مع بداية الأسبوع المنصرم، انشغل الرأي العام في المغرب بقضية متعلقة باعتقال المغني سعد المجرد في باريس، بتهمة محاولة الاغتصاب، كان انشغالًا يشوبه المرح، لكن سرعان ما انقلب المزاج العام رأسًا على عقب، بعد وفاة بائع سمك طحنًا بواسطة شاحنة أزبال ليلة جمعة الأسبوع المنصرم.
الحادثة أشعلت غضبًا شعبيًّا واسعًا، تحوَّل سريعًا إلى مسيرات حاشدة تجوب أكثر من 20 مدينة مغربية، تضامنًا مع «شهيد السمك»، وتنديدًا بالتهميش و«الحكرة».
1- ما الذي حدث؟
مساء الجمعة، 28 أكتوبر (تشرين الأول) 2016، استوقفت الشرطة في مدينة الحسيمة بائع سمك متجول، في الثلاثينات من عمره، يدعى محسن فكري، وحجزت سمكه، وألقته في شاحنة أزبال بغاية إتلاف كمية السمك المصادرة، فاندفع الشاب محسن غاضبًا، حسب شهود عيان، وقفز إلى داخل الشاحنة في محاولة منه لاسترجاع سمكه المصادَر، إلا أنه تم تشغيل محرك الشاحنة، من أجل شفط ما بداخلها، فابتعلت الآلة الشاب وطحنت عظامه، ليلقى حتفه فورًا.
يحكي بعض شهود العيان أن أحد العناصر الأمنية هو من أمر سائق الشاحنة بفرم (طحن مو) بائع السمك بعدما قفز إلى داخل الشاحنة لاسترداد سمكه، بينما الداخلية تنفي ذلك، في حين آخرون صرحوا بأنها عملية انتحار قام بها الشاب، بعدما أحسَّ بـ«الحكرة» (الظلم).
وبحسب وزارة الداخلية فإن الشاحنة التي ابتعلت الشاب، كانت تجوب شوارع الحسيمة من أجل مصادرة كميات الأسماك الممنوعة من الصيد، بأمر من النيابة العامة المختصة.
2- كيف توسعت الاحتجاجات الشعبية؟
مباشرة بعد الحادث، خرج عشرات المتظاهرين أمام مفوضية الأمن والمحكمة الابتدائية في مدينة الحسيمة، منددين لما يرونه جريمة «قتل متعمدة» من قبل السلطات الأمنية. كما رفعت صور وفيديوهات ترصد الطريقة المروعة التي مات بها محسن فكري على شبكات التواصل الاجتماعية.
في اليوم التالي، السبت، قدم مئات الأشخاص من المناطق المجاورة لمركز مدينة الحسيمة، من أجل المشاركة في احتجاجات التنديد بموت بائع السمك المطحون، مرددة شعارات من قبيل «قتلوهوم طحنوهوم.. أولاد الشعب يخلفوهوم»، كما شهد نفس اليوم جنازة مهيبة لتأبين روح محسن فكري، لتتحول الجنازة إلى مسيرة عفوية غاضبة.
بالتوازي مع ذلك، كانت حملات التضامن على مواقع التواصل الاجتماعي تتوسع سريعًا، وأطلق ناشطون دعوات للخروج في مظاهرات شعبية بمختلف مدن المغرب، تضامنًا مع «شهيد السمك»، لاقت كثيرًا من الترحيب.
ليخرج آلاف المغاربة في مسيرات شعبية حاشدة أمس الأحد، في أزيد من عشرين مدينة مغربية، منها الرباط والدار البيضاء ومراكش وطنجة ووجدة وأكادير ومكناس وتطوان والناظور والحسيمة، رافعين شعارات غاضبة، من مثل «الشعب يريد إسقاط المخزن»، و«الجماهير ثوري ثوري على النظام الدكتاتوري»، و«حرية كرامة عدالة اجتماعية»، و«الشعب يريد قتلة الشهيد»، و«الشهيد مات مقتول والمخزن هو المسؤول».
وتعتبر هذه الاحتجاجات هي الأقوى منذ اندلاع مظاهرات حركة 20 فباير (شباط) 2011.
3- كيف استجابت الدولة والأحزاب؟
انتبهت السلطات مبكرًا لخطورة الموقف، إذ منذ ليلة وفاة بائع السمك، أعلن وزير الداخلية محمد حصاد، فتح تحقيق لمعرفة الملابسات، وتحديد المسؤوليات بشأن موت محسن فكري، كما تدخل شخصيًّا كل من وكيل الملك وعامل الإقليم،ليلقيا كلمة أمام المحتجين واعدين بمتابعة الملف ومحاسبة المتورطين، وتمت إقالة مندوب وزارة الصيد فورًا، في محاولة لتهدئة الوضع.
وحل محمد حصاد إلى جانب الوزير المنتدب الشرقي الضريس بمنزل عائلة فكري بمدينة إمزورن، من أجل تعزية روح الفقيد، بأمر من الملك محمد السادس الذي تكفل بمصاريف العزاء.
ولوحظ حضور قليل لأفراد الأمن خلال مظاهرات الأحد الحاشدة بمختلف المدن، ما يفهم منه أن السلطات الأمنية تلقت أوامر بعدم التدخل نهائيًّا، وتقليل أعدادهم، تجنبًا لاستفزاز المتظاهرين والدخول معهم في مواجهات قد تشعل الوضع الحساس.
من جهة أخرى، التزمت جل الأحزاب السياسية الصمت أمام واقعة وفاة تاجر السمك، التي أطلقت غضبًا شعبيًّا، باستثناء فيدرالية اليسار الديمقراطي التي أعلنت مشاركتها في مختلف الأشكال الاحتجاجية ضد ما وصفته بـ«الحكرة والقمع المخزني وتجبر السلطات واستهتارها بحياة المواطن محسن فكري».
فيما دعا عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المغربية أتباعه في حزب العدالة والتنمية إلى عدم الخروج في المظاهرات الشعبية، محذرًا مما يسميه «مساعي لاستغلال الحادث المأساوي».
أما جماعة العدل والإحسان فقد حملت «المخزن» مسؤولية مقتل بائع السمك، وأعلنت دعمها واستعدادها للمشاركة في «كافة الاحتجاجات السلمية والجادة للمطالب بحق الشعب المغربي في العيش الكريم».
4- كيف تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع الواقعة؟
منذ اللحظات الأولى لمقتل محسن فكري، انتشرت الصور والفيديوهات، التي توثق وفاة بائع السمك المروعة وهو يطحن داخل شاحنة الأزبال، كالنار في الهشيم على الشبكات الاجتماعية، مما أجج غضبًا واسعًا لدى مواقع التواصل الاجتماعي، تُرجم إلى تعليقات منددة، ومنشورات متضامنة، ودعوات للتظاهر.
وقد حقق هاشتاغ «طحن_مو» انتشارًا واسعًا بين متصفحي الشبكات الاجتماعية، العبارة العامية التي تحيل إلى أمر أحد أفراد الأمن سائق الشاحنة بفرم بائع السمك كما هو متداول بين الرأي العام، بيد أن الداخلية تنفي أن يكون أحد أفرادها قام بذلك.
ويتناقل رواد «فيسبوك» عبارات التنديد بالطريقة البشعة التي مات بها تاجر السمك، مثل «كلنا محسن فكري»، و«الشعب المطحون»، مطالبين برد الاعتبار للضحية، والقضاء على «الحكرة» في البلاد.
وفي جانب آخر، تتوالى تعليقات بعض متصفحي الشبكات الاجتماعية التي تحذر من «الانزلاق في الفوضى وتحويل المغرب إلى ليبيا جديدة، بسبب بعض الجهات التي تسعى إلى الركوب على الحدث من أجل الوصول إلى مآربهم السياسية»، كما يقولون.
وفي جانب آخر، تتوالى تعليقات بعض متصفحي الشبكات الاجتماعية التي تحذر من «الانزلاق في الفوضى وتحويل المغرب إلى ليبيا جديدة، بسبب بعض الجهات التي تسعى إلى الركوب على الحدث من أجل الوصول إلى مآربهم السياسية»، كما يقولون.
بينما اعتبر بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي حادث مقتل بائع السمك «حلقة من حلقات القمع والتهميش الذي يعيشه الشعب المغربي»، مضيفين أن الحادثة تجسد صورة قيمة المواطنين لدى السلطة.
ما الذي تخبرنا به هذه الحادثة؟
تحمل واقعة المغرب الجارية، ملامح «بوعزيزي» تونس، البائع المتجول الذي أضرم النار في جسده بعد أن أهانته الشرطة وصادرت عربته، ليشعل بذلك «ربيعًا عربيًّا» ما تزال رياحه الهوجاء تعصف ببعض البلدان لحد اليوم.
عرف المغرب العديد من الحوادث المشابهة لما وقع لتاجر السمك، كان أكثرها جدلًا قصة بائعة الحلوى «مي فتيحة»، المرأة الخمسينية التي أقدمت على إحراق نفسها بعد أن أهينت من قبل السلطات الأمنية بحجز بضاعتها، لتترك أسرتها بدون معيل. الحادثة التي أثارت الكثير من الاستياء الشعبي قبل ستة أشهر، إلا أنها لم تتطور إلى مظاهرات احتجاجية.
بخلاف واقعة «طحن بائع السمك» التي أشعلت احتجاجات متزايدة ككرة ثلج متدحرجة، حتى شهدت البلاد أمس الأحد عشرات المسيرات الحاشدة في مختلف المدن المغربية، تعبيرًا عن السخط الشعبي لمقتل محسن فكري.
الأمر الذي يشير إلى حالة من الاحتقان يعيشها الشعب المغربي بلغت ذروتها، فحوَّلت العديد من المسيرات المتضامنة مع وفاة تاجر السمك إلى مظاهرات سياسية اجتماعية، مُسْتلهمة شعارات «حركة 20 فبراير»، المطالبة بالكرامة والحرية والعدالة والرافضة للمخزن.
كل ذلك يظهر حساسية الوضع الذي يمر به المغرب حاليًا، مما يتطلب في نظر البعض استجابة سريعة من قبل الدولة، بمعالجة المشاكل المعيشية للفئات الشعبية الهشة، وتخفيف القبضة الأمنية، قبل تفاقم الوضع.
No comments:
Post a Comment