عزمي بشارة
قضية فلسطين قضية عربية، لا يمكن أن ينتصر الفلسطينيون من دون عمقهم العربي. هذه مقولة صحيحة تبدو، الآن، قديمة، لأن
العرب أنفسهم في مصر والعراق وسورية ولبنان واليمن وغيرها باتوا أحوج للبحث، في "عمقهم العربي"، عن هوية عربية يواجهون بها التفتت، بل التحلل الذاتي الراهن.
أما الفلسطينيون فقد خبروا مبكرا آليات تحييد العمق العربي، إذ عانى الشعب الفلسطيني طويلا
من المتاجرة بقضيته، بإخضاعها لضرورات الديماغوجيا اللازمة لشرعية الأنظمة الديكتاتورية من جهة، أو بإخضاعها لمساومات حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، مع واشنطن التي قادت، غالباً، إلى تقديم تنازلات على حساب الفلسطينيين، لنيل الرضى الأميركي من جهة أخرى. وفي مراحل تعيسة، منها التي تمر بها مصر الرسمية وإعلامها حالياً، جرى التعامل مع الفلسطينيين كـ"غريب"، "آخر" تُسقَط عليه تناقضات النظام الاجتماعي والسياسي وإخفاقاته. هكذا، أصبح الفلسطينيون سبب مصائب مصر في حروبها الفاشلة مع إسرائيل، وجرى إسقاط عداء النظام الحالي للإخوان على حركة حماس. مع أن الأخيرة لم تقم يوماً بعمل مسلح خارج الوطن، لا في مصر، ولا في غيرها، وتميّزت بذلك عن حركات المقاومة الأخرى، وحتى عن الفصائل الفلسطينية الأخرى. ليست حماس حركة تحرر وطني، لكنها حركة مقاومة، التزمت أكثر من أي فصيل آخر، بالعمل داخل فلسطين.
والمسألة هنا لا تتعلق بحماس، بل بالموقف من مقاومة الفلسطينيين الاحتلال، وبشرعنة الحصار غير الإنساني وغير الأخلاقي وغير القانوني على غزة، باختلاق التبريرات المزورة، القاصرة عن تبريره، حتى لو صدقت. فبالإضافة إلى محاولة منع الشعب الفلسطيني من الدفاع عن نفسه ضد أي هجوم إسرائيلي مقبل بحظر وصول السلاح إلى القطاع، تفرض مصر الرسمية الحالية حصاراً تجويعياً عليه، هدفه الحقيقي سياسي. الحديث، إذاً، عن سياسة إرهابية تستهدف المدنيين. ليس العداء للإخوان المسلمين في مصر هو الدافع هنا، بل إدراك النظام أن حليفه الحقيقي القادر على الضغط في الكونغرس الأميركي، والإدارة الفرنسية وفي وسائل الإعلام الغربية وحتى في روسيا، هو الصهيونية. فعلى "أمن إسرائيل" تلتقي أميركا وروسيا وفرنسا، كما سوف نرى. هؤلاء جميعا مستعدون لغض النظر عن خروقات حقوق الإنسان في مصر، وعن الانقلاب العسكري على الديمقراطية، بفضل شفيع مجتمع الضباط المصريين الجدّي الوحيد، ألا وهو حفاظهم على أمن إسرائيل. في خدمته ترخص بيوت وعائلات رفح المصرية، وسيناء كلها؛ ومن أجله تصبح حماس حركة إرهابية.
لن يتمكن النظام من التمسك بهذا التعريف. ولكنه يحتاج إلى نشر ثقافة شعبوية شوفينية ضد الحريات، وضد شباب الثورة، وضد المعارضين، وضد الفلسطينيين والسوريين، وغيرهم. ويبدو هو معتدلاً ووسطياً مقارنة بـ"رأيه العام" الذي يصنعه بنفسه. المشكلة أنه في مصر تبدو المحاكم ذاتها جزءاً من الديماغوجيا الشعبوية السائدة في قواعد النظام، والتي لا يستطيع النظام نفسه الالتزام بها.
ينصبّ الانتقاد ضد المحاكم في العالم كله على نخبويتها، أما في مصر، فيجب أن ينصبّ كما يبدو على شعبويتها.
"فيسبوك" ضد الفلسطينيين
والمسألة هنا لا تتعلق بحماس، بل بالموقف من مقاومة الفلسطينيين الاحتلال، وبشرعنة الحصار غير الإنساني وغير الأخلاقي وغير القانوني على غزة، باختلاق التبريرات المزورة، القاصرة عن تبريره، حتى لو صدقت. فبالإضافة إلى محاولة منع الشعب الفلسطيني من الدفاع عن نفسه ضد أي هجوم إسرائيلي مقبل بحظر وصول السلاح إلى القطاع، تفرض مصر الرسمية الحالية حصاراً تجويعياً عليه، هدفه الحقيقي سياسي. الحديث، إذاً، عن سياسة إرهابية تستهدف المدنيين. ليس العداء للإخوان المسلمين في مصر هو الدافع هنا، بل إدراك النظام أن حليفه الحقيقي القادر على الضغط في الكونغرس الأميركي، والإدارة الفرنسية وفي وسائل الإعلام الغربية وحتى في روسيا، هو الصهيونية. فعلى "أمن إسرائيل" تلتقي أميركا وروسيا وفرنسا، كما سوف نرى. هؤلاء جميعا مستعدون لغض النظر عن خروقات حقوق الإنسان في مصر، وعن الانقلاب العسكري على الديمقراطية، بفضل شفيع مجتمع الضباط المصريين الجدّي الوحيد، ألا وهو حفاظهم على أمن إسرائيل. في خدمته ترخص بيوت وعائلات رفح المصرية، وسيناء كلها؛ ومن أجله تصبح حماس حركة إرهابية.
لن يتمكن النظام من التمسك بهذا التعريف. ولكنه يحتاج إلى نشر ثقافة شعبوية شوفينية ضد الحريات، وضد شباب الثورة، وضد المعارضين، وضد الفلسطينيين والسوريين، وغيرهم. ويبدو هو معتدلاً ووسطياً مقارنة بـ"رأيه العام" الذي يصنعه بنفسه. المشكلة أنه في مصر تبدو المحاكم ذاتها جزءاً من الديماغوجيا الشعبوية السائدة في قواعد النظام، والتي لا يستطيع النظام نفسه الالتزام بها.
ينصبّ الانتقاد ضد المحاكم في العالم كله على نخبويتها، أما في مصر، فيجب أن ينصبّ كما يبدو على شعبويتها.
"فيسبوك" ضد الفلسطينيين
قام بعض الشباب في فلسطين بفتح صفحة لي على "فيسبوك" قبل أعوام، ووافقت، أخيراً، على تبنيها، بعد أن أزيلت ألقاب "الدكتور المفكر..."، وقد احتاج حذفها إلى سعي مطول لدى إدارة الشركة. لست ناشطاً على وسائل التواصل الاجتماعي، وأعرف أهميتها وحدودها الاحتوائية في الوقت نفسه. وسبق لي أن تناولت هذا الموضوع من قبل.
لا علاقة لي بصفحات عديدة أخرى، فتحت على اسمي، بعضها للتأييد وأخرى للقدح في زمن استقطاب المواقف بين الديمقراطيين ومؤيدي الأنظمة. كما أن الصفحة ذاتها تعرضت مرات عدة لعمليات قرصنة من قبل ما بدا أنها أيدٍ لأجهزة مخابرات عربية وإسرائيلية. ونجحنا بإنقاذها في كل مرة. وأكتب على الصفحة من حين إلى آخر موقفاً أو أنشر مقالاً لي بين القراء، وقد وصل عدد المشاركين فيها مليونا ومائتي ألف مشارك، وهو عدد اعتقدت أنه لا يجوز تجاهله، ولا سيما بعد أن أغلقت حسابي الشخصي مؤقتا.
أول من أمس، وضعت بنفسي "البوست" التالي على الصفحة: "فقط الاحتلال لا يميّز بين الاحتلال والمقاومة. عجبت لعرب ينتصرون لإسرائيل على حماس. عجبت لمن يعتبر عدد الإرهابيين قليلاً، فيضيف إليه حركة حماس".في صباح اليوم التالي، وجدت ملاحظة تصف هذه العبارات بأنها "لا تتناسب مع سياسة شبكة
فيسبوك"، وأن الشبكة حذفتها، وبعدها حظر على من يدير الصفحة الدخول إليها، لا أدري إذا كان مؤقتا أم بشكل دائم.
تتضمن الجملة الأولى تقديراً اعتبره دقيقاً لموقف الاحتلال، أي احتلال، من المقاومة، إذ ليست من مصلحته أن يميز بينها وبين الإرهاب. لا يوجد احتلال في التاريخ الحديث إلا وتعامل مع المقاومة كإرهاب، أو تخريب. هذه طبيعة التناقض بين الاحتلال والسكان الأصليين. وتتساءل الجملة الأخيرة هل شح الإرهابيون في العالم، لكي يضاف إليهم من ليس إرهابيا؟
أي مؤسسة عربية، ولو كانت محكمة مصرية دنيا، تصنف حركة مقاومة، مثل حركة حماس، تنظيماً إرهابياً، تتفق عملياً مع الاحتلال، بل وتقوم بما هو أخطر مما تقوم به إسرائيل، حين تصنف المقاومة إرهاباً، ذلك لأنها ليست في تناقض مصلحي مع السكان الأصليين.
"فيسبوك" التي تريد أن تفرض سقفاً إسرائيلياً على شبكتها، ولها سوابق كثيرة في هذا الشأن، لم تعجبها الجملة، فوجدت أن من حقها أن تحذفها، وأن ترسل لصاحبها جملاً بنبرة توجيهية وصائية واضحة.
القراء الأعزاء: اعتبروا هذه الملاحظة تذكيراً بالواقع (سلطة، مصالح، انحيازات أيديولوجية) غير الافتراضي أبداً، غير المحايد قطعاً، لشبكات التواصل الاجتماعي.
تتضمن الجملة الأولى تقديراً اعتبره دقيقاً لموقف الاحتلال، أي احتلال، من المقاومة، إذ ليست من مصلحته أن يميز بينها وبين الإرهاب. لا يوجد احتلال في التاريخ الحديث إلا وتعامل مع المقاومة كإرهاب، أو تخريب. هذه طبيعة التناقض بين الاحتلال والسكان الأصليين. وتتساءل الجملة الأخيرة هل شح الإرهابيون في العالم، لكي يضاف إليهم من ليس إرهابيا؟
أي مؤسسة عربية، ولو كانت محكمة مصرية دنيا، تصنف حركة مقاومة، مثل حركة حماس، تنظيماً إرهابياً، تتفق عملياً مع الاحتلال، بل وتقوم بما هو أخطر مما تقوم به إسرائيل، حين تصنف المقاومة إرهاباً، ذلك لأنها ليست في تناقض مصلحي مع السكان الأصليين.
"فيسبوك" التي تريد أن تفرض سقفاً إسرائيلياً على شبكتها، ولها سوابق كثيرة في هذا الشأن، لم تعجبها الجملة، فوجدت أن من حقها أن تحذفها، وأن ترسل لصاحبها جملاً بنبرة توجيهية وصائية واضحة.
القراء الأعزاء: اعتبروا هذه الملاحظة تذكيراً بالواقع (سلطة، مصالح، انحيازات أيديولوجية) غير الافتراضي أبداً، غير المحايد قطعاً، لشبكات التواصل الاجتماعي.
No comments:
Post a Comment