عبد الحليم قنديل
Link
القاعدة العامة ـ في المنطقة العربية على الأقل ـ أنه إذا تحطم الجيش تحطمت الدولة، وربما يكون السبب في غياب وتخلف الشروط الأخرى للمواطنة المستقرة ووحدة الدولة، ومن نوع الافتقار إلى تقدم اقتصادي انتاجي صناعي بالذات، أو غياب المزايا الديمقراطية ومعاني المساواة وتكافؤ الفرص، أو قوة الكيانات الاجتماعية التقليدية الموروثة كالقبائل والطوائف الدينية، أو عشوائية الحدود المرسومة اعتباطيا من قبل الاستعمار كما في الخليج والمشرق العربي بالذات.
والعراق هو المثال الأشهر على ضمان الجيش لوحدة الدولة، فقد كان الجيش زمن صدام حسين هو الممثل الأوفى للوطنية العراقية الجامعة، كان مؤسسة التجنيد العام العابر للطوائف والعرقيات، وثبتت صلابته في الحرب العراقية ـ الإيرانية، التي استمرت لقرابة عقد من الزمان، وكان غالبية جنود الجيش العراقي بطبائع الأوزان السكانية من الشيعة، لكن الجيش لم يشهد انشقاقا واحدا طوال الحرب مع نظام الخميني، فقد حارب شيعة العراق في جيش صدام ضد قوات الإمام الشيعي، وأجبروه في النهاية على «تجرع السم» والوقف المهزوم لإطلاق النار، وبدا الجيش العراقي في صورة المنتصر، رغم أن الحرب لم تكن عادلة في رأيي، ورغم ديكتاتورية صدام، لكن المثال غاية في البلاغة عن ضمانة الجيش لوحدة الوطن، فغالبية العراقيين العرب من الشيعة، لكنهم في الحرب مع شيعة إيران كشفوا عن قوة الوطنية العراقية، وبدا وعاء الجيش وحده أكثر كفاءة، وهو ما انتبه إليه المخططون لغزو أمريكا للعراق فيما بعد، فقد كان أول قرار اتخذه الاحتلال الأمريكي هو حل الجيش العراقي، وكان حل الجيش يعني حلا وتفكيكا لدولة العراق، بل تحطيما لوحدة الشعب العراقي نفسه، فقد زالت المناعة الوطنية، وبدأت حروب الطوائف، وتحول شيعة العراق إلى مجرد ملحق ذيلي لدولة الشيعة الإيرانية، وحولوا الجيش العراقي البديل الذي بناه الأمريكيون، إلى مزرعة طائفية نتنة، وجرى إلغاء مبدأ التجنيد الوطني العام، وألبسوا الميليشيات والعصابات الطائفية زي الجيش، وصرفوا عليه ما يزيد على مئتي مليار دولار، وفي لحظة الجد، انهار الجيش المفتعل ككومة من تراب، وهرب ثلاثة وخمسون ألفا من جنوده وضباطه أمام قوة «داعشية» تزيد عن الألف بقليل، وتكررت الحالة ذاتها من سقوط «الموصل» إلى سقوط «الرمادي» بعدها بعام، وبدا الجيش العبثي كأفضل مورد للسلاح الأمريكي بالمجان إلى تنظيم «داعش»، وما من حاجة إلى استظهار التفسير البديهي، فقد انتفت فكرة الوطنية الجامعة عن تكوين الجيش، وحلت الفكرة الطائفية المخاصمة والمدمرة لفكرة الوطن، وبدت العصابات الشيعية وجيشها كامتداد للأراضي الإيرانية، فيما جرى إلحاق ثلث العراق بأراضي «داعش» الممتدة على نصف مساحة سوريا المجاورة، ورغم تغيرات جرت فيما بعد، وفي صيغة ما سمي بالتحالف الدولي تحت قيادة واشنطن، التي نجحت في دفع دولة داعش إلى التراجع جغرافيا في سوريا والعراق، وهو ما ظل متصلا إلى الآن في معركة «الموصل» الجارية، إلا أن الدودة الطائفية تظل تنخر في شجرة الجيش العراقي، الذي أضيفت له جيوش طائفية خالصة تحت عنوان «الحشد الشعبي»، إضافة لجماعات الأكراد والتركمان وكل من هب ودب، بما يجعل متوالية تفتيت وتقسيم العراق سارية بآثارها المرعبة في غياب جيش وطني يضمن وحدة التكوين العراقي.
ومن العراق إلى سوريا، يبدو الخطر نفسه قابلا للتكرار الآلي، فالجيش السوري قائم هو الآخر على مبدأ التجنيد الوطني العام، وإذا تفكك الجيش السوري نهائيا، لا قدر الله، وقد صار ذلك واردا جدا، فسوف تختفي سوريا إلى الأبد، صحيح أن الجيش السوري به أمراض طائفية، وسيطرة للعلويين على دوائر التحكم في حركته، وهو العيب القاتل المهدد لاحترافية الجيش، ولكفاءته واقناعيته في خوض الحرب ضد الجماعات المسلحة، التي تنمو وتتوغل في الحاضنة الاجتماعية السنية المقهورة، وكل ذلك مفهوم بحكم الطابع الطائفي للنظام الحاكم، وقد كان ذلك كله قابلا للإصلاح مع تغيير النظام، ومع بناء تقاليد مواطنة متساوية ذات طابع ديمقراطي، تقبل الامتداد لإصلاح عيوب التكوين القيادي الطائفي للجيش والأجهزة الأمنية، لكن وقت الإصلاح فات على ما يبدو في المأساة السورية، وجرى دهس أحلام الثورة السلمية، وإحلال حرب طائفية كافرة لا تبقي ولا تذر، مع التقسيم العسكري الميداني لسوريا فعليا بين قوى دولية وتوابع إقليمية، ولم يعد من ضمان إلا إذا حدثت معجزة، وجرى إقرار تسوية سياسية تستبعد جماعات التحطيم الإرهابي، وربما تستبعد عائلة الأسد بالمقابل، ولكن بشرط أن تبقي على وحدة الجيش، فما من ضمانة لبقاء سوريا بدون وحدة الجيش، والبديل هو حرب إبادة طائفية جماعية قد تستمر لعشرات السنوات، ومع تفكيك سوريا إلى دويلات وإمارات طائفية وعرقية متحاربة إلى آخر الزمان.
وبين حالتى سوريا والعراق، يتكرر التلازم بين قوة الجيش ووجود الدولة في حالات تفكيك عربية أخرى، بينها السودان واليمن وليبيا وقبلها الصومال، فلم يعد من وجود لدولة صومالية منذ تفكيك جيش الجنرال سياد بري، والسودان يتفكك إربا مع ضعف جيش البشير الحزبي المترهل، والمطامع القبلية مزقت وحدة الجيش اليمني، ثم غزت «الطائفية الحوثية» صفوفه، ولم يعد لليمن جيش واحد متماسك، بل عدة جيوش تتحالف أو تتصارع، وفي بيئة قبلية محاربة ومقفرة اقتصاديا، وبما حول اليمن من زمن إلى دولة فاشلة بامتياز، توزعت جيوشها على جبهات الحوثيين والإخوان والحراك الجنوبي و»القاعدة» و»داعش» وأخواتهما، وبدون أمل في غير تسويات ركيكة، لا تلبث أن تقوم حتى تتفكك، وتفكك معها اليمن إلى دويلات وجيوب، وعلى النحو الذي انتقل بخطره إلى ليبيا منذ سنوات، فلم يكن لليبيا جيش موحد زمن القذافي، كان العقيد القذافي يكره قيام جيش قد ينقلب عليه، وتكشف الخلل ظاهرا بعد نهاية العقيد، فقد ذهب نظام القذافي، لكن ليبيا مهددة الآن بالذهاب هي الأخرى، وبسبب عدم وجود جيش قوي يسيطر على أراضي ليبيا الواسعة، ويحفظ ثرواتها الهائلة من الضياع، ويجعلها موطنا مستقرا لأهلها الهائمين على وجوههم في خوف وفزع، وقد تتشكل حكومة وحدة وطنية في ليبيا، وتجري جولات الانتخابات، لكن ذلك قد لا يعني شيئا في استعادة وحدة ليبيا، ما لم يقم جيش ليبي موحد يحفظ السلاح في يده حصريا، وعلى نحو ما حدث في الشرق الليبي، وتكوين ما يعرف بجيش «حفتر»، الذي يبسط سيطرته كاملة من الحدود المصرية الليبية إلى ما بعد منطقة «الهلال النفطي» التي سيطر عليها مؤخرا، وبما يدفع الأطراف كلها إلى اعتباره الرقم الأصعب في المعادلة الليبية. وقد تكون من أسباب كثيرة لقوة الدولة في مصر، ولوحدة مصر العصية على التفكيك، لكن قوة الجيش ووطنيته الجامعة ضمان لا يمكن إنكاره، ففي مصر أقوى دولة عربية بأقوى جيش.
والعراق هو المثال الأشهر على ضمان الجيش لوحدة الدولة، فقد كان الجيش زمن صدام حسين هو الممثل الأوفى للوطنية العراقية الجامعة، كان مؤسسة التجنيد العام العابر للطوائف والعرقيات، وثبتت صلابته في الحرب العراقية ـ الإيرانية، التي استمرت لقرابة عقد من الزمان، وكان غالبية جنود الجيش العراقي بطبائع الأوزان السكانية من الشيعة، لكن الجيش لم يشهد انشقاقا واحدا طوال الحرب مع نظام الخميني، فقد حارب شيعة العراق في جيش صدام ضد قوات الإمام الشيعي، وأجبروه في النهاية على «تجرع السم» والوقف المهزوم لإطلاق النار، وبدا الجيش العراقي في صورة المنتصر، رغم أن الحرب لم تكن عادلة في رأيي، ورغم ديكتاتورية صدام، لكن المثال غاية في البلاغة عن ضمانة الجيش لوحدة الوطن، فغالبية العراقيين العرب من الشيعة، لكنهم في الحرب مع شيعة إيران كشفوا عن قوة الوطنية العراقية، وبدا وعاء الجيش وحده أكثر كفاءة، وهو ما انتبه إليه المخططون لغزو أمريكا للعراق فيما بعد، فقد كان أول قرار اتخذه الاحتلال الأمريكي هو حل الجيش العراقي، وكان حل الجيش يعني حلا وتفكيكا لدولة العراق، بل تحطيما لوحدة الشعب العراقي نفسه، فقد زالت المناعة الوطنية، وبدأت حروب الطوائف، وتحول شيعة العراق إلى مجرد ملحق ذيلي لدولة الشيعة الإيرانية، وحولوا الجيش العراقي البديل الذي بناه الأمريكيون، إلى مزرعة طائفية نتنة، وجرى إلغاء مبدأ التجنيد الوطني العام، وألبسوا الميليشيات والعصابات الطائفية زي الجيش، وصرفوا عليه ما يزيد على مئتي مليار دولار، وفي لحظة الجد، انهار الجيش المفتعل ككومة من تراب، وهرب ثلاثة وخمسون ألفا من جنوده وضباطه أمام قوة «داعشية» تزيد عن الألف بقليل، وتكررت الحالة ذاتها من سقوط «الموصل» إلى سقوط «الرمادي» بعدها بعام، وبدا الجيش العبثي كأفضل مورد للسلاح الأمريكي بالمجان إلى تنظيم «داعش»، وما من حاجة إلى استظهار التفسير البديهي، فقد انتفت فكرة الوطنية الجامعة عن تكوين الجيش، وحلت الفكرة الطائفية المخاصمة والمدمرة لفكرة الوطن، وبدت العصابات الشيعية وجيشها كامتداد للأراضي الإيرانية، فيما جرى إلحاق ثلث العراق بأراضي «داعش» الممتدة على نصف مساحة سوريا المجاورة، ورغم تغيرات جرت فيما بعد، وفي صيغة ما سمي بالتحالف الدولي تحت قيادة واشنطن، التي نجحت في دفع دولة داعش إلى التراجع جغرافيا في سوريا والعراق، وهو ما ظل متصلا إلى الآن في معركة «الموصل» الجارية، إلا أن الدودة الطائفية تظل تنخر في شجرة الجيش العراقي، الذي أضيفت له جيوش طائفية خالصة تحت عنوان «الحشد الشعبي»، إضافة لجماعات الأكراد والتركمان وكل من هب ودب، بما يجعل متوالية تفتيت وتقسيم العراق سارية بآثارها المرعبة في غياب جيش وطني يضمن وحدة التكوين العراقي.
ومن العراق إلى سوريا، يبدو الخطر نفسه قابلا للتكرار الآلي، فالجيش السوري قائم هو الآخر على مبدأ التجنيد الوطني العام، وإذا تفكك الجيش السوري نهائيا، لا قدر الله، وقد صار ذلك واردا جدا، فسوف تختفي سوريا إلى الأبد، صحيح أن الجيش السوري به أمراض طائفية، وسيطرة للعلويين على دوائر التحكم في حركته، وهو العيب القاتل المهدد لاحترافية الجيش، ولكفاءته واقناعيته في خوض الحرب ضد الجماعات المسلحة، التي تنمو وتتوغل في الحاضنة الاجتماعية السنية المقهورة، وكل ذلك مفهوم بحكم الطابع الطائفي للنظام الحاكم، وقد كان ذلك كله قابلا للإصلاح مع تغيير النظام، ومع بناء تقاليد مواطنة متساوية ذات طابع ديمقراطي، تقبل الامتداد لإصلاح عيوب التكوين القيادي الطائفي للجيش والأجهزة الأمنية، لكن وقت الإصلاح فات على ما يبدو في المأساة السورية، وجرى دهس أحلام الثورة السلمية، وإحلال حرب طائفية كافرة لا تبقي ولا تذر، مع التقسيم العسكري الميداني لسوريا فعليا بين قوى دولية وتوابع إقليمية، ولم يعد من ضمان إلا إذا حدثت معجزة، وجرى إقرار تسوية سياسية تستبعد جماعات التحطيم الإرهابي، وربما تستبعد عائلة الأسد بالمقابل، ولكن بشرط أن تبقي على وحدة الجيش، فما من ضمانة لبقاء سوريا بدون وحدة الجيش، والبديل هو حرب إبادة طائفية جماعية قد تستمر لعشرات السنوات، ومع تفكيك سوريا إلى دويلات وإمارات طائفية وعرقية متحاربة إلى آخر الزمان.
وبين حالتى سوريا والعراق، يتكرر التلازم بين قوة الجيش ووجود الدولة في حالات تفكيك عربية أخرى، بينها السودان واليمن وليبيا وقبلها الصومال، فلم يعد من وجود لدولة صومالية منذ تفكيك جيش الجنرال سياد بري، والسودان يتفكك إربا مع ضعف جيش البشير الحزبي المترهل، والمطامع القبلية مزقت وحدة الجيش اليمني، ثم غزت «الطائفية الحوثية» صفوفه، ولم يعد لليمن جيش واحد متماسك، بل عدة جيوش تتحالف أو تتصارع، وفي بيئة قبلية محاربة ومقفرة اقتصاديا، وبما حول اليمن من زمن إلى دولة فاشلة بامتياز، توزعت جيوشها على جبهات الحوثيين والإخوان والحراك الجنوبي و»القاعدة» و»داعش» وأخواتهما، وبدون أمل في غير تسويات ركيكة، لا تلبث أن تقوم حتى تتفكك، وتفكك معها اليمن إلى دويلات وجيوب، وعلى النحو الذي انتقل بخطره إلى ليبيا منذ سنوات، فلم يكن لليبيا جيش موحد زمن القذافي، كان العقيد القذافي يكره قيام جيش قد ينقلب عليه، وتكشف الخلل ظاهرا بعد نهاية العقيد، فقد ذهب نظام القذافي، لكن ليبيا مهددة الآن بالذهاب هي الأخرى، وبسبب عدم وجود جيش قوي يسيطر على أراضي ليبيا الواسعة، ويحفظ ثرواتها الهائلة من الضياع، ويجعلها موطنا مستقرا لأهلها الهائمين على وجوههم في خوف وفزع، وقد تتشكل حكومة وحدة وطنية في ليبيا، وتجري جولات الانتخابات، لكن ذلك قد لا يعني شيئا في استعادة وحدة ليبيا، ما لم يقم جيش ليبي موحد يحفظ السلاح في يده حصريا، وعلى نحو ما حدث في الشرق الليبي، وتكوين ما يعرف بجيش «حفتر»، الذي يبسط سيطرته كاملة من الحدود المصرية الليبية إلى ما بعد منطقة «الهلال النفطي» التي سيطر عليها مؤخرا، وبما يدفع الأطراف كلها إلى اعتباره الرقم الأصعب في المعادلة الليبية. وقد تكون من أسباب كثيرة لقوة الدولة في مصر، ولوحدة مصر العصية على التفكيك، لكن قوة الجيش ووطنيته الجامعة ضمان لا يمكن إنكاره، ففي مصر أقوى دولة عربية بأقوى جيش.
صحوة مراوغة
قد يكون شيئا طيبا أن تسمع خبرا عن الشيء المسمى بالجامعة العربية، فقد بادرت الجامعة أخيرا إلى عقد لقاء ثلاثي جمعها مع الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وكان العنوان عن ليبيا ومحنتها وأزمتها الممتدة من سنوات، التي كانت الجامعة نفسها واحدة من أهم أسبابها، فقد لعبت الجامعة دور «المحلل الشرعي» في زواج باطل، وأفتت بطلب التدخل الحربي من مجلس الأمن، بما أدى إلى تحطيم ليبيا، ناهيك عن ضياع ثورتها المدهوسة تحت أقدام جماعات الارتزاق والإرهاب .
ما علينا، المهم أن أحدا سمع صوتا للجامعة العربية في شأن عربي، فقد صارت كل قضايانا وأزماتنا «دولية» بامتياز العالم كله يلعب في العراق، وجيوش الغرباء تعيد تشكيل خرائط سوريا، ومأساة اليمن أفلتت من كل تحكم عربي، وليبيا صارت مهمة المبعوثين الدوليين من طارق متري إلى برناردينو ليون إلى الألماني مارتن كوبلر، ناهيك عن قضايا أقدم صارت في غياهب النسيان من زمن طويل، كقضايا الصومال وجزر الإمارات وحتى قضية فلسطين، وإلى حد أن أحدا لم يعد يلتفت إلى عروبة هذه الأزمات المزمنة، وصار تدويلها هو الحل الذي يفاقم المآسي دائما، مع غياب أي دور مستقل للأطراف المحلية في أقطار الأزمات، ومع غيبة أي مبادرات عربية ترد الاعتبار لأمة تتمزق أطرافها ويسيل دمها وينفطر قلبها.
ولا تكفي النوايا وحدها لاستعادة الدور العربي الغائب في قضايا العرب، ولا رغبة الأمين العام للجامعة في صحوة تبدو مراوغة، فالجامعة ـ كأي نظام إقليمي ـ محكومة بإرادة أطرافها، وأطراف الجامعة في غالبها لا تملك إرادة تخصها وتستعير أصواتها من حناجر ومصالح قوى دولية، أو من دول جوار تستقوي بالغياب العربي، وهو ما يفسر ضعف الإرادة الذاتية للدول العربية إلى حد التلاشي، فمن لا يملك إرادته لا يملك قرارا ولا مبادرة تخصه، وهكذا تجتمع دول الجامعة كأنها لم تجتمع، فلا يتردد في قاعات اجتماعاتها سوى صدى أصوات الآخرين، فنحن بصدد جامعة ترفع شعار العروبة والعرب، فيما يبدو العربي الطارق على أبوابها مطاردا يتيما، غريب الوجه واليد واللسان .
كاتب مصري
ما علينا، المهم أن أحدا سمع صوتا للجامعة العربية في شأن عربي، فقد صارت كل قضايانا وأزماتنا «دولية» بامتياز العالم كله يلعب في العراق، وجيوش الغرباء تعيد تشكيل خرائط سوريا، ومأساة اليمن أفلتت من كل تحكم عربي، وليبيا صارت مهمة المبعوثين الدوليين من طارق متري إلى برناردينو ليون إلى الألماني مارتن كوبلر، ناهيك عن قضايا أقدم صارت في غياهب النسيان من زمن طويل، كقضايا الصومال وجزر الإمارات وحتى قضية فلسطين، وإلى حد أن أحدا لم يعد يلتفت إلى عروبة هذه الأزمات المزمنة، وصار تدويلها هو الحل الذي يفاقم المآسي دائما، مع غياب أي دور مستقل للأطراف المحلية في أقطار الأزمات، ومع غيبة أي مبادرات عربية ترد الاعتبار لأمة تتمزق أطرافها ويسيل دمها وينفطر قلبها.
ولا تكفي النوايا وحدها لاستعادة الدور العربي الغائب في قضايا العرب، ولا رغبة الأمين العام للجامعة في صحوة تبدو مراوغة، فالجامعة ـ كأي نظام إقليمي ـ محكومة بإرادة أطرافها، وأطراف الجامعة في غالبها لا تملك إرادة تخصها وتستعير أصواتها من حناجر ومصالح قوى دولية، أو من دول جوار تستقوي بالغياب العربي، وهو ما يفسر ضعف الإرادة الذاتية للدول العربية إلى حد التلاشي، فمن لا يملك إرادته لا يملك قرارا ولا مبادرة تخصه، وهكذا تجتمع دول الجامعة كأنها لم تجتمع، فلا يتردد في قاعات اجتماعاتها سوى صدى أصوات الآخرين، فنحن بصدد جامعة ترفع شعار العروبة والعرب، فيما يبدو العربي الطارق على أبوابها مطاردا يتيما، غريب الوجه واليد واللسان .
كاتب مصري
No comments:
Post a Comment