نمر سلطاني
A Good Comment
By Nimr Sultani
Arabs48
"لا يملك المرء إلا أن يشعر بالفخر الشديد ببسالة المتظاهرين السوريين وهم يتحدون المزيد من القمع بالمزيد من الإصرار والتضحية وبازدياد رقعة المظاهرات لتشمل الكثير من أنحاء الوطن السوري من درعا إلى حلب إلى حماة إلى حمص إلى اللاذقية إلى بعض أحياء دمشق إلى دير الزور وغيرها. هذه الانتفاضة التي وصفتها "لجان التنسيق المحلية" في بيانها الصادر في 23 حزيران بمناسبة مرور مئة يوم على انطلاقتها بـ"ثورتنا من أجل الحرية والكرامة والمواطنة". ومع تواصل التحدي الشعبي لنظام الاستبداد يزداد الامل بأن هذا النظام سيزول آجلا أم عاجلا وأن ما سيحلّ مكانه سيكون أفضل منه.
لكن لماذا نجد هذا الانقسام في الآراء تجاه ما يحدث في سوريا بشكل لم نعهده إبّان الانتفاضة المصرية ومن قبلها التونسية؟ خاصة وأن النظام السوري لم يشذ كثيرا عن الوسائل والأساليب التي استعملها النظامان التونسي والمصري قبله في مواجهة الازمة التي تعصف به وارتكب من الصلف والغرور ما ارتكباه. فقد قال، مثلما قالوا، إن المعارضين قلة. وقال، مثلما قالوا، إنهم مندسون ومتآمرون. واختار، مثلما اختاروا، الحل الأمني بدل الحوار والإصلاح (وإن توفرت له العوامل التي لم تتوفر لهما كتركيبة المجتمع والجيش المختلفة مما سهل تنفيذ الحل الأمني).
....
إن سبب دعم المتظاهرين هو أخلاقي بالدرجة الاولى ولا علاقة له بموازين القوة أو بالحسابات العددية. سبب دعمنا لهم هو عدالة قضيتهم وإنسانية مطالبهم إذ يطلبون التحرر من نير الطغيان وقد سئموا الحجج الباهتة والمجترة لتبرير عبوديتهم، فقد تغيّرت المسميات والعبودية واحدة.
قد يكون السبب في الانقسام في الآراء هو درجة الانغلاق الأعلى في سوريا (ففي مصر كانت هناك درجة أعلى من الحرية الصحفية وبعض التعددية الحزبية، ولو الواهية، وتواجد أكبر لوسائل الإعلام الخارجية) وبالتالي القدرة على التعتيم، وبالتالي المساحة الأكبر للتضليل. وقد يكون السبب هو أن التفرقة بين الأنظمة في وعي الكثيرين من العرب تكون بناءً على مواقفها وسياساتها الخارجية لا سياساتها الداخلية (وبالتالي مدى ديمقراطيتها) خاصة أن هذا الوعي لم يجرّب الديمقراطية كثيرا، وبدا أن مطالبة الأنظمة بالديمقراطية أمر تعجيزي وخارق للمألوف، على الأقل حتى جاءت انتفاضة الشعوب العربية الأخيرة.
بالإضافة إلى هذه الأسباب، سأدّعي فيما يلي أن بالامكان قراءة بعض ردود الفعل المؤيدة للنظام السوري على أنها مجموعة تمثيلات خطابية مترابطة ومتكاملة يمكن تقسيمها بشكل تحليلي إلى ثلاثة أنواع سأسميها مجازا: العقل التبسيطي والعقل الاتكالي والعقل التبريري.
....
تنضم هذه التمثيلات الخطابية الثلاثة إلى جملة العوامل التي سمحت باستمرار الاستبداد في العالم العربي حتى حالتنا الراهنة. وبدون تجاوزها لن يكون بإمكاننا تجاوز العجز العربي والتأخر العربي القائم. هذه الأنظمة المدعومة بهذه العقلية تنتج شعوبا مفتتة ومتهالكة لا تسمح بإنتاج السياسات التي تتعدى الإنتاج الخطابي إلى الممارسة التي بإمكانها أن تسيّر ركب العرب نحو مستقبل أفضل باستغلال الموارد الطبيعية والانسانية وتوزيعها بشكل عادل. ومن دواعي المفاجأة السارة أن هذه المجتمعات المفتتة والمتهالكة ما زالت تملك من القوة والإرادة ما يكفي للإطاحة بهذه الأنظمة الفاشلة والفاسدة. ولكن إذا تخلصنا من هذه العقلية فقد تتحول عندها الانتفاضات إلى ثورة فتطيح لا بالنخب الحاكمة فحسب بل بالبنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تسمح بإنتاج هذه النخب."
A Good Comment
By Nimr Sultani
Arabs48
"لا يملك المرء إلا أن يشعر بالفخر الشديد ببسالة المتظاهرين السوريين وهم يتحدون المزيد من القمع بالمزيد من الإصرار والتضحية وبازدياد رقعة المظاهرات لتشمل الكثير من أنحاء الوطن السوري من درعا إلى حلب إلى حماة إلى حمص إلى اللاذقية إلى بعض أحياء دمشق إلى دير الزور وغيرها. هذه الانتفاضة التي وصفتها "لجان التنسيق المحلية" في بيانها الصادر في 23 حزيران بمناسبة مرور مئة يوم على انطلاقتها بـ"ثورتنا من أجل الحرية والكرامة والمواطنة". ومع تواصل التحدي الشعبي لنظام الاستبداد يزداد الامل بأن هذا النظام سيزول آجلا أم عاجلا وأن ما سيحلّ مكانه سيكون أفضل منه.
لكن لماذا نجد هذا الانقسام في الآراء تجاه ما يحدث في سوريا بشكل لم نعهده إبّان الانتفاضة المصرية ومن قبلها التونسية؟ خاصة وأن النظام السوري لم يشذ كثيرا عن الوسائل والأساليب التي استعملها النظامان التونسي والمصري قبله في مواجهة الازمة التي تعصف به وارتكب من الصلف والغرور ما ارتكباه. فقد قال، مثلما قالوا، إن المعارضين قلة. وقال، مثلما قالوا، إنهم مندسون ومتآمرون. واختار، مثلما اختاروا، الحل الأمني بدل الحوار والإصلاح (وإن توفرت له العوامل التي لم تتوفر لهما كتركيبة المجتمع والجيش المختلفة مما سهل تنفيذ الحل الأمني).
....
إن سبب دعم المتظاهرين هو أخلاقي بالدرجة الاولى ولا علاقة له بموازين القوة أو بالحسابات العددية. سبب دعمنا لهم هو عدالة قضيتهم وإنسانية مطالبهم إذ يطلبون التحرر من نير الطغيان وقد سئموا الحجج الباهتة والمجترة لتبرير عبوديتهم، فقد تغيّرت المسميات والعبودية واحدة.
قد يكون السبب في الانقسام في الآراء هو درجة الانغلاق الأعلى في سوريا (ففي مصر كانت هناك درجة أعلى من الحرية الصحفية وبعض التعددية الحزبية، ولو الواهية، وتواجد أكبر لوسائل الإعلام الخارجية) وبالتالي القدرة على التعتيم، وبالتالي المساحة الأكبر للتضليل. وقد يكون السبب هو أن التفرقة بين الأنظمة في وعي الكثيرين من العرب تكون بناءً على مواقفها وسياساتها الخارجية لا سياساتها الداخلية (وبالتالي مدى ديمقراطيتها) خاصة أن هذا الوعي لم يجرّب الديمقراطية كثيرا، وبدا أن مطالبة الأنظمة بالديمقراطية أمر تعجيزي وخارق للمألوف، على الأقل حتى جاءت انتفاضة الشعوب العربية الأخيرة.
بالإضافة إلى هذه الأسباب، سأدّعي فيما يلي أن بالامكان قراءة بعض ردود الفعل المؤيدة للنظام السوري على أنها مجموعة تمثيلات خطابية مترابطة ومتكاملة يمكن تقسيمها بشكل تحليلي إلى ثلاثة أنواع سأسميها مجازا: العقل التبسيطي والعقل الاتكالي والعقل التبريري.
....
تنضم هذه التمثيلات الخطابية الثلاثة إلى جملة العوامل التي سمحت باستمرار الاستبداد في العالم العربي حتى حالتنا الراهنة. وبدون تجاوزها لن يكون بإمكاننا تجاوز العجز العربي والتأخر العربي القائم. هذه الأنظمة المدعومة بهذه العقلية تنتج شعوبا مفتتة ومتهالكة لا تسمح بإنتاج السياسات التي تتعدى الإنتاج الخطابي إلى الممارسة التي بإمكانها أن تسيّر ركب العرب نحو مستقبل أفضل باستغلال الموارد الطبيعية والانسانية وتوزيعها بشكل عادل. ومن دواعي المفاجأة السارة أن هذه المجتمعات المفتتة والمتهالكة ما زالت تملك من القوة والإرادة ما يكفي للإطاحة بهذه الأنظمة الفاشلة والفاسدة. ولكن إذا تخلصنا من هذه العقلية فقد تتحول عندها الانتفاضات إلى ثورة فتطيح لا بالنخب الحاكمة فحسب بل بالبنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تسمح بإنتاج هذه النخب."
No comments:
Post a Comment