة تطبيقها في أماكن كثيرة لم تصلها بعد، وفي مقدمتها تلك التي تؤوي أقليات شيعية يجري الخلاف حول نسبتها، وفي مقدمتها دون شك الكويت والمملكة العربية السعودية، فضلا عن البحرين التي يعتبر شيعتها أنهم الأحق بالحكم بوصفهم الأغلبية (النسب هنا محل جدل أيضا بين الحديث عن أغلبية كبيرة، أو أغلبية بتفوق بسيط).
منذ عامين ونحن نقول إن إيران تنتقل من الناحية الواقعية من برنامج المقاومة والممانعة (ما زالت تتاجر بشعاره لأغراض التسويق) إلى دولة المذهب التي تعتبر نفسها مسؤولة عن كل معتنقيه في شتى أرجاء الأرض، سواء أكانوا يمسكون بالسلطة أو ببعضها -كما هو الحال في الدول التي ذكرها سليماني (سوريا، العراق، اليمن) ومعها لبنان الذي لم يذكره، ربما لأنه نسيه، وربما لاعتبارات الوضع السياسي لحزب الله، بينما هو ضمن المجموعة- أم كانوا أقليات خارجية، فضلا عن أن تكون أغلبية نسبية كما هو الحال في البحرين.
جدير بالذكر أن سوريا تنهض كحالة خاصة، إذ إن الطائفة التي تمسك بالحكم عمليا ليست شيعية، وهي تصنف كافرة وفق الفقه الشيعي، والشيعة فيها يعدون أقلية محدودة جدا، لأن العلويين أنفسهم لا تتجاوز نسبتهم عشرة في المائة من السكان؛ وبالتالي، فهي حالة أقرب إلى الاحتلال السياسي والعسكري، وأقله الاستعمار الذي يختلف عن النماذج الأخرى.
ومع أن اليمن قد يبدو كذلك نظرا لحقيقة أن نسبة الحوثيين لا تصل عشرة في المائة، وإن ذهبت إيران نحو اعتبار جميع الزيديين في ذات المربع أيضا، وهم في مجموعهم لا يصلون ثلث السكان، مع أن أكثرهم لا يلتقون مع الحوثيين لا فكرا ولا سياسة، كما يبدو.
"حين يعلن سليماني رسميا استعادة مصطلح تصدير الثورة، فإن على الأنظمة العربية أن تدرك تبعا لذلك أن الأمر لم يعد مقصورا على سوريا والعراق واليمن ولبنان، بل سيشمل دولا أخرى كثيرة"
أيا يكن الأمر، فسليماني يعلن رسميا استعادة مصطلح تصدير الثورة، وعلى الأنظمة العربية أن تدرك تبعا لذلك أن الأمر لم يعد مقصورا على سوريا والعراق واليمن ولبنان، بل سيشمل دولا أخرى كثيرة (حديثه عن أفريقيا يستحق وقفة أخرى تبعا لمستويات التمدد في بعض بلدانها)، وهي إذا لم تجد سبيلا إلى صد هذه الهجمة ووقف هذا الجنون، فإن المأساة ستطول.
لن تعلن الأقلية الحرب على الأغلبية ثم تربحها، ولن توسِّع دولة نفوذها أكثر من قدرتها على الاحتمال إلا ووقعت أسيرة للاستنزاف، كما حصل للاتحاد السوفياتي ذات يوم؛ إن كان في أفغانستان، أم في سياق الحرب الباردة وسباق التسلح أثناء حقبتها. ومن يتابع وكالة "فارس" ويرى خبر تطوير الأسلحة بين يوم وآخر، لا بد أن يتذكر الاتحاد السوفياتي.
إيران تكرر القصة ذاتها. نحن واثقون من ذلك، لكن التصدي الجاد لجنونها وغطرستها سيقلل من المعاناة المترتبة عليها، بما في ذلك على إيران نفسها وشعبها الذي يعاني من العقوبات والنزيف على كل صعيد، إذ قد يدفعها هي أيضا إلى استعادة بعض الرشد مبكرا، لا سيما أن مؤشرات تقدم الإصلاحيين لا تبدو قوية، بافتراض أنهم أقرب إلى الرشد من المحافظين، وهم كذلك على ما يبدو برفضهم للمغامرات الخارجية، ربما باستثناء ما يتعلق بالعراق الذي يراه الجميع خاصرة مهمة، ومجالا حيويا لا يمكن التهاون حياله.
No comments:
Post a Comment