سلامة كيلة
Link
صوت اليونانيون على رفض الشروط التي وضعها الدائنون لاستمرار تقديم القروض، ولا شك أن هذه الخطوة تفتح على وضع جديد قد يؤدي إلى "أزمة عالمية".
فقد راكمت اليونان ديونا وصلت سنة 2010 إلى 177% قياسا على الناتج القومي، مما يعني أنها باتت على حافة الإفلاس، حيث لم تعد الدولة قادرة على سداد فوائد الديون المتراكمة، وبالتالي باتت بحاجة إلى مساعدة من أجل تجاوز أزمتها.
أدى هذا الأمر إلى قبول صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والبنوك الدائنة سنة 2012 بتقديم قروض جديدة لتجاوز الأزمة، لكنها فرضت على اليونان (كما فرضت على إسبانيا) سياسة تقشف شديدة لكي تضمن قدرة الدولة على السداد.
فقد راكمت اليونان ديونا وصلت سنة 2010 إلى 177% قياسا على الناتج القومي، مما يعني أنها باتت على حافة الإفلاس، حيث لم تعد الدولة قادرة على سداد فوائد الديون المتراكمة، وبالتالي باتت بحاجة إلى مساعدة من أجل تجاوز أزمتها.
أدى هذا الأمر إلى قبول صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والبنوك الدائنة سنة 2012 بتقديم قروض جديدة لتجاوز الأزمة، لكنها فرضت على اليونان (كما فرضت على إسبانيا) سياسة تقشف شديدة لكي تضمن قدرة الدولة على السداد.
"سياسة التقشف التي فرضها الدائنون أفضت إلى تصاعد الاحتجاجات، وإلى نشوء "ميل يساري" جارف تبلور في توحيد نقابات ومجموعات يسارية مختلفة المشارب، وشباب يساري في حزب سيريزا، الذي خاض الصراع ضد سياسة التقشف"
هذه السياسة التي مورست منذ تلك السنة فرضت انخفاضا شديدا في الوضع المعيشي لطبقات متعددة من العمال والفلاحين والفئات الوسطى وغيرها، ربما وحدها البرجوازية اليونانية لم تتأثر بالأمر.
ولا شك في أن انفجار الأزمة المالية العالمية (والأميركية خصوصا) في سبتمبر/أيلول سنة 2008 قد انعكس على اليونان، فزادت الأزمة في صعوبات الاقتصاد. ولهذا شهدنا تحرّكا عماليا ومن طبقات شعبية قد بدأ سنة 2010 قبيل الثورات العربية، لكنه لم يتطور إلى ثورة.
لكن سياسة التقشف التي فرضها الدائنون أفضت إلى تصاعد الاحتجاجات، وإلى نشوء "ميل يساري" جارف تبلور في توحيد نقابات ومجموعات يسارية مختلفة المشارب، وشباب يساري في حزب سيريزا، الذي خاض الصراع ضد سياسة التقشف. ومن ثم وصل إلى السلطة، وطرح على الاستفتاء شروط الدائنين، لتكون النتيجة هي لا.
التوظيف في المديونية
لم يكن تراكم المديونية على اليونان صدفة، حيث أصبحت المديونية توظيفا رأسماليا، رغم أنه يُطرح حلا لأزمة تعيشها الدول تتعلق بالعجز في الموازنة.
ولا شك أن اليونان كانت تعيش وضعا اقتصاديا صعبا قبل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وبعد الحصول على المعايير التي تحددت لهذا الأمر، ولذا ظهر أن الحكومة اليونانية قد "زورت" في الأرقام لكي تحصل على الموافقة على انضمامها، وأيضا يمكن القول إن تواطؤا أوروبيا قد حصل.
ولكن الانضمام نفسه زاد في أزمة اليونان، حيث رفع مستوى المعيشة لكي يوازي الوضع الأوروبي، دون أن ترتفع الأجور بالمستوى ذاته. خصوصا مع سياسة الخصخصة التي جرت، واللبرلة التي عممت بشكل كبير. وزاد هذا الأمر من نسبة الاستدانة، الذي ارتفع إلى مستوى هدد بإفلاس الدولة بعد أن باتت عاجزة عن سداد فوائد ديونها. كل ذلك ضمن "لعبة" ضغطت الطغم المالية لكي تتحقق بالتعاون مع البرجوازية اليونانية.
إن مسألة الاستدانة يجب عدم النظر إليها من زاوية الحاجة الداخلية، حيث يجري عادة تضخيم هذا الأمر لتبرير الاستدانة، بل نتيجة حاجة الطغم المالية إلى التوظيف بعد أن أُشبعت إمكانات التوظيف في الاقتصاد الحقيقي، وبالتالي حدوث تراكم مالي هائل في البنوك والمؤسسات المالية يحتاج إلى تحريك كي لا يتآكل نتيجة التضخم.
وكانت مسألة الديون واحدة من أشكال التوظيف التي حققت أرباحا هائلة، وأوقعت الكثير من دول العالم في مأزق، جعلها تقبل بكل الشروط التي يتصدى لطرحها عادة صندوق النقد الدولي الممثل لتلك الطغم المالية، حيث لا تعود الدولة قادرة على سداد فوائد الديون وليس فقط الديون ذاتها التي تتراكم بشكل متسارع. ولهذا يمكن القول إن ما جرى في اليونان، وكثير من البلدان الأخرى، هو عملية نهب بالتشارك مع البرجوازية المحلية وتسهيلها.
والحل حسبما تطرح الطغم المالية هو فرض التقشف على الشعب من أجل نهب المجتمع كي تظل الأرباح تتراكم لديها، فقد نهب "القطاع العام" عبر الخصخصة، وبيعت كثير من "البنية التحتية" التي كانت تعد جزءا من "الحق العام" (المواصلات والاتصالات والصحة والشواطئ وغيرها)، وأصبح مطلوبا تدمير "الوضع المعيشي" للطبقات الشعبية، من خلال تراجع الأجور، وزيادة الضرائب، وخصخصة ما كان "مباحا" (أو عاما).
ولا شك في أن انفجار الأزمة المالية العالمية (والأميركية خصوصا) في سبتمبر/أيلول سنة 2008 قد انعكس على اليونان، فزادت الأزمة في صعوبات الاقتصاد. ولهذا شهدنا تحرّكا عماليا ومن طبقات شعبية قد بدأ سنة 2010 قبيل الثورات العربية، لكنه لم يتطور إلى ثورة.
لكن سياسة التقشف التي فرضها الدائنون أفضت إلى تصاعد الاحتجاجات، وإلى نشوء "ميل يساري" جارف تبلور في توحيد نقابات ومجموعات يسارية مختلفة المشارب، وشباب يساري في حزب سيريزا، الذي خاض الصراع ضد سياسة التقشف. ومن ثم وصل إلى السلطة، وطرح على الاستفتاء شروط الدائنين، لتكون النتيجة هي لا.
التوظيف في المديونية
لم يكن تراكم المديونية على اليونان صدفة، حيث أصبحت المديونية توظيفا رأسماليا، رغم أنه يُطرح حلا لأزمة تعيشها الدول تتعلق بالعجز في الموازنة.
ولا شك أن اليونان كانت تعيش وضعا اقتصاديا صعبا قبل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وبعد الحصول على المعايير التي تحددت لهذا الأمر، ولذا ظهر أن الحكومة اليونانية قد "زورت" في الأرقام لكي تحصل على الموافقة على انضمامها، وأيضا يمكن القول إن تواطؤا أوروبيا قد حصل.
ولكن الانضمام نفسه زاد في أزمة اليونان، حيث رفع مستوى المعيشة لكي يوازي الوضع الأوروبي، دون أن ترتفع الأجور بالمستوى ذاته. خصوصا مع سياسة الخصخصة التي جرت، واللبرلة التي عممت بشكل كبير. وزاد هذا الأمر من نسبة الاستدانة، الذي ارتفع إلى مستوى هدد بإفلاس الدولة بعد أن باتت عاجزة عن سداد فوائد ديونها. كل ذلك ضمن "لعبة" ضغطت الطغم المالية لكي تتحقق بالتعاون مع البرجوازية اليونانية.
إن مسألة الاستدانة يجب عدم النظر إليها من زاوية الحاجة الداخلية، حيث يجري عادة تضخيم هذا الأمر لتبرير الاستدانة، بل نتيجة حاجة الطغم المالية إلى التوظيف بعد أن أُشبعت إمكانات التوظيف في الاقتصاد الحقيقي، وبالتالي حدوث تراكم مالي هائل في البنوك والمؤسسات المالية يحتاج إلى تحريك كي لا يتآكل نتيجة التضخم.
وكانت مسألة الديون واحدة من أشكال التوظيف التي حققت أرباحا هائلة، وأوقعت الكثير من دول العالم في مأزق، جعلها تقبل بكل الشروط التي يتصدى لطرحها عادة صندوق النقد الدولي الممثل لتلك الطغم المالية، حيث لا تعود الدولة قادرة على سداد فوائد الديون وليس فقط الديون ذاتها التي تتراكم بشكل متسارع. ولهذا يمكن القول إن ما جرى في اليونان، وكثير من البلدان الأخرى، هو عملية نهب بالتشارك مع البرجوازية المحلية وتسهيلها.
والحل حسبما تطرح الطغم المالية هو فرض التقشف على الشعب من أجل نهب المجتمع كي تظل الأرباح تتراكم لديها، فقد نهب "القطاع العام" عبر الخصخصة، وبيعت كثير من "البنية التحتية" التي كانت تعد جزءا من "الحق العام" (المواصلات والاتصالات والصحة والشواطئ وغيرها)، وأصبح مطلوبا تدمير "الوضع المعيشي" للطبقات الشعبية، من خلال تراجع الأجور، وزيادة الضرائب، وخصخصة ما كان "مباحا" (أو عاما).
"لا شك أن رفض سياسة التقشف، وبالتالي رفض شروط الدائنين، هو بداية لمسار يمكن أن تكون آثاره خطيرة على أوروبا وعلى الاقتصاد العالمي. فهذا الرفض يمكن أن يتطور إلى وقف تسديد فوائد الديون، وربما لخروج اليونان من الاتحاد الأوروبي"
التحول نحو اليسار
كان وضع الطبقات الشعبية اليونانية صعبا، خصوصا منذ الأزمة المالية التي حدثت سنة 2008، لكنها ازدادت صعوبة بشكل لافت بعد فرض التقشف على ضوء الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والمؤسسات المالية المقرضة (وهي في الغالب بنوك فرنسية ألمانية) سنة 2012.
وإذا كانت الاحتجاجات قد تفجرت سنة 2010 فقد أخذت تتصاعد بعد الاتفاق، وأصبح واضحا أنه يجب مقاومة تلك السياسة التي تفرض التقشف، ورفض البرجوازية التي حكمت طويلا (سواء باسم اليمين أو اليسار)، وبالتالي تنحية "الطبقة السياسية" التي قادت إلى الكارثة.
لهذا تشكّل حزب سيريزا كتوحيد لمجموعات يسارية مناهضة للتقشف، ورافضة للشروط المملاة على اليونان من قبل الدائنين، وأصبح الحزب بسرعة قوة كبيرة نتيجة النقمة التي أخذت تتشكّل في الشارع اليوناني بسبب تلك السياسة التي زادت في إفقار فئات جديدة، وهددت بتحوّل وضع قطاع كبير من الشعب نحو العجز عن الحصول على المستوى القائم الآن.
وقد أدى هذا الأمر لأن يحصد حزب سيريزا الأصوات التي جعلته الحزب الذي يستحق تشكيل الحكومة، وتهميش الأحزاب القديمة، وإظهار ضعف سياسة الحزب الشيوعي الذي لم يحصل إلا على 6% من الأصوات. وبالتالي، رفض الشروط المملاة عبر الاستفتاء الذي جرى يوم 5/7/ 2015.
رفض سياسة التقشف
لا شك أن رفض سياسة التقشف، وبالتالي رفض شروط الدائنين، هو البداية لمسار يمكن أن تكون آثاره خطيرة على أوروبا وعلى الاقتصاد العالمي. حيث إن هذا الرفض يمكن أن يتطور إلى وقف تسديد فوائد الديون، وإذا ما رد الدائنون بطريقة متشددة فإن الأمر سوف يقود إلى خروج اليونان من الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي يعني فقدان الديون نفسها.
هذا احتمال خطير، لأنه يعني احتمال انهيار بنوك أساسية في أوروبا (فرنسية وألمانية)، الأمر الذي سينعكس على مجمل الاقتصاد العالمي، والأميركي خصوصا، مما قد يؤدي إلى أزمة مالية جديدة تهزّ الاقتصاد العالمي. فقد أصبحت البنوك هي نقطة ضعف النمط الرأسمالي، وباتت بحاجة إلى دعم الدول، وهو الأمر الذي يراكم المديونية على الدول المركزية ذاتها، أي أميركا وفرنسا وألمانيا.
وهي في حالة أميركا وصلت إلى حد مرتفع جدا عن السقف، وباتت تتجاوز الناتج القومي. لكن نجاح الشعب اليوناني في رفض الشروط سوف يسمح بتمدد الحالة اليونانية إلى بلدان أخرى تعاني المشكلات نفسها، خصوصا هنا إسبانيا التي تنتظر نجاح حركة بديموس في الانتخابات نهاية السنة، وربما يحدث الأمر نفسه في إيطاليا والبرتغال وبعض بلدان أوروبا الشرقية. حيث إن "حالة التمرّد" اليونانية سوف تشجّع الشعوب الأخرى على التمرّد. وهو الأمر الذي يعني زيادة الأخطار على الطغم المالية الأوروبية، وعلى مجمل الاقتصاد الأوروبي، وعلى الاتحاد الأوروبي الذي سيجد أنه آخذ في التفكك بعد أن نهبت الرأسمالية الألمانية بلدانه. وبالتالي على مجمل الاقتصاد الرأسمالي كما أشرنا.
لهذا ستكون العلاقة بين اليونان والدائنين حساسة، ولا تسمح بتهوّر من قبل هؤلاء، بل يمكن أن تسير الأمور ليس نحو التصعيد بل نحو المناورة "طويلة الأمد" نسبيا. والمراهنة هنا ستكون على تفكك حزب سيريزا نفسه. ولكن ربما تفلت الأمور مع تصاعد الضغوط الشعبية الداخلية بما يفرض على حزب سيريزا التشدد بدل القبول بحل "وسط".
كان وضع الطبقات الشعبية اليونانية صعبا، خصوصا منذ الأزمة المالية التي حدثت سنة 2008، لكنها ازدادت صعوبة بشكل لافت بعد فرض التقشف على ضوء الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والمؤسسات المالية المقرضة (وهي في الغالب بنوك فرنسية ألمانية) سنة 2012.
وإذا كانت الاحتجاجات قد تفجرت سنة 2010 فقد أخذت تتصاعد بعد الاتفاق، وأصبح واضحا أنه يجب مقاومة تلك السياسة التي تفرض التقشف، ورفض البرجوازية التي حكمت طويلا (سواء باسم اليمين أو اليسار)، وبالتالي تنحية "الطبقة السياسية" التي قادت إلى الكارثة.
لهذا تشكّل حزب سيريزا كتوحيد لمجموعات يسارية مناهضة للتقشف، ورافضة للشروط المملاة على اليونان من قبل الدائنين، وأصبح الحزب بسرعة قوة كبيرة نتيجة النقمة التي أخذت تتشكّل في الشارع اليوناني بسبب تلك السياسة التي زادت في إفقار فئات جديدة، وهددت بتحوّل وضع قطاع كبير من الشعب نحو العجز عن الحصول على المستوى القائم الآن.
وقد أدى هذا الأمر لأن يحصد حزب سيريزا الأصوات التي جعلته الحزب الذي يستحق تشكيل الحكومة، وتهميش الأحزاب القديمة، وإظهار ضعف سياسة الحزب الشيوعي الذي لم يحصل إلا على 6% من الأصوات. وبالتالي، رفض الشروط المملاة عبر الاستفتاء الذي جرى يوم 5/7/ 2015.
رفض سياسة التقشف
لا شك أن رفض سياسة التقشف، وبالتالي رفض شروط الدائنين، هو البداية لمسار يمكن أن تكون آثاره خطيرة على أوروبا وعلى الاقتصاد العالمي. حيث إن هذا الرفض يمكن أن يتطور إلى وقف تسديد فوائد الديون، وإذا ما رد الدائنون بطريقة متشددة فإن الأمر سوف يقود إلى خروج اليونان من الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي يعني فقدان الديون نفسها.
هذا احتمال خطير، لأنه يعني احتمال انهيار بنوك أساسية في أوروبا (فرنسية وألمانية)، الأمر الذي سينعكس على مجمل الاقتصاد العالمي، والأميركي خصوصا، مما قد يؤدي إلى أزمة مالية جديدة تهزّ الاقتصاد العالمي. فقد أصبحت البنوك هي نقطة ضعف النمط الرأسمالي، وباتت بحاجة إلى دعم الدول، وهو الأمر الذي يراكم المديونية على الدول المركزية ذاتها، أي أميركا وفرنسا وألمانيا.
وهي في حالة أميركا وصلت إلى حد مرتفع جدا عن السقف، وباتت تتجاوز الناتج القومي. لكن نجاح الشعب اليوناني في رفض الشروط سوف يسمح بتمدد الحالة اليونانية إلى بلدان أخرى تعاني المشكلات نفسها، خصوصا هنا إسبانيا التي تنتظر نجاح حركة بديموس في الانتخابات نهاية السنة، وربما يحدث الأمر نفسه في إيطاليا والبرتغال وبعض بلدان أوروبا الشرقية. حيث إن "حالة التمرّد" اليونانية سوف تشجّع الشعوب الأخرى على التمرّد. وهو الأمر الذي يعني زيادة الأخطار على الطغم المالية الأوروبية، وعلى مجمل الاقتصاد الأوروبي، وعلى الاتحاد الأوروبي الذي سيجد أنه آخذ في التفكك بعد أن نهبت الرأسمالية الألمانية بلدانه. وبالتالي على مجمل الاقتصاد الرأسمالي كما أشرنا.
لهذا ستكون العلاقة بين اليونان والدائنين حساسة، ولا تسمح بتهوّر من قبل هؤلاء، بل يمكن أن تسير الأمور ليس نحو التصعيد بل نحو المناورة "طويلة الأمد" نسبيا. والمراهنة هنا ستكون على تفكك حزب سيريزا نفسه. ولكن ربما تفلت الأمور مع تصاعد الضغوط الشعبية الداخلية بما يفرض على حزب سيريزا التشدد بدل القبول بحل "وسط".
"ربما تشير استقالة وزير المالية، الذي كان يعتبر الشخص الأكثر تشددا ضد الدائنين، بعد التصويت بـ(لا) على شروط الدائنين، إلى أن الحكومة الجديدة لا تريد الذهاب إلى النهاية في الصراع مع الدائنين، بل تريد تعديل شروط التقشف فقط"
وضع حزب سيريزا
ربما تشير استقالة وزير المالية، الذي كان يعد الشخص الأكثر تشددا ضد الدائنين، بعد التصويت بلا على شروط الدائنين، إلى أن الحكومة الجديدة لا تريد الذهاب إلى النهاية في الصراع مع الدائنين، بل تريد تعديل شروط التقشف فقط. وأعتقد أن ذلك صحيح بشكل ما، حيث إن الحزب الذي قام على سياسة رفضية (أي رفض سياسة التقشف) يحوي تيارات متعددة، بعضها إصلاحي وبعضها متشدد.
فهناك في الحزب من يريد ليس إلغاء الديون فقط بل كذلك مصادرة أموال البرجوازية اليونانية التي كانت وحدها المستفيدة من الديون المتراكمة على اليونان. لكن في المقابل هناك من لا يريد الخروج من الاتحاد الأوروبي، ولا القطع مع الدائنين، بل يريد تخفيف آثار سياسة التقشف على الشعب. ومن هؤلاء رئيس الوزراء نفسه.
بالتالي فإن "لا" التي نتجت عن الاستفتاء لا تعني نهاية الأمر، بل تعني العودة للمناورة مع الدائنين من أجل شروط أفضل. وفي هذه المعادلة سوف يدخل الحزب نتيجة الميل الإصلاحي الذي سوف يفرض نفسه، في تمزقات وانشقاقات، تضعف الحزب كقوة تقاوم سياسة التقشف، وتدفع إلى إعادة صياغة الحكومة بتحالفات جديدة أقل رفضا لتلك السياسة.
ورغم أن ذلك سوف يقود إلى الاتفاق مع الدائنين بشروط "أفضل"، لكنها في الواقع هي نفسها، بحيث لن تلغي تأثيرها على الشعب الذي دخل في حالة من انهيار وضعه المعيشي وفقدانه للحقوق التي تحصّل عليها في السابق، وهو أمر خطير، ولكنه لن يوقف الاندفاع الشعبي نحو اليسار، حيث إن انهيار الوضع المعيشي مع استمرار سياسة التقشف -حتى وإن كانت مخففة- سوف يعزز الميل نحو اليسار، ويدفع نحو التجذير وليس تكيف الشعب مع الأمر الواقع.
في كل الأحوال سوف يؤدي ما حدث في اليونان إلى زيادة تمرّد شعوب أخرى، لكن كذلك إلى تجذّر الصراع في اليونان وفرز القوى أكثر.
لقد مال الشعب اليوناني نحو اليسار، وسوف يتعمق هذا الميل مع زيادة صعوبة وضعه المعيشي. وإذا كان حزب سيريزا لا يمثّل يسارا جذريا الآن فإن تطور الصراع سوف يقود إلى ذلك.
ربما تشير استقالة وزير المالية، الذي كان يعد الشخص الأكثر تشددا ضد الدائنين، بعد التصويت بلا على شروط الدائنين، إلى أن الحكومة الجديدة لا تريد الذهاب إلى النهاية في الصراع مع الدائنين، بل تريد تعديل شروط التقشف فقط. وأعتقد أن ذلك صحيح بشكل ما، حيث إن الحزب الذي قام على سياسة رفضية (أي رفض سياسة التقشف) يحوي تيارات متعددة، بعضها إصلاحي وبعضها متشدد.
فهناك في الحزب من يريد ليس إلغاء الديون فقط بل كذلك مصادرة أموال البرجوازية اليونانية التي كانت وحدها المستفيدة من الديون المتراكمة على اليونان. لكن في المقابل هناك من لا يريد الخروج من الاتحاد الأوروبي، ولا القطع مع الدائنين، بل يريد تخفيف آثار سياسة التقشف على الشعب. ومن هؤلاء رئيس الوزراء نفسه.
بالتالي فإن "لا" التي نتجت عن الاستفتاء لا تعني نهاية الأمر، بل تعني العودة للمناورة مع الدائنين من أجل شروط أفضل. وفي هذه المعادلة سوف يدخل الحزب نتيجة الميل الإصلاحي الذي سوف يفرض نفسه، في تمزقات وانشقاقات، تضعف الحزب كقوة تقاوم سياسة التقشف، وتدفع إلى إعادة صياغة الحكومة بتحالفات جديدة أقل رفضا لتلك السياسة.
ورغم أن ذلك سوف يقود إلى الاتفاق مع الدائنين بشروط "أفضل"، لكنها في الواقع هي نفسها، بحيث لن تلغي تأثيرها على الشعب الذي دخل في حالة من انهيار وضعه المعيشي وفقدانه للحقوق التي تحصّل عليها في السابق، وهو أمر خطير، ولكنه لن يوقف الاندفاع الشعبي نحو اليسار، حيث إن انهيار الوضع المعيشي مع استمرار سياسة التقشف -حتى وإن كانت مخففة- سوف يعزز الميل نحو اليسار، ويدفع نحو التجذير وليس تكيف الشعب مع الأمر الواقع.
في كل الأحوال سوف يؤدي ما حدث في اليونان إلى زيادة تمرّد شعوب أخرى، لكن كذلك إلى تجذّر الصراع في اليونان وفرز القوى أكثر.
لقد مال الشعب اليوناني نحو اليسار، وسوف يتعمق هذا الميل مع زيادة صعوبة وضعه المعيشي. وإذا كان حزب سيريزا لا يمثّل يسارا جذريا الآن فإن تطور الصراع سوف يقود إلى ذلك.
No comments:
Post a Comment