Wednesday, December 27, 2006

ليس عيباً بل جريمة!


ليس عيباً بل جريمة!

بقلم :سوسن البرغوثي

بعد اقتراب عام كامل تذّوق فيه الشعب الفلسطيني وحكومته شتى أنواع القسوة والعنف الممنهج من السلطة والاحتلال، والإنكار العالمي لخيار الشعب، وحصار خانق على مدى شهور للإطباق والإجهاز على ما تبقى للشعب الفلسطيني من مطالبة بحقه العام والخاص.

سنة ونحن نشهد تجنيداً منقطع النظير لقوى أسست لتيارٍ منشقٍ عن ثوابت النضال الفلسطيني، ومن العمل الدؤوب للاستئثار بالسلطة دون تقديم أي منجز على أرض الواقع.

سنوات مضت والفلسطينيون ينتظرون بوادر نتائج الاتفاقيات الكثيرة التي أبرمت على أنها في صالح الفلسطينيين، ولا شيء من ذلك غير مزيد من البؤر الاستيطانية ومواصلة بناء جدار يعزل الفلسطينيين عن أبسط متطلبات حياتهم الطبيعية، وانتهاكات مستمرة للمقدسات، وما زلنا نسمع وجوب العودة إلى طاولة المفاوضات، كتخدير موضعي والشعب بين فكي كماشة يعاني من الضغط المستمر.

في محاولة عملية رصد شامل لما وصل إليه الشعب الفلسطيني وقضيته، يقود إلى ضرورة التحرك كي لا ينحدر الوضع من سيء إلى أسوأ، وكي لا يبقى رهن فئة عبثية لا تملك المصداقية ولا الجدية في البحث عن حل مشرّف وعادل لنكبة حلت بتشريد شعب وتدمير الشجر والحجر والبشر.

فالأرض محتلة والشعب منقسم على نفسه بين حاشية تُرضي أسياداً فُرضوا عليه، ليقبل بأي حل ومهما كان أو يكون، وبين محتل لا يرحم صغيرهم ولا كبيرهم، فإلى متى، وماذا تعني الثورة إذن؟..

عندما يتعرض الشعب لضغط لا يُحتمل، لا بد من البدء بتوجيه رسائل الرفض بأي شكل وأي وسيلة تعبر عن خيار الشعب، فالتحايل الفلسطيني الرسمي على الشعب والقبول بـ "إسرائيل" كدولة تحل مكان فلسطين، والمناورة على تأسيس لبنة دويلة مهمشة ومهشمة فلسطينية في إطار الكيان الاستعماري، حاملين شعارات متناقضة تماماً كالممارسات والتصريحات، إضافة إلى استمرار السلطة بالمبايعة العلنية وهدر المال الفلسطيني، دون الالتفات لبناء بنية تحتية للمجتمع من مؤسسات ومصانع ومعاهد تقنية، مما جعل حماس كحركة مقاومة تصر على ضرورة إيقاف هذا التيار الضارب بعرض الحائط المصلحة العليا للشعب، والقبول بالدخول بالسلطة من منطلق المشاركة بالقرار السياسي وليس الشراكة لسلطة مترهلة مترنحة، المنزلقة بانحطاط نحو الهاوية مورطة الشعب الفلسطيني بالداخل والخارج من تداعيات سابقة وحالية، لتعرية النضال من ماهيته وابتداع شكل هلامي لسلطة منقسمة داخل أروقتها الحزبية.

يدرك الجميع أن الانتخابات والسلطة قائمتان تحت احتلال وهو شأن تنقصه السيادة، ولكن كيف يمكن أن تستمر المقاومة في ظل من يحتضن القضاء عليها، ليصبح العدو أمامها والعابثون بمصيرها بالخلف يكيلون كيداً ويحيكون مؤمرات لتصفيتها وإنهائها باسم التأكيد على المشروعية الدولية؟.

إن من يدقق بتصريحات بطانة الرئاسة، يدرك أن قياداتها أصيبت بخلل نفسي بعد خسارتهم بالانتخابات، فلم يحتملوا فكرة التغيير للمصلحة الوطنية، بوجود تيار يقف حجر عثرة أمام مشروع مقدم لهم لتنفيذه، وبعد ذلك العوض بسلامة الشعب، هذا إن بقي هناك بشر في فلسطين بعد التناوب على تصفيته.

فهذا الخلل يتضح ليس بإطلاق كلمات العيب على تيار وطني آخر، إنما موظفاً لتأكيد الحصار وليس لفكه، بتصعيد مشروع الانفصال عن خيار الشعب، ومحاولات مستمرة لإفشال المشاركة والتوافق الوطني، وكل ما تقدم يدحض زعمهم بأنهم قبلوا بنتائج الانتخابات.

منذ لحظة الإعلان عن تشكيل الحكومة بدأت العصي تعرقل المسيرة من أجل التغيير والإصلاح، ولهذا لنا أن نتساءل لماذا؟.

الحقيقة المجردة أن الحكومة المنتخبة ستفتح أبواب الفساد على مصاريعها، وسيُعرف وينفضح كل من قدمت يداه السوداء من جرائم بحق الشعب الفلسطيني بأكمله، لكن الحكاية لم تنتهِ عند هذا الحد من التهاون، إنما منح كيان الاحتلال شرعية وموافقة علنية لبيع فلسطين، مقابل السلطة والنفوذ على الشعب وليس الأرض، وابتزازه بالتجويع لتجيشه لحساب السلطة الرئاسية وملحقاتها، والمفسدة لشعب لم يطأطئ رأسه للاحتلال، ولم تهن كرامته وكبرياؤه أمام فتات موائدهم، ليصبح مطية تُنفذ باسمه أحكام إعدام محتم لفلسطين.

هذا الابتزاز لم يتوقف عند حد العراقيل والتجويع، بل تطاول لاستغباء متعمد للشعب على أنه مصدر السلطات!، فهل استفتي الشعب بقبول المفاوضات، وهل أقر الشعب بالحرامي "الإسرائيلي" حامي الأراضي الفلسطينية من شعبها، أم أن القبول بحكومة الوحدة الوطنية على مقاس العالم العربي المعتدل والغربي المنحاز، هو إثبات بأن الشعب هو آخر من يفكر به عباس ومن حوله؟. وماذا لو أجريت انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، ولم ترضِ المحتل وأصحاب النخوة العربية المعتدلة، والنشامى الفلسطينيون المتصهينون بتجديد الرفض الشعبي للخنوع لسلطة وإملاءات القرارات الدولية، فهل سنشهد فصلاً جديداً من وقوف الجوقة ذاتها ضد مصدر السلطات، ونعود إلى الموقف نفسه من الانقسام وشراء الذمم من أجل تعبيد الطريق العربية أمام آل صهيون؟.

ليس عيباً يا سيادة الرئيس، بل جريمة يقترفها رأس السلطة بالاجتماع مع من تلطخت يداه بدماء من هو مسؤول عن حماية حياتهم وأمنهم، والتوسل للرجوع إلى طاولة خارطة الطريق، وتبادل القبلات مع مجرم حرب بجدارة، وهو من قتل أبرياء في القطاع والضفة الغربية، وهو من يحاصر ويحتجز الأموال وبدعم السلطة، فالعيب كلمة تافهة أمام ما حدث، ولا ينطبق على ما اقترفته أياديكم سوى الجرم والقفز على المحرمات الوطنية، وهذا ما لا يقره منطق ولا دين.

كفاكم ضحكاً وتسخيفاً للشعب، وعباس وتوابعه يراهن على أولمرت ووعوده الكاذبة، والشعب يفتقر للأمن الداخلي والقوت اليومي، وكفاكم متاجرة بدمائه وصوته، والشروط معدة مسبقاً لإنجاح والقبول بأي حكومة تُبقي تلك الفئة في مكان صدارة اقتسام الكعكة النتنة، والتي لا تصلح لموافقة أي عاقل يعي ما حدث ابتداءً من أوسلو حتى يومنا هذا.

هذا التيار الحاكم بأمر "إسرائيل" هو مستنسخ استنساخاً رديئاً من حركة فتح، وبت على قناعة أنه لم يكن منتمياً لحركته الأم في يوم من الأيام، ولا داعياً للوحدة الوطنية، بقدر ما هو فاقد لتوازن واتزان وطني وأخلاقي، بعد إسقاطه رسمياً من الشعب، وإلا ما هي تلك فرق الموت والأجهزة الأمنية وقوات بدر المستوردة من الخارج، وإلى من موجهة، هل إلى مصدر السلطات؟، أم لصالح بائع متجول يجوب الجنوب والشمال المحتل، دون أن يتعرض لأي مضايقة من الاحتلال، يشحن ويوظف أنصاف العقول والأنذال لفتنة وطنية. فبالأمس كانت دعوة للحوار المبطن بالفشل مقدماً وانسداد أفقه في المستقبل العاجل، واليوم أمر آخر وقناع آخر يلتمس ويتوسل رأس حكومة العدو بالإفراج عن المال الفلسطيني، والهدف بالمماطلة وتضييع الوقت هو كسر إرادة الشعب في مواصلة مسيرة التحرر، واستغلاله في أبشع جريمة بحق نضاله، ليصبح قرباناً من أجل كرسي ومنصب تتهافت عليه قوى مختلة في قراراتها، ومنفلتة من أي احتكام للعقل وشرعية السلطة وأركانها.

No comments: