Friday, September 18, 2009

هل يغفر لنا الله؟


A Very Good Comment (in Arabic) by Egyptian Journalist and Opposition Leader

Abdul-Halim Qandil

هل يغفر لنا الله؟
عبد الحليم قنديل


"لا نريد أن نصدم أحدا، ولا أن نسيء إلى المشاعر الدينية للمسلمين، ونحن منهم، بل نرنو إلى لحظة عظة وتدبر.
ولا يخالجنا أدنى شك في أن أغلب هذه الأمة صامت وصلت وقامت وأفطرت على ظن طاعة الله ورسوله، وأدت زكاة عيد الفطر قبل أن تشرق شمسه.
وربما لا يخالجنا شك ـ في المقابل ـ في أنه لن تقبل لها صلاة ولا صيام ولا زكاة، وأنها أمة منكوبة روحيا، لا يغتفر الله لعصاتها، ولا يستجيب لتقاتها، والسبب في اعتقادنا المتشائم بسيط، وشرحه في هذا الفصام النكد بين فرائض المسلمين التي تؤدي آليا، وواقع المسلمين الذي يتدهور ذاتيا.
إذهب إلى أي بلد عربي أو إسلامي، ولن تجد لسنة الخلق تبديلا، المساجد ممتلئة عن آخرها، والساحات مفتوحة على مدد الشوف لأداء صلاة العيد، والزينات والأنوار معلقة وبالألوان، وبقايا موائد الرحمن على الأرصفة وفي الفنادق الكبرى والصغرى، وصيحات المآذن متلاطمة، وكأنك أمام جماعة من التقاة أخلصت لوجه لله، بينما لا دليل واحدا يصدق القول بالعمل، فصيحة 'الله أكبر' تملأ الدنيا من حولك، بينما الذين يطلقونها في حال آخر، وأقرب إلى قطيع من الأغنام، يدعون الخوف من الله وحده، بينما قلوبهم غلف، ويخافون ـ حقا ـ من سلاطين وحكام جرى فرضهم على الرقاب، يموتون في جلودهم خيفة أن يقولوا 'لا'، بينما الظلم يحكم ويعظ ، وبينما وجود الحكام في ذاته ذروة الظلم، فلا يوجد حاكم في بلد عربي واحد ـ ربما باستثناء موريتانيا ـ جرى انتخابه بطريقة ديمقراطية مقبولة، وقد تتعدد أوصاف الحكام، فهنا ملك وهنا أمير وهنا رئيس في وضع الملك، كلهم يحكمون بالحق العائلي، وكأننا خلقنا لهم ميراثا ومتاعا، فوجودهم في ذاته مخالف لشرع الله وشريعة الناس، بينما الناس الصائمون القانتون المصلون كأنهم أصيبوا بالخرس، يسكنهم الرعب، ويخشون المعارضة، إذا قامت مظاهرة عدوها جنونا، وإذا سمعوا عن إضراب حسبوه بطرا وكفرانا بنعمة السيد الحاكم، وإذا دعوتهم إلى نفرة تثاقلوا إلى الأرض، وإذا قال لهم كاتب : مالكم كيف تقعدون ؟، قالوا : هذا ماوجدنا عليه آباءنا، وإنا لأحذية السلاطين عابدون، وإذهب أنت وصحبك فقاتلا، إنا هاهنا نائمون (!)، فهل تكون هذه حالنا، ونزعم أننا مسلمون ؟!، نعبد الواحد القهار، ولا نخشى من دونه، وهم في غيهم سادرون، يعبدون الحاكم القهار، وإن لهجت ألسنتهم بذكر الله، يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، يخادعون أنفسهم، ويكذبون على الله، هكذا يسلك العوام ويسلك المشايخ أيضا، يحدثونك عن سيرة النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وعن ظلم قومه من ذوي القربى، وعن هجرته إلى الحق، بينـــما هم يوالون الباطل، ويختمون الأدعيــــة والفتاوى بطلب طول العمر للسلطان، ويصدمون عينيك وأذنيـــك في كل اتجاه، فهم على منابر المساجد، وفي صلوات الجمعة والأعياد، وفي الفضائيات التي ينفق عليها سلاطين البتــــرول، ويملأون ساعات الإرسال والاستقبال بكلام معاد ومكرور، يحــــدثونك عن الصـــدر الأول للإسلام، وينسون البطن الأخــــير، ويدعون أنهم يقاومون الكــفر، وليست مصادفة أن هؤلاء الذين يمولون فضائيات المشايخ، ويضيفون فضائيات الفتـــنة الدينية، وينشرون الفرقة بين مسلمين شيعة ومسلمين سنة، وبين المسلمين وأهل الكتاب من المسيحيين العرب بالذات، ليست مصادفة أن هؤلاء الذين ينفقون المال لخدمة دين الطاعة والتسليم للحكام، هم أنفسهم الذين يمولون فضائيات الفيديو كليب وهز البطن وتأوهات الليل وآخره، ورغم تناقض الذقون الكثيفة في جانب، ومسابقات التعري على الجانب الآخر، فالعملية واحدة، والهدف هو ذاته، والنتيجة هي الإلهاء عن واجب الوقت بدين الوقت أو بفتنة الوقت.
ثم ماذا تفيد ـ والحال كالحال ـ صلاتنا وصيامنا وقيامنا وإفطارنا؟، ماذا يعني انخلاع الطقس عن النفس ؟ في المأثور الإسلامي عبارة فريدة، وهي إعمل لآخرتك كأنك تموت غدا، واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، فالآخرة في الإسلام ليست على هذا الانفصال والفصام النكد مع الحياة الدنيا، والدنيا في الإسلام هي مزرعة الآخرة، والقيم الإسلامية الكبرى كالتوحيد والعدالة والمساواة وأولوية المصلحة والجماعة، كلها ليست كلمات نتغنى بها والسلام، بل عمارة نقيم بها الحياة الدنيا على الصورة التي يريدها الله، والأمر بالمعروف هو سنة الله، وليس الصلاة والصيام مع موالاة المنكر، فلا صلاة ولا صياما يقبل ممن يوالي أو يسكت عن السرقات العامة، ونظم دنيانا السياسية والاقتصادية ـ أنى نظرت ـ تسرقنا جهارا نهارا، كلها نظم سرقة بالإكراه، تضع يدها في جيبك، وتشهر في وجهك مطواة قرن غزال، تماما كقطاع الطرق، وقد تلحظ أن هذه النظم في حال الانتفاخ ذاته، وأيا ما كان اسمها ورسمها، انتفاخ بالمال وانتفاخ بالسلاح، انتفاخ بالنهب العام، وانتفاخ بالكبت العام، تريليونات الدولارات في جيب الحاكم وأهله وحاشيته ومحاسيبه ومحازبيه، وخازوق أمني متضخم متورم يجلس الحاكم على قمته، تريدون مثالا ؟، لا أحدثكم بما تعرفون عن حكام البترول وتريليوناتهم المتسكعة في مصارف أوروبا وأمريكا، وعن القصور والجواري وخصيان العصر من مشايخ الإسلام وأزلام الإعلام، وتلك ظاهرة فاشية في البلدان الافقر بعد البلدان الأغنى بمصادفات البترول، خذوا عندكم ـ مثلا ـ بلدا كمصر، وهي أكبر دولة عربية، وحاضرة العالم الإسلامي بامتياز، وهي بلد محدود الموارد، ولا نهاية للسرقات العامة فيه، والنتيجة : أن تحولت مصر إلى سكن لأفقر شعب، وإلى محط لأغنى طبقة في المنطقة، فطبقة أمراء مصر الجدد أغنى من طبقة أمراء الخليج، طبقة أمراء الخليج هبة البترول، وطبقة أمراء مصر الجدد هي هبة الأرض، وبفوائض المال الحرام تشتري الصحف والفضائيات والمشايخ أيضا، وفي مصر المسروقة ـ أيضا ـ أزهر وشيخه ومفتي وطبقة رجال دين أثقل من الهم على القلب، ومساجد لاتفرغ من روادها، وبصورة قد لاتصادفك في بلد إسلامي آخر، المشكلة : أن التدين الظاهر قد تحول إلى بضاعة مضافة لخزائن السرقات العامة، فالمشايخ إما يسكتون أو يمالئون، والناس يصلون ويرتشون بالسلاسة نفسها، يذهبون إلى صلاة الفجر 'حاضر'، ويفتحون الأدراج والجيوب لتلقى الرشاوى عند صلاة الظهر، وينهضون إلى صلاة العيد كأنهم ذاهبون للقاء الله، والله برئ منهم ومما يفعلون، وقس على ما يجري في مصر ما يجري في غيرها.
نعم، هذه أمة لا يغـــتفر الله لمذنبــــيها، وهم غالب أهلها الآن، فالله الرحمن الرحيم يغفر كل ذنــــب إلا أن يشــــرك به، وقد أشرك هؤلاء حكامهم الظالمين السارقين في الطاعــــة والعـــبودية، واتخذوا من أمريكا وإسرائيل أربابا مع الله أو من دونــــه، فهل يقبــــل الله صــلاة أو صياما ممن يحالفون إسرائيل ويتبعون هوى أمريكا ؟، هل يقــبل الله عبادة ممن سلوا صيامهم بلقاء قادة إسرائيل؟، ويقيــمون معهم علاقات المودة، ويتبادلون السفراء، ويوقعون الاتفــــاقات، ويدفعون جزية البترول والغاز، ويحاصرون أهلنا في فلسطين، ويسكتون عن تهويد القدس، وهل يقبل الله صلاة أو صــــياما ممن يسكــتون عن خيانات الحكام ؟، وهل يكفي الدعاء ؟ وماذا نقول لله يوم نلاقيه ؟ هل نقول أننا وجدنا حكامنا على أمة، وإنا على آثارهم لمقتدون؟ !، لو كنا نعبد الله حقا، ولو كانت صلاتنا له تحررنا حقا من قعودنا وهواننا، لو كنا كذلك، لتحولنا من قطيع قرود إلى أمة من الناس الأحرار، وتحولت صلواتنا إلى تظاهرات براءة من ظلم وسرقة وخيانات الحكام، وتحولت مساجدنا إلى ملاذات إعتصام بكلمة الله إلى يوم يرحلون، وحمتنا خشية الله من خشية الحكام.
ولأننا لانفعل، فقد حق علينا غضب الله، وانقطع عنا رجاء المغفرة، وذهب ثواب صلاتنا وصيامنا، وتقطعت أنفاسنا في سباق إلى عذاب جهنم لا إلى نعيم الجنة.
"

No comments: