Tuesday, November 13, 2007

دايتون يعبث بالدم الفلسطيني

بقلم : د. عبد الستار قاسم

".....
....هذا الشخص هو الذي يعبث بالدم الفلسطيني الآن في الضفة الغربية، وهو الذي يتدخل مباشرة بالنشاطات الأمنية، وهو الذي يقدر كيفية دعم الأجهزة الأمنية الفلسطينية وكيفية توجيهها نحو الأعمال التي ترضي إسرائيل وأمريكا أمنيا. إنه يجلس في مكتبه يخطط، ويقوم بزيارات ميدانية ليطلع مباشرة على أداء الأجهزة الأمنية الفلسطينية. إنه هو صاحب الكلمة المسموعة في واشنطون حول السلاح الذي يجب تقديمه للسلطة الفلسطينية، ونوعيته، وحول الأموال المطلوبة لدعم النشاطات الأمنية الفلسطينية، وهو يتدخل أيضا في توصيات تعيين مسؤولين أمنيين فلسطينيين. يشكل مع جيكوب واليس، القنصل الأمريكي، في القدس أقوى بؤرة تأثير الآن في الضفة الغربية من نواحي اجتمعاية وسياسية وأمنية واقتصادية ومالية. إنهما يتحملان مسؤولية كبيرة في إدارة شؤون الفلسطينيين.

ماذا يريد دايتون؟ دايتون يريد التأكيد على أمن إسرائيل لكي يتم إحراز أي تقدم في العملية التفاوضية. أمن إسرائيل أولا، وأمنها آخرا، وبدون ذلك لا يمكن أن تأذن إسرائيل بتقدم تفاوضي، ولا يمكن أن تناقش حقوقا وطنية بجدية. إنه يؤكد على البنود الأمنية الواردة في اتفاق أوسلو وما بني عليه من اتفاقات مثل اتفاقية طابا، وعلى ما ورد في خريطة الطريق. تقضي خريطة الطريق بضرورة قيام السلطة الفلسطينية بمهام أمنية مثل تجريد المقاومة الفلسطينية من السلاح وملاحقة المقاومين، وتدمير البنى التحتية للإرهاب. وعلى ذلك، يجب دعم السلطة الفلسطينية ماليا وتسليحا وتجهيزا لكي تتمكن من القيام بالمهام المطلوبة منها.

هذا أمر ليس غريبا حيث قامت السلطة الفلسطينية منذ عدة سنوات باعتقال فلسطينيين وزجتهم بالسجون، وأفشلت عمليات عسكرية لفصائل فلسطينية، واستولت على مواقع قالت إنها مخصصة لصناعة المتفجرات أو تستعمل نزليا (لوجستيا) من قبل مقاومين فلسطينيين. مطلوب من السلطة الآن تجديد النشاط ولكن بصورة أكثر قوة وعنفا.

ولد هذا السلوك من قبل السلطة الكثير من الكراهية والبغضاء في المجتمع الفلسطيني وصنع الأحقاد التي يتم التعبير عنها بوسائل وأساليب مختلفة. ووصل الحد إلى درجة الاقتتال الفلسطيني، وقتل مئات الفلسطينيين. لقد دفع الشعب الفلسطيني ثمنا باهظا جدا في محاولة السلطة تطبيق الشق الأمني من الاتفاقيات المبرمة، وقد فاق الضرر أي فائدة يمكن جنيها من هذا التطبيق. مات الفلسطينيون ولم تتولد في القضية الفلسطينية حياة. تذبل فلسطين مع كل خصام فلسطيني داخلي.

المفروض أن يشكل الماضي عبرا للجميع لكي يُستفاد منها. أثبت الزمن أن المقاومة الفلسطينية تأخذ أشكالا مختلفة وفق ظروف المرحلة، وأن كل محاولات القضاء على المقاومة سواء من قبل إسرائيل أو الأنظمة العربية أو السلطة الفلسطينية قد فشلت. الشعب الفلسطيني مشرد وواقع تحت الاحتلال، والمنطق التاريخي يؤكد أن أعمال العنف ضد القوة المحتلة ستستمر مهما كانت عظمة وجبروت الجهات المقابلة. ليس من المتوقع إطلاقا أن تنتهي المقاومة الفلسطينية تحت وطأة الضربات، وكل من يظن غير ذلك لن يحصد غير الخيبة.

لا ألمح هنا بأن المقاومة الفلسطينية مستعرة وقوية، لكنني أقول إن فكرة المقاومة ستبقى قائمة، وإن محاولة القضاء على المقاومة مهما كانت ضعيفة لن تنجح. جربت دول كثيرة مارست الاستعمار والاحتلال هذا، ولم تنجح.

فشلت السلطة الفلسطينية في جولتها السابقة ضد المقاومة، ولا يوجد الآن أي سبب يدفعنا إلى الظن بأنها ستنجح. وضعت السلطة الفلسطينية نفسها في السابق موضع الشك، وهي الآن تضع نفسها في ذات الخانة. إنها تحاول تغطية رغبات دايتون الآن بمحاربة الفلتان الأمني الذي صنعته هي، ولكي تكسب ود الناس. لكن ماذا بعد القضاء على الفلتان؟ نحن نستطيع القضاء على الفلتان بدون "عبقرية" دايتون، والمسألة تحتاج فقط إلى جهود بسيطة من قبل السلطة وبعض التحرك الشعبي المنظم الذي يمكن أن ترعاه السلطة. أما استعمال الحرب على الفلتان من أجل تبرير جمع السلاح من أيدي حماس والجهاد والمقاومين من شهداء الأقصى فلن يجدي السلطة نفعا، وسيرتد عليها.

كان من الأولى للسلطة الفلسطينية أن تتعلم من تجربة غزة، وأنا أقول لمن يحملون لواءها الآن بأن استمرار الجري وراء دايتون سينتهي بهم مشردين خارج البلاد، ولن يلتفت إليهم عندئذ دايتون ولن يقدم الإسعاف. الحل الأمثل هو أن نعود إلى أنفسنا لنفكر معا بمعزل عن أمريكا وإسرائيل، وأنا واثق بأننا قادرون على إيجاد المعادلات التي تمكننا من التغلب على الأزمة.

سبق أن تم نصحكم مرارا وتكرارا منذ مؤتمر الجزائر عام 1988 مرورا بمدريد وأوسلو، ولم تستمعوا لنصيحة. ورطتم أنفسكم ومعكم الشعب الفلسطيني، وأدخلتم زناة عملاء ساقطين يخدمون أعداءنا إلى مخادعنا. نرجو أن تدركوا أن نصيحة الفلسطيني تبقى أهلية مهما كانت ساذجة، أما مواعظ دايتون وأشكاله وزبائنهم من الفلسطينيين والعرب لن تكون إلا وبالا على رؤوس الجميع. "

No comments: