Tuesday, October 9, 2007

سياسة طحن الماء ومؤتمر الخريف


A Very Good Article (Arabic)

عبد الستار قاسم

".....
ما يجري من نشاطات مستمرة وحثيثة أشبه ما يكون بطحن الماء. هناك رذاذ يتطاير لكننا لا نرى طحينا من أي نوع. تدور الأيام، وتلف العجلات، لكن الحمْل كاذب، والطحين بعيد المنال. مرت أربعون سنة على احتلال عام 1967، وذات المشهد يتكرر ويتجدد بأشكال وألوان مختلفة، لكنه يبقى في جوهره واحدا.
واضح أن أميركا وإسرائيل تتسليان، وتلهيان العرب وبالتحديد الفلسطينيين بالوعود البراقة التي لا تحمل غير اللمعان. إنهما تطبخان الحجارة الصلدة، ويجلس العرب بعيدا ينتظرون الطبق اللذيذ؛ والانتظار يطول.
.....
وإذا كانت أميركا تحقق نجاحا بطحن الماء، فإنه من الغباء السياسي أن تجرب أسلوبا آخر. العرب لا يتمردون، ولا يتذمرون، ويشاركون في ترتيب المؤتمرات ويشجعون أحيانا على عقدها، وهم راغبون في صناعة الوَهَم لأنفسهم وشعوبهم.


ترى أميركا وإسرائيل أن سقف المطالب العربية يهبط مع الزمن، وما هو مطلوب عربيا الآن لن يكون هو المطلوب بعد عام أو بعد غد. أطلق العرب عام 1967 "اللاآت الثلاث"، لكنهم لم يصبروا حتى قبلوا قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي يدعو إلى اعتراف متبادل بين دول المنطقة.

أصروا على عدم التفاوض المباشر مع إسرائيل، لكنهم ذهبوا بعباءاتهم العربية إلى مدريد عام 1991؛ وقالوا إنهم لن يعترفوا أبدا بإسرائيل، فإذا بهم يتسابقون على الاعتراف.

فإذا كانت سيرة العرب هي عدم الصمود، وعدم الإصرار على الموقف والدفاع عنه، والقبول اليوم بما كان مرفوضا بالأمس، فلماذا تقدم أميركا وإسرائيل لهم شيئا؟.
....
وصل الحد بالقيادة الفلسطينية إلى توظيف أجهزة أمنية لملاحقة من يسمون الإرهابيين، وإلى الافتخار بإنجازات السلطة في تفكيك خلايا المقاومة وضبط مواقع تصنيع المتفجرات.

اللقاءات أصبحت متواصلة مع القيادات الإسرائيلية، ونشاطات التطبيع أصبحت مألوفة على مختلف المستويات الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. فإذا كان بالإمكان وصول السقف الفلسطيني إلى هذا الحد من الهبوط، فإنه يبقى قابلا للمزيد من الانخفاض.

واضح أن الرهان على الزمن من ناحية الإسرائيليين والأميركيين رابح جدا، وأن المزيد من الرهان يأتي، تاريخيا، بنتائج إيجابية. وبات واضحا تماما أمام الإسرائيليين أن ما يرفضه الفلسطينيون اليوم يقبلونه غدا، وأنه من سلامة التكتيك أن يطرحوا أفكارا جديدة باستمرار ليتراجعوا عنها بعدما يقبلها الفلسطينيون.
.....
وإذا كانت الحالة كما هي عليه من تراجعات، فالاعتماد على الزمن يصبح ركنا أساسيا في السياسة الأميركية والإسرائيلية؛ وإذا كان طحن الماء يلهي العرب والفلسطينيين ويعطيهم مبررا أمام شعوبهم للاستمرار في الجري وراء المبادرات والمؤتمرات فإن الماء كثير.

اعتادت أميركا وإسرائيل على العرب وهم يعودون إلى تجربة ما جربوه من قبل وبنفس الطريقة وعلى ذات الدرب الذي فشل. العرب وبالتحديد الفلسطينيون يكررون تجربة التجارب الفاشلة، ويخلقون لأنفسهم الذرائع والمبررات التي تجمّل أعمالهم أمام شعوبهم.
......
....."

No comments: