Tuesday, June 9, 2015

عام على رئاسة السيسي: أوضاع متدهورة ومعارضة متصاعدة



Link

بعد عام من تولي الجنرال عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم رسميًا في مصر، علمًا أنه يحكم فعليًا منذ إطاحة الرئيس المنتخب محمد مرسي في الثالث من تموز / يوليو 2013، تدهورت الأوضاع الأمنية والاقتصادية إلى مستوى غير مسبوق، وذلك على الرغم من كل الدعم المالي والسياسي الخارجي الذي تلقّاه نظام الانقلاب.
وبالتوازي مع تلاشي الآمال في تحسّن الأوضاع التي حاول إعلام النظام العسكري ترويجها، يبدو أنّ التحالف السياسي - الاجتماعي الذي دعم انقلاب السيسي آخذ هو الآخر بالتفكك، فيما بدأت تتصاعد أصوات معارضة برز في تفسيرها اتجاهان؛ الأول يرى أنها "مصنعة"، لإعطاء الانطباع بأنّ النظام يحاول تغيير مقاربته الأمنية التي سادت منذ انقلاب يوليو 2013، والثاني يرى أنها معارضة حقيقية تتنامى بسرعة، وتعبّر عن واقع الإحباط الذي أصاب قطاعات واسعة من الفئات الاجتماعية والقوى السياسية، من إخفاق نظام السيسي في تنفيذ وعوده السياسية والاقتصادية.

تفكك تحالف الانقلاب
بدأت تطفو في الآونة الأخيرة مؤشرات أولية على وجود صراع فعلي بين أجنحة النظام ومراكز القوى الأكثر تأثيرًا فيه، والواضح أنّ اعتقادًا أخذ يترسخ داخل المؤسسة العسكرية بأنّ الجيش الذي تحوّل إلى قوة أمن محلية، ليس بمقدوره أن يلبي متطلبات الإمساك بالسلطة، كما ليس بمقدوره أن يكون مسؤولًا عن أي حالة فوضى اجتماعية قد تقع نتيجة تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية، في ظل مخاوف من زحف الفوضى الأمنية من سيناء في اتجاه مدن غرب القناة. ويعكس تسريب تسجيلات متعددة للجنرال السيسي وجود انقسام مازال طور النضوج داخل المؤسسة العسكرية - الأمنية، ويتوقع له أن يتنامى خلال الفترة القادمة مع تفاقم الأزمات التي يتعين على النظام مواجهتها[1].
كما أنه من الواضح أنّ تجذّر الموقف المعادي لقوى 25 يناير داخل نظام السيسي يقود بالضرورة إلى الاستعانة بنخب مرحلة مبارك. وهذه النخب لديها مطالب متعلقة بحصتها من النظام كما يعبّر عنها اللواء أحمد شفيق، ما يثير قلق الأوساط العسكرية التي تخشى على مصير احتكارها صنع القرار.
أمّا الحركات السياسية التي قادت حراك 30 حزيران / يونيو 2013، ودعمت انقلاب الثالث من تموز / يوليو، ومثّلت قاعدة دعمه الأكبر شعبيًا، فقد اختفت من المشهد تقريبًا. بعد أن انفضّت جماهيرها عنها، فحركة "تمرّد" مثلًا، والتي كانت تطمح إلى استثمار جهودها في إطاحة الرئيس مرسي، لتشكيل حزب سياسي كبير، تداعت تحت وطأة انشقاقاتها المتعاقبة. وكان من اللافت خلال الفترة الماضية تركيز وسائل إعلام النظام على أزمات الحركة وانقساماتها، ما يؤشّر على تخلٍّ عنها بعدما أدت دورها في إطاحة الرئيس المنتخب. في المقابل عادت القوى المدنية والليبرالية، والتي أقصيت مبكرًا من تحالف 30 يونيو، وبعد أن لاذت طويلًا بالصمت، إلى توجيه الانتقادات العلنية للنظام، وبصورة حادة، كما جاء في تصريحات الدكتور محمد البرادعي حول أسباب خروجه من المشهد السياسي بعد وقت قصير من انقلاب يوليو 2013.
فضلًا عن ذلك، بدأت تبرز خلافات بين النظام وداعميه من رجال الأعمال ممن أدوا دورًا بارزًا في الإطاحة بالمسار الديموقراطي، وكافأهم النظام على ذلك بطرق مختلفة، إذ بدأ إعلام السلطة يكيل الاتهامات لبعض رموز هذه الفئة من رجال الأعمال[2]، ما استدعى ردودًا حادة من بعضهم. ولأنّ مصلحة النظام الحاكم حاليًا في مصر ترتكز على تقوية إمبراطورية الجيش الاقتصادية الصناعية العقارية، ما يتطلب قيام رجال الأعمال بدور متعهدي مشاريع أو شركاء صغار عند الجيش، فإنّ النظام يستمر من جهة أخرى في الحديث عن دور رجال الأعمال الحيوي في مشروع "النهضة" الاقتصادية الموعودة. وأيًا كانت الصراعات والتسويات التي يتمّ التوصل إليها بين الضباط ورجال الأعمال في تقاسم الكعكة الاقتصادية، فإنها في الحصيلة تفتئت على حقوق العمال، وتكون على حساب الطبقات الأكثر فقرًا في المجتمع.

وعود حكومية... وسخط شعبي
وفي العموم، يمكن ملاحظة تعاظم السخط الشعبي، مع اتضاح عجز الحكومة عن إنجاز وعودها بتحقيق الاستقرار الاقتصادي، واستمرار تردي الأوضاع المعيشية وغلاء الأسعار، ترافقه الظواهر ذاتها التي استخدمت في تعميق أزمة نظام مرسي في شهور حكمه الأخيرة؛ كانقطاع الكهرباء وطوابير الانتظار في محطات الوقود، وغيرها. كما تزايدت الانتقادات الموجهة إلى برنامج الانقاذ الاقتصادي الذي زعمت الحكومة تطبيقه، ووصلت حدود السخرية بعد أن جرى وصف أكثر مشروعات البرنامج "بالعملاقة" وإحالتها نتيجة لذلك إلى القوات المسلحة بصفتها جهة تخطيط وإدارة، إذ عدّ كثير من الخبراء هذه المشروعات ذات تكلفة عالية ومردود اقتصادي ضعيف، فضلًا عن أنّ الشروع في تنفيذها يعتمد كليًا على توافر الدعم الخارجي.
في المقابل، لم يعد شعار "الحرب على الإرهاب" الذي استخدمه النظام أداة لمصادرة المجال العام، يحقق الغرض منه، بعد أن طالت ممارسات القمع السياسيين المعارضين والناشطين والحقوقيين من خارج التيار الإسلامي، وانطوى أكثرها على انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. كما لم تعد محاولات تعظيم صورة الخطر الإخواني، والتعلل به لتبرير الاخفاقات الاقتصادية، تجدي نفعًا في التغطية على ضعف الأداء الحكومي، ووقوع كوارث بسبب سوء الإدارة والفساد. فتزايدت الانتقادات الموجّهة لإعلام النظام في ظل استياء عام من أجواء كبت الحريات، وبرزت أصوات، بعضها محسوب على النظام، تنتقد الإستراتيجية الدعائية التي يتبناها هذا الإعلام، وتنذر بمحدودية جدوى توحيد الصوت الإعلامي في صورة إعلام موجّه، مهمته الرئيسة العمل على صناعة صورة الزعيم الأوحد. كذلك استأثرت ممارسات القمع الإعلامي والمصادرة والمنع والملاحقة القضائية للإعلاميين المستقلين والمعارضين بحصة كبيرة من النقد.
وقد ترافق ذلك كله مع تنامي الإحساس بعجز السلطة عن تشكيل مجال سياسي جديد، بفعل المراوغة في إنجاز الاستحقاقات الانتخابية، والاستمرار في الهيمنة على أعمال التشريع والقضاء، وتوجيه أحكامه، وقمع الأصوات الناقدة في داخله. وفي هذا الإطار يأتي موضوع تأجيل الانتخابات البرلمانية كواحدة من القضايا التي تشير إلى نيات النظام في تثبيت سلطة الفرد المطلقة، وتربك المشهد الحزبي الراهن.

ضغوط خارجية ودعم متناقص
من جهة أخرى، بات انحسار الدعم المالي الخارجي، الخليجي منه على وجه الخصوص لأسباب مختلفة، منها انخفاض أسعار النفط[3]، يهدد برنامج الحكومة بشقيه السياسي والاقتصادي. في الوقت نفسه، بدأ يتضح مدى ارتهان الدعم المالي الخارجي الآخذ في التقلص بإجراءات سياسية مطلوبة من نظام السيسي. وبدأت أصوات خليجية كانت داعمة تقليديًا للسيسي منذ صعوده، في الإيحاء بأنّ نظامه لا ثقة فيه، على خلفية التسريبات المنسوبة للسيسي نفسه، والتي تناقلتها وسائل الإعلام، وأثارت غضب الحلفاء الخليجيين من النظام، وزادها سوءًا التباس الموقف المصري من التحالف الذي تقوده السعودية في "عملية عاصفة الحزم" في اليمن، والتي تستهدف قوات الرئيس السابق على عبد الله صالح وحركة "أنصار الله" الحوثية. ويرجّح البعض أنّ مرجع هذا الخلاف هو رغبة سعودية في دعم المكونات الحزبية المحلية في اليمن التي لها ارتباط فكري أو تنظيمي بالإخوان المسلمين، وسعيها لتسليحها. يرتبط بذلك ما يتسرب عن وجود خلافات مكتومة بين السعودية ونظام السيسي، حيال جملة من القضايا الإقليمية تمتد من سورية إلى ليبيا، مرورًا بالعلاقة مع تركيا، وصولًا إلى تحرر السعودية من الالتزام بالموقف المصري من الإخوان خارج مصر.
يحدث هذا فيما تتصاعد الانتقادات الدولية على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان والقمع الواسع الذي يمارسه النظام، في وقت تتضاءل فيه قيمة ادعاءاته بأنه قوة يعتمد عليها في التحالف الدولي للحرب على الإرهاب، في ظل الاخفاقات التي يواجهها في سيناء، جراء هجمات لتنظيم الدولة الإسلامية وجماعات إسلامية مسلحة على طرق ومقار أمنية ومعسكرات للجيش[4]. كما تشير الإخفاقات المتوالية في إدارة ملفات السياسة الخارجية الرئيسة، وأهمها ملف سد النهضة، إلى مدى الترهل الذي أصاب أداء النظام، وبما يقوّض مكانة مصر الإقليمية والدولية، ويحدّ من الدعم الدولي لها.

وضع المعارضة
نتيجة إخفاق سياسات النظام على مختلف الصعد، بدأت ترتفع أصوات تطالب بالتغيير، وفي هذا السياق برزت فرضيتان؛ تفيد الأولى أنّ النظام، بسبب تنامي الضغوط الداخلية والخارجية عليه، يحاول تقديم نفسه بصورة مختلفة، عبر الإيحاء بسماحه بظهور معارضة حقيقية. وهو ما يمثّل ارتدادًا لما يعرف في السياسة المصرية بـ "الهامش الديمقراطي"، ذلك النهج الذي طالما استخدمه نظام مبارك لتلطيف ممارسات الاستبداد عبر عقود حكمه الثلاثة؛ أمّا الفرضية الثانية، فتصرّ على وجود معارضة حقيقية تتنامى بالفعل على الساحة السياسية المصرية غير مقتصرة على التيار الإسلامي، وجزء من شباب ثورة يناير، وتنحو باطّراد إلى تحدى سياسات النظام وممارساته الأمنية، في مسعى لإخراج البلاد من المأزق الذي أوصلها إليه نظام الانقلاب العسكري. وقد جرى طرح الفرضيتين في محاولة لتفسير وصول النقد الموجه للسيسي والحكومة إلى مستوى غير مسبوق منذ الانقلاب. وكان لافتًا مستوى الاهتمام الذي حازته تصريحات الدكتور محمد البرادعي الأخيرة، وخطابه أمام البرلمان الأوروبي في وسائل الإعلام المصرية، بما فيها صحف وقنوات كانت تعدّ حتى وقت قريب الأكثر انحيازًا للتحالف الذي دعم الانقلاب، وبما يناقض دأبها على تعتيم ما يتعلق بالمعارضين وأخبارهم ونشاطاتهم.
بغض النظر، بدأ النظام يشعر بالضغوط الممارسة عليه داخليًا وخارجيًا، وأخذ على ما يبدو يحاول احتواءها عبر السعي إلى إعادة إنتاج مجال سياسي مضبوط، بطرح وعود جديدة أو إعطاء إشارات في اتجاه تبنّي مقاربات مختلفة على الصعيد السياسي تحديدًا[5]. أمّا اقتصاديًا، فسوف يسعى النظام إلى تأمين مزيد من الدعم العربي والدولي بما هو ركيزة للاستقرار، وعضو في نادي الحرب على الإرهاب". لكن عماد استمرار النظام سوف يبقى على الدوام مرتبطًا أولًا، بتوق الناس إلى الاستقرار بعد سنوات من الاضطراب؛ وثانيًا، بضعف قوى المعارضة التي لم تمثّل تحديًا سياسيًا حقيقيًا لتوجهات النظام، ومقارباته السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومن الواضح أنّ تأكيد دعم الشرعية لم يعد رسالة سياسية كافية، فالانقلاب أصبح نظام حكم قائم، ومعارضته تتطلب طرح بديل يراعي الظروف الجديدة. أمّا انعدام قدرة المعارضة على حشد الجماهير فنابع من السبب الأول المتعلق بتوق الناس إلى الاستقرار، والذي نراه مؤقتًا، فسياسة النظام نفسها تتحول بالتدريج إلى أهم عامل من عوامل عدم الاستقرار.



[1] David Hearst, “Does Sisi Retain the Support of his Top Generals?,” The Huffington Post, 12/05/2015, at: http://huff.to/1FEh5li
[2] على سبيل المثال فإنّ صحيفة البوابة، وثيقة الصلة بالأجهزة الأمنية، قد زعمت أنّ "تقارير سيادية، مقدمة من جهات مختصة بمتابعة الوضع الداخلي في البلاد، كشفت عن وجود ’مؤامرة على النظام‘ يقودها رجال أعمال وسياسيون، تستهدف بشكل أساسى ’تفكيك الدولة المصرية‘، وليس مجرد إزاحة رئيس الحكومة أو الرئيس نفسه". وتناولت الأمر بصيغة المؤامرة متهمة نجيب ساويرس والسيد البدوي وهما من رجال الأعمال الداعمين بقوة للسيسي، ولهما كذلك وجود حزبي بالتآمر مع قطاع من الأمنيين ضد السيسي، انظر: "أكبر مؤامرة على السيسُي بقيادة ساويرس والبدوي"، البوابة نيوز، 29/4/2015، على الرابط:
[3] قدر وزير الاستثمار المصري أشرف سالمان ما حصلت عليه مصر عبر ثمانية عشر شهرًا بنحو 23 مليار دولار من دول الخليج، في صورة منح ومساعدات بترولية وودائع بالبنك المركزي، انظر: "وزير: دول الخليج قدمت لمصر 23 مليار دولار على مدى 18 شهرًا"، Reuters عربي، 2/3/2015. على الرابط:
[4] ثارت التساؤلات عن الإستراتيجية التي يستخدمها الجيش في سيناء في مواجهة جماعات مثل التوحيد وأنصار بيت المقدس، خصوصًا فيما يتعلق بمستويات الجهوزية والتدريب لمواجهة مخاطر كهذه، وكذلك الالتزام بالقانون، فانفلات سلوك القوات هناك والممارسات الأمنية أنتجا انتهاكًا واسعًا لحقوق السكان، وحصار لمعاشهم، في وقت لا تنجح فيه القوات هناك بشكل واضح في منع الهجمات المسلحة، وإبعاد مخاطر هذه الجماعات المسلحة عن مدن شمال سيناء.
[5] نقل الكاتب معتز عبد الفتاح أحد المقربين من السيسي على لسان الأخير ما يفيد أنّ مشكلة النظام ليست مع الإخوان بصفتهم تنظيمًا بل في "رغبتهم في الاستحواذ على السلطة" وضرب مثلًا – للمفارقة – يمتدح فيه أداء إخوان تونس. وهو ما يغير تمامًا خطاب النظام الذي تعامل مع الإخوان بصيغة الجماعة الإرهابية، وربما يشي بأثر الضغوط السعودية، والأزمة السياسية داخل تحالف 30 يونيون انظر: معتز بالله عبد الفتاح، "الرئيس السيسي إصدار 2.0"، الوطن، 24/5/2015. على الرابط:

No comments: