Another Great Article By Dr. Adel Samara From Ramallah (in Arabic)
إما مقاومة يتبعها قمع... أو مساومة يتبعها بيع
د. عادل سمارة
رام الله المحتلة
فلتان رسمي في الاراضي المحتلة، مقدمات لمذبحة محلية تقودها طبقة أغنياء وقطط سمان وتُذبح فيها طبقة فقراء ومستضعفين ذوي وعي مشوه . ولكن، هل هي بأحندة فلسطينية بحتة، هل هي صراع على السلطة، وهل هناك سلطة حقيقية، واقتصاد حقيقي؟ هذا ما يمكن أن يجيب عليه ببلاغة المقتتلون ودافعوهم للقتال ودافعو دافعيهم والدافعون لدافعيهم.
قد تكون عبارة الوحدة الوطنية من أكثر الشعارات التي طرحها الفلسطينيون او استخدموها. وربما كان واضحاً لكل ذي عقل أن هذا ليس ممكناً، وليس اليوم، بل طوال فترة حياة منظمة التحرير التي لم تكن في يوم من حياتها جبهة وطنية، بل جبهة جبهات. فإذا كان هذا هو الوضع قبيل التسوية فهل يمكن ان يتم خلال التسوية؟ لم يتم خلال المقاومة، فهل يتم بعد المقاومة؟ لم يتم حين كان يرى كل فلسطيني ان الولايات المتحدة عدو قضيته، فهل يتم بعد أن اصبحت الولايات المتحدة هي التي تقود الفلسطينيين سياسياً وبعد أن اصبحت للمخابرات الأميركية مكاتب في الضفة الغربية وغزة؟ وبعد أن دربت هذه المخابرات ومخابرات عربية أجهزة قمع بعشرات الآلاف؟
لم يصل الفلسطينيون إلى استسهال إسالة الدم بين يوم وليلة، ولم يكن الدم الفلسطيني مقدساً كما يتشدق الجميع، فقد حصل ذلك منذ زمن ولا زال. فليس هناك برنامجا وطنيا فلسطينيا بل برامج تنظيمية ووصل كل برنامج لإقناع حاملية بالاشتباك مع الآخر بل ومع كل برنامج. ولعل أكثر الأمور خلافية بين الفلسطينيين هو برنامج "القرار الوطني المستقل"، فقد تمكنت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية منذ قرابة عقدين من غسيل أدمغة الكثيرين ومن شراء آخرين أكثر، لصالح شعار القرار الوطني المستقل، وهو الترجمة الخطيرة والمبكرة للدولة الوطنية المزعومة حالياً. ويجد هذا الشعار أولى طبعاته في "السلطة الوطنية الفلسطينية" منذ فترة حرب أكتوبر 1973، وتفاعلاتها التسووية. وكل هذه التسميات هي باتجاه فك القضية الفلسطينية عن العمق العربي، مما يعطي قوة دفع خطيرة للقطريين والإقليميين العرب لإرسال ورقة "الطلاق" إلى الفلسطينيين. أليس هذا عجيباً؟
وكانت حرب أكتوبر، سواء هي تحريكية من قبل النظام، وغير تحريكية من قبل المقاتلين وقادة في الجيوش، إلا أنها انتهت تحريكية بامتياز سواء على صعيدي النفط ومؤتمر جنيف لتنتهي بمؤتمر الرباط الذي اعتبر القضية الفلسطينية "فلسطينية" فقط، وهو المبرر "الموضوعي" لإخراج مصر من المعركة طالما أن اصحاب القضية إضطلعوا بها ولاحقا ذهاب مصر إلى كامب ديفيد.
ثم كان الخروج من لبنان إلى تونس، وهو الأمر الذي جرى تزيينه كانتصار. وظل تحت هذا الغطاء، إلى أن كشف حزب الله والمقاومة اللبنانية بأن الانتصار ممكن والصمود ممكن والتحرير ممكن، وكأن ذلك الخروج كان نعمة للبنان. وتأكد الأمر أكثر في حرب تموز/آب لهذا العام. بقول آخر، أثبتت المقاومة اللبنانية وخاصة حزب الله، أن مبدأ "إضرب واهرب" مشروع في حرب العصابات، ولكن ليس "لا تضرب... وارحل". فالانظمة والجيوش النظامية ترحل ، نعم.
ومن تونس بدأت ولادة أوسلو. سواء من حيث انتهاء الروح القتالية للقيادة، وتبعثر المقاتلين في المنافي ليفقدوا الأمل في معاودة الدور النضالي، فاي مكان هو الذي سوف يسمح بتجمعهم ثانية على الحدود؟ ولم يكن هناك ما يمكن أن يجمعهم في مكان سوى التسوية. وهو الأمر الذي تم، ولكن بتحويل المقاتلين إلى شرطة ومخابرات وعساكر على الطريقة المالوفة في الأنطمة العربية أي باعتقالهم في أوسلو- ستان. هل يتحول الناس هكذا؟ طبقاً لما نراه...نعم!
في "رحاب" التسوية"
رغم جاهزية الوضع العربي لابتلاع التسوية، والغدر بالانتفاضة، كان لا بد من تمهيد المنطقة تماماً لتمرير التسوية. لذا، لم يعقد مؤتمر مدريد إلا بعد تدمير قوة العراق 1991، وتفكيك اليمن الجنوبي، وإغراق الجزائر في معركة مع الديمقراطية في ثوب المعركة مع الإسلام السياسي. ورغم ان هذه البؤر لم تكن من القوة بما يمنع التسوية، ولكن الراسمالية المعولمة، على عادتها ودقة ما تزعمه "بالأخلاق البروتستانتية" تريد الأمور جاهزة بالتاكيد. وقد يكون هناك معنى كبيراً لما قاله بيكر (وزير خارجية أميركا آنذاك، ومهندس تقرير بيكر-هاملتون اليوم) لممثلي فصائل منظمة التحرير في القدس بعد ضرب العراق: "هزمناكم في العراق وهنا تفعلون ما نريد"! رفعت الأقلام وجفت الصحف. فالأمور مترابطة أكثر مما يراها اهلها.
وكان اتفاق أوسلو، وإقامة سلطة الحكم الذاتي وإجراء الإنتخابات الأولى، التي رفضت منظمات كثيرة المشاركة بها على أرضية رفض أوسلو. وكان ذلك صحيحاً، وكانت للسلطة ممارساتها سواء بالفساد والمحسوبيات وانعدام التنمية والأمن الشخصي، وتفكيك القيم...الخ. وفي غمرة حصول هذه كلها، قررت الولايات المتحدة والكيان الذهاب إلى المرحلة الثانية من أوسلو.
أوسلو في طور أعلى:
دار نقاش طويل ولا يزال بين الفلسطينيين والعرب حينما بدات الدعوة الأميركية والتحضيرات لإجراء انتخابات جديدة في أراضي الحكم الذاتي. وقد حسمت معظم القوى في ساحة الحكم الذاتي باتجاه المشاركة في هذه الانتخابات، ضاربة عرض الحائط بتأثير هذه المشاركة على الشارع العربي، وكون المشاركة في النهاية تصب في طاحونة الدولة "القطرية-الوطنية" دون ان يتأكدوا أو يثبتوا أن " الربح من هذه المشاركة" اعلى من الخسارة.
بالنسبة للقوى التي شاركت في الانتخابات الأولى، فقد اعتقدت بأن مشاركة الرافضين مثابة قوة دفع لها لأنه إثبات على صحة أطروحاتها، سواء في التسوية او المشاركة في الانتخابات. كما استفادت من ذلك الإتجاهات اللبرالية ومنظمات الأنجزة التي هي جوهرياً اميركية بامتياز.
أما القوى التي قررت المشاركة هذه المرة، حماس بشكل اساسي والشعبية والديمقراطية، فزعمت أن هذه الانتخابات لا تتم في ظل أوسلو لأن "أوسلو انتهى". هل هو اقتناع، أم إقناع للذات، أم شعور بالقدرة على اقتلاع اوسلو؟ لا ندري بعد. ولا شك انه كان للنظام المصري دور في ذلك، حيث وصل المشاركون الجدد للقول بأنهم يشتركون "على أرضية اتفاق القاهرة".
بعض ما قيل من طرف حركة حماس، بأن حماس لا تريد استلام الحكومة فيما لو حصلت على أكثرية في مجلس الحكم الذاتي، وهو أمر كان بالإمكان تجاوزه بالطلب من أعضاء من حماس بحجب الثقة عن حكومة قد تُكلف حماس بتشكيلها، هذا إذا لم تعتذر حماس عن مجرد محاولة تشكيل الحكومة.
كانت الانتخابات مفاجئة للجميع كما يبدو، باستثناء نظرية المؤامرة التي تقول: "ليس شرطاً أن تكون حماس قد حصلت على كل هذا. فلماذا لا يكون تزويرا ما قد حصل لتوريط حماس، ومن ثم تصفية القضية باسرها حين يعترف الجميع بالكيان، لا ندري. قد يبدو هذا غريباً، وما اكثر الغرائب في هذه الساحة! فقد اصيبت قيادات فتح بالصدمة، معتبرة أن الناخب قد خذلها. وحتى الآن لا يُقر هؤلاء بأن الناخب قد عاقب هذه الحركة على الفساد والتجاوزات من خلال ثورة سلبية.
وبغض النظر عن تعدد التحليلات، فقد دخلت المناطق المحتلة مرحلة جديدة، هذه المرة. مرحلة أخرى في تصفية القضية الفلسطينية وليست مرحلة أخرى في بناء "الدولة-الوطنية الفلسطينية". فقد وقف العالم الرسمي هذه المرة بوضوح لا سابق له لصالح الكيان الصهيوني. فبعد ان كانت الأمم المتحدة تشترط عضوية الكيان بتطبيق مقررات الأمم المتحدة وخاصة حق العودة، فإذا بالرباعية الدولية، ومختلف دول الغرب وحتى دول عربية تطالب حركة حماس بالاعتراف بالكيان الصهيوني. وهذه المرة الأولى التي ينقلب فيها الأمر إلى هذا الحد. وكأن سلطة الحكم الذاتي هي تبرع من الكيان بارض لهذه السلطة وبالتالي عليها الإعتراف والإمتنان لهذا المحسن الكريم. بغير هذا لا يوجد مبرر لهذا الطلب الفظيع والوقح بما لا يقاس من قبل الرباعية الدولية.
إحالة داخلية للصراع
ما أن تسلمت حماس الحكومة حتى قررت أميركا وإسرائيل فرض المقاطعة على الشعب الفلسطيني، طالما أن نتائج "العرس" الديمقراطي لم تكن كما طُلب أو تُوقع. اختفت مظاهر الابتهاج المحلي، والإطراء المزيف الخارجي، والاحتفال بإشراف الرئيس الأميركي السابق كارتر، المؤمن من جهة، وصاحب قرار "عقيدة كارتر بتجهيز جيش اميركي سريع التدخل لاحتلال النفط مستفيداً من قرار إقامة الجسر الجوي الذي اقامته أميركا لخدمة إسرائيل في حرب اكتوبر، بمعنى، لماذا لا تكون القوى هناك! وها هي اليوم هناك، وهناك جداً.
واعتقد البعض ان الرسمي العربي استسلم لهذه الحرب مغفلين أن الأنظمة العربية شريك في الهجمة. وقد تكون المفاجئة ان الطرف الذي وضعت حماس إكليل الغار الديمقراطي على راسه، اي رئيس السلطة الفلسطينية هو الذي سمح بتمرير الحصار حيث قبل تحويل المساعدات الأجنبية إلى مؤسسة الرئاسة، وهو الأمر الذي أخطأت فيه حكومة حماس مبكراً بقبولها بذلك، ربما لأنها اعتقدت بأن الحصار مؤقتاً، حيث قبلت بأن تمر المساعدات إلى الرئيس ليحولها هو إلى صندوق الحكومة. لكن رئيس السلطة والمانحين لم يسمحوا للأمر أن يمر بهذه السهولة، ولن يفعلوا ولن يعاتبهم أحد.
كان يجب ان لا يقبل الرئيس بتحويل المساعدات إلى صندوقه، وكان يجب ان لا تقبل حماس هذا التحويل كذلك. هل كان الرئيس والحكومة يعرفان بأن قرار وقف المساعدات جدي إلى هذا الحد؟ هذا سؤال إليهما.
لعل هذا السؤال يعيدنا إلى الجدال ما قبل الانتخابات. فقد كان واضحاً للكثيرين، ومنهم كاتب هذه السطور بأن الاحتلال قادر على "منع الأكسجين" عن حكومة لا تعترف به. هذا ما قيل بالحرف الواحد. وهكذا كان. فقد سرق الاحتلال مقتطعات الضريبة الفلسطينية، وحول الغربيون مساعداتهم إلى صندوق الرئاسة الفلسطينية، وفعل العرب الرسميون نفس الفعلة، واصبح الموظفون تحت رحمة خطة المانحين بعدم دفع الرواتب إلى أن يقوموا "بالتمرد" على حماس. وهكذا، توقفت الرواتب، ليتم دفع البعض منها (40-60%)، وانكمش السوق، واشتبك الناس ببعضهم بين دائن ومدين، ثم امتد الأمر إلى إضراب تدميري بكافة المعاني، فتوقفت الدراسة، ومات كثيرون على ابواب المستشفيات المضربة، وسرق المحتالون شيكات البسطاء، وتوقف دفع فواتير الماء والكهرباء. وفي الوقت نفسه، لم يتم تقديم أي من الفاسدين للقضاء مع أن ما سرقوه كان كاف لدفع رواتب الموظفين!
اذن، نحن حقا في الطور الأعلى لأوسلو. فإما اعتراف الجميع بالكيان الصهيوني، أو استمرار الحصار المفتوح والمغطى بالعالم الرسمي بأجمعه الذي اصبح يرى العدوان من جانب حماس، وتحديداً من جانب الشعب الذي انتخبها ولذا فمعاقبة الشعب صحيحة ومبررة.
لكن صمود الناس، أو سلبيتهم تجاه الإشكالات الداخلية لم تعجب من خططوا للحصار. فالشارع الذي لم يحتج على الفساد والمحسوبيات وحتى على أوسلو نفسها، لن يحتج على حصار مقصود به تصفية القضية. وهذا دفع النظام السابق، "الجمهورية الأولى" لتصعيد التحرك الإنقلابي التدريجي ضد "الجمهورية الثانية" إلى حافة الانقلاب الفعلي .
وهكذا، كان خطاب رئيس سلطة الحكم الذاتي يوم 16-12 -2006. فقد تحدث الرجل كقائد حزب ضد حزب آخر، ولم يكن في خطابه ما يوحي بشعور أنه رئيس سلطة للجميع أو على الجميع. ولم ينتقد أحداً ممن فرضوا الحصار، وجوعوا العباد، بل كان هجومه على حركة حماس وحكومتها، مما جعل نهاية الخطاب معروفة وهي إجراء انتخابات جديدة لمجلس الحكم الذاتي ورئاسته، أو قبول حماس بحكومة وحدة وطنية.
ودخل هو كما دخل كثيرون في فنيات "دستورية" لسلطة لا هي دولة وليس لها سوى قانون اساسي، مما يؤكد بأن المسألة هي انقلاب كما يريد الذين صنعوا اوسلو. فلم يعد خافياً على أحد أن اوسلو مشروع سلطة صنعتها أمريكا والكيان، وأن من يريد الجلوس في هذا المحفل يجب أن يقوم بما يريدون، ولا مجال لغير هذا. بل لا مجال حتى لإلغاء هذه السلطة. فلم يقيمها هؤلاء ليسقطوها ويخسروا ما كسبوه بوجودها. لعلها معادلة واضحة. وهذا ما أكدنا عليه قبل الانتخابات وبعدها سواء في هذه المجلة وما أكده موقف الجهاد الإسلامي والتيار القومي العربي.
مرة أخرى، فإن الحكم الذاتي ليس أكثر من قيام الحكومة المركزية في تل ابيب بإعطاء حزب ما اسمه "منظمة التحرير الفلسطينية" إذن عمل في منطقة منحتها تلك الحكومة حكماً ذاتياً. وعليه، بوسع هذه الحكومة وقف الترخيص إذا تغيرت قواعد اللعبة. من يقرأ خطاب رئيس السلطة الفلسطينية يفهم هذا جيداً. هذا ناهيك عن أن هذه السلطة بمباركة أميركية ورسمية عربية.
هل كان دخول حماس صحيحاً؟
يمكننا القول أن قيادة حركة حماس توصلت إلى الاستنتاج قبيل الانتخابات، بأن هناك حدوداً لفعالية المقاومة، وأنها كآية ظاهرة اجتماعية تمر بصعود وهبوط، وليس شرطا ان تنتهي، بل يمكن ان تتحول من مستوى او لون إلى آخر. فبعد أن حققت حماس شعبية عالية عبر المقاومة، ربما توصلت إلى أنها ليست قادرة على مواصلة المقاومة بنفس الوتيرة، علاوة على صعوبة دخول مناطق 1948. وعليه، قررت استثمار هذا الرصيد في الانتخابات.
هل توقعت حماس ان يكون رد الطرف المعادي جدياً إلى هذا الحد، لا ندري. وهل توقعت حماس أن بوسعها الجمع ما بين المقاومة والسلطة المساومة، لا ندري ايضاً، وهل توقعت أنها سوف تحول السلطة العلنية إلى سلطة مقاومة؟ في هذا المستوى، نعتقد أنه لا يمكن.
قد يكون هذا ممكناً حينما يكون هناك شبراً محرراً ومفتوح الأبواب. وهذا غير موجود، أو حينما تكون هناك إمكانات الحد الأدنى للاعتماد على الذات، وهذا غير موجود. بل إن اعتماد السلطة على الخارج كان من قرار وجودها نفسه إلى كوب الحليب لطفل الرضاعة. وهذا ما جعل التساؤل عن مبرر وجودها مشروعاً جداً. يمكن قبول سلطة فقيرة ولكن قادرة على التحرك مع الجيران، أما سلطة حبيسة وفقيرة ولصالح عدو من هذا الطراز، فهذه من عجائب الدنيا. فهل يمكن لبلد اعتاد الاستهلاكية العالية بما يفوق دخله، سواء على صعيد الأسرة أو الحكومة، هل يمكن له أن يواجه حصاراً معاديا.
واليوم ...ماذا بعد؟
لقد وظف رئيس السلطة الفلسطينية كل خطاب التسوية والاعتراف والحصار والتجويع لتغيير حكومة عدم الاعتراف. فملخص قوله: "لا مكان هنا لمن لا يعترف بإسرائيل". فهل تفعل حماس ذلك؟ بعبارة اخرى اعتبر رئيس السلطة الفلسطينية أن حكومة الوحدة الوطنية اصبحت وراء ظهره، رغم أنه أبقى الباب موارباً فيما يخصها.
فإذا كانت قوة حزب الله في المواجهة الميدانية، فإن قوة المقاومة الفلسطينية هي في مجرد وجودها، وخطورتها في مجرد مساومتها. بمعنى أن الدور الفلسطيني في الممانعة والمقاومة العربية هو معنوي مبدئي أكثر مما هو بغزارة اطلاق النار. لذا، يجب اقتلاع هذه الحكومة وتلك الحركة وكل من هو مثلهما. وعليه، فالحديث عن حكومة الوحدة الوطنية بلا معنى طالما الوضع على هذا النحو.
لقد وصل الحديث عن حكومة الوحدة الوطنية مستوى الثرثرة عن قداسة الدم الفلسطيني. ومع ذلك تتواصل الدعوات للحوار الوطني وكأن هناك بوصة واحدة لم يتم النقاش عليها والاختلاف فيها. لا شك ان حكومة الوحدة الوطنية أمنية الأكثرية الشعبية، ولكن من يسمع لها؟ للأكثرية الشعبية برنامج واحد ينقسم إلى درجتين:
الدرجة الأولى: الاشتداد، بمعنى العمل المسلح الفعال، والامتداد بمعنى عدم التوقف حتى لو تراجع الكفاح المسلح، إنما المهم عدم توقفها. وربما يجوز القول انها تنقسم بين الممانعة والمقاومة، لكنها لا تتوقف ولا تنتهي إلى التفريط.
والدرجة الثانية: هي حق العودة الذي لا يمكن انجازه بمعزل عن المقاومة والممانعة.
ومن هنا، فإن مشروع دولة في الضفة والقطاع، وسلطة "وطنية" بالطريقة التي تم الحديث عنها وتم تطبيقها إنما هي التفاف على حق العودة. لا مناص من التأكيد على هذا الأمر، مهما كانت درجة البلاغة في إخراجه.
قد يكون لإنجاز دولة في اية بقعة معنى إذا جرى تحرير اي جزء. لكن هذا لم يحصل. ومن هنا أدخلت القضية في هذه المساومة كما لو كانت انتصاراً وتحريراً لجزء من الأرض. في حين انها ليست سوى صلاحيات إدارية ومالية ومنفعية على حساب كل الأرض. ومن يقرأ صلاحيات السلطة التي تحدث عنها رئيسها عباس يوم 16-12-2006، يدرك أن لا سيادة ولا حقوق ولا كرامة.
إذن، فالسلطة الفلسطينية هي مجرد صناعة من أصحاب القرار، القرار لفلسطين وليس القرار الفلسطيني، أي الأطراف المعادية بمجموعها. فهل يجدر التمسك بها؟ والاقتتال عليها؟ هل يمكن تغيير جوهرها لتصبح سلطة حقيقية؟ هل يمكن نقلها إلى مستوى السيادة على "أرض" على المعابر، هل يمكن رفع صلاحياتها كي تدخل بضعة دراهم ؟ كل هذا لا. إذن ما دورها؟ أليست اداة لتركيز الوهم ووصوله إلى الوهن السياسي والوطني؟
لكن هذه السلطة بالنسبة للمستفيدين منها مكسباً لا يمكن التفريط به والخروج عليه، بل المطلوب بالنسبة لهم هو إدخال الآخرين في هذا المشروع.
هناك تمترس متبادل إذن، لكل من المقاومة والمساومة. كلاهما واضح.
على هذا الأساس، ربما يكون الممكن في هذه الفترة أمر آخر. أن تطرح حماس رؤيتها لحكومة وحدة وطنية مقاومة، وهو ما سيرفضه رئيس السلطة. وعندها تقوم حماس بنشر بيان واضح تشرح فيه لماذا ذهبت إلى الانتخابات، وما الذي واجهها، وما الذي عرض عليها، ومن ثم تستقيل الحكومة وتكتفي مؤقتاً بالمجلس التشريعي.
وقد تفض الطابق كلياً مؤكدة أن لا مجال قط للمشاركة في عملية انتخابات مقصود بها تشكيل مجلس وحكومة كما تريدهما أميركا وحلفاؤها. وأن تدعو الشعب إلى عدم المشاركة في اية انتخابات تحت الإحتلال. وعندها ستدخل الانتخابات قوى المساومة، وسترتفع حصة اللبراليين والأنجزة (فريق أميركا). وهذا جميل. فليأخذ هؤلاء مقاعد في مجلس تقاطعه المقاومة. وعندها ليذهب من يريد إلى التصفية. بعبارة أخرى، فإن اية مشاركة لمن يتمسكون بحق العودة هو تقديم تبرير للتسوية.
لكن هذا سيعيد حماس إلى المربع الأول، ليس فقط مربع المقاومة، ولكن ايضاً مربع التهديد بالقمع باعتبارها كما يزعمون سلفية إرهابية...الخ.
في حالة كهذه، يعود النضال الوطني كما لو كان في ظل نظام حكم عربي، منظمات سرية تمارس الكفاح المسلح ما أمكنها ذلك، ونظام حكم قمعي عسكريتاري معتدل غربياً، يعتبر المقاومة اعتداء على دولة جوار. مهما يكن من أمر، فهذا هو الوضع، إلى أن تتكون القوى القادرة على تغييره.
يرى البعض أن ما يدور في الأرض المحتلة اليوم هو جزء من صراع معسكري الممانعة والتسوية على صعيد عربي بل إقليمي وربما عالمي. وهذا صحيح، ولكنه لا يغير من حقيقة الأمر شيئاً بأن السباق المحموم بين المعسكرين، يحتم الحسم في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فإما مع التسوية وفلوسها، وإما مع الممانعة وحماية حق وطني، والمساهمة في مصير أمة.
No comments:
Post a Comment