Thursday, July 5, 2007
نداء إلى محمود درويش
*جوزيف مسعد
"مفردات العصر الأميركي الجديد مبنيّة على ثنائيات تعريفية، تبدأ بثنائية الحضارة والبربرية وتمتد لثنائية «المعتدلين» و«المتطرفين».
هذه الفلسفة التصنيفية ليست بجديدة على «القرن الأميركي»، فما زلنا نذكر الفرق النوعي الذي أصر عليه رونالد ريغان وأيديولوجيّوه، بين الديكتاتوريات «السلطوية» الحليفة لأميركا والديكتاتوريات «الشموليّة» المعادية لها. فالصراع بالنسبة إلى أميركا ليس بين الديموقراطية والديكتاتورية، بل بين الديكتاتوريات الموالية والخاضعة للمصالح الأميركية والديكتاتوريات والديموقراطيات المقاومة لها.
فقد جيَّرت المجموعة المهيمنة من المثقفين العرب المدّعين العلمانية هذه الثنائيات لخدمتها، واقترضت من أميركا استراتيجيّاتها البيانية لدحض حجج أعدائها. فنحن اليوم لسنا أمام صراع وطني بين من ينادي بالديموقراطية في البلاد العربية ومن يعزّز الديكتاتورية، بل صراعنا الحسم، حسب مثقّفينا هؤلاء، هو بين «العلمانيين» و«الإسلاميين».
فها هو شاعر فلسطين العلماني، محمود درويش، الذي لم يتفوّه ببنت شفة ضدّ الفظائع التي ارتكبتها وترتكبها «فتح» ضد الشعب الفلسطيني تحت قيادة عرفات وخلفائه، يطلّ علينا بقصيدة (؟) على الصفحة الأولى من جريدة الحياة السعودية، يشبّه فيها إسماعيل هنيّة بأبي سفيان (وكأن قيادة «فتح» أصبحت تمثّل رسول الإسلام بذاته!). ويدين الثقافة العربية الإسلامية التي برز العِلم فيها في ساحات مساجدها عبر العصور لعدم تفريقها ما بين «الجامع والجامعة»، متخذاً تاريخ أوروبا «العلماني» مثالاً يريد لنا أن نحتذي به، متشرباً فكر «عصر الأنوار» الأوروبي، ومتناسياً أن هذا الفكر «التنويري» هو الفكر المؤسّس للعنصرية والكولونيالية الأوروبية، ولعلمانية طالما كانت ملتصقة بالفكر الإمبريالي المسيحي الذي حول المسيحية بفلسفتها ومبادئها إلى «علمانية»، وأخرجها من تصنيف الدين، في الوقت الذي أصر فيه على إبقاء اليهودية والإسلام كأديان نقيضة لمسيحيته المعلمنة.
فالضفة وغزة لم تقبعا في «أقبية الظلام» تحت الاحتلال الإسرائيلي وحكم سلطة عملائه، بل هي غزّة الآن، التي أصبحت تحت حكم «حماس» الديموقراطي، تقبع في «أقبية الظلام».
لقد فات شاعرنا العظيم ملاحظة أن قوى «الظلام» الإسلامية هي من يدافع ويحمي الديموقراطية الفلسطينية (على الأقلّ بالمفهوم العمليّ للديموقراطية)، بينما تغرقنا «فتح» وعلمانيّتها المزعومة في ظلام الديكتاتورية العميلة مع الاحتلال، نظريةً وممارسةً. أي تناقض صارخ هذا الذي يدافع فيه شاعر علمانيّ عن حكم عملاء الاحتلال، ويدين فيه الدفاع عن الديموقراطية!
حسب شاعرنا الموقّر، أن النضـــــــــال الحالي ليس نضال التحرير ضد الاحتلال أو نضـــــــــــال الديمــــوقراطية ضد الديكتاتورية، بل هو نضال نور «فتح» الديكتاتوري ضد ظلام «حماس» الديموقراطـــــــي. فما يغيظ شاعرنا ليس الأصوليّين، «فهم مؤمنون عــــــــلى طريقتهم الخاصة، ولكن يغيظني أنصارهم العلمانيون وأنصارهم الملحدون...».
يا شاعرنا المبجّل، نحن لا نريد أن نغيظك البتة، فإن أنصار «حماس» من الملحدين والمؤمنين ومن العلمانيين والإسلاميين هم أنصار الديموقراطية الفلسطينية الحقة، لأن نضال هؤلاء هو النضال ضد الديكتاتورية العميلة (بالمفهوم القانوني للعمالة).
أما العلمانيون المؤازرون للديكتاتورية والفكر الكولونيالي فهمّهم الأكبر هو حياة الرفاهية التي تؤمّنها لهم عمالة «فتح» وفسادها وسرقاتها لأموال الشعب الفلسطيني لتمتيع قياداتها ومثقفيها.
نحن ندعو شاعرنا العظيم وأنصاره العلمانيين المنتشرين في الإعلام العربي، العلمانيّ الزعم والسلفيّ التمويل، أن يعودوا إلى ما كانوا عليه قبل استسلام أوسلو: مثقّفين ضد السلطة، لا مثقفين يدافعون عنها. فالنضال الآنيّ هو نضال التحرير الديموقراطي ضد ظلامية الاحتلال والفساد والديكتاتورية الخاضعة لمصالح أميركا. فهل أنت معنا؟"
* أستاذ السياسة والفكر العربي الحديث في جامعة كولومبيا في نيويورك
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment