Monday, August 3, 2009



'حزب الله' قضية أمة
عبد الحليم قنديل

"صحيح أن حزب الله لبناني بامتياز، لكن سلاح الحزب ومقاومته الفريدة قضية الأمة كلها، وقد نثق بقدرة رجال حزب الله وقادته، وحكمتهم ووعيهم وانضباطهم، وحسن إدراكهم، وكفاءتهم في التفاعل المؤثر مع شباك الغابة اللبنانية، وإنجازاتهم الملحوظة في تغيير بيئة لبنان الداخلية، وصياغة تفاهم مبكر مع كتلة العماد ميشال عون الزعيم المسيحي الأكثر شعبية، ومد سبل حوار ساهمت ـ مع مؤثرات أخرى ـ في تحسين مواقف وليد جنبلاط زعيم الدروز، وتجنب مزيد من الشحن الطائفي في أوساط السنة ضد حزب الله الشيعي، وإقامة جسور وصل مع سعد الحريري الذي انتهت له قيادة السنة ببركة المال السعودي، والحرص على علاقة مميزة مع الجيش اللبناني، والذي تحول ـ على ضعف تجهيزاته ـ إلى مؤسسة وطنية جامعة، ومصنع لتخريج رؤساء جمهورية محالفين للمقاومة من نوع العماد إميل لحود والرئيس الحالي العماد ميشال سليمان. لكن البيئة اللبنانية الداخلية ـ مع ذلك ـ لا تخلو من عناصر شغب على حزب الله وسلاحه، ففي أوساط المسيحيين تبرز ظاهرة البطريرك صفير، وبعيدا عن مقامه الديني المحفوظ، فإن أداء الرجل ـ السياسي ـ ضد حزب الله وسلاحه في المحصلة العامة، وهو ما يسند مواقف أسوأ لقادة مسيحيين من نوع أمين الجميل زعيم الكتائب وسمير جعجع زعيم القوات اللبنانية، وفي أوساط السنة، وهي الطائفة التي كانت يوما أقوى سند لعروبة لبنان ودعم المقاومة الفلسطينية، يبدو الشحن متصلا ضد حزب الله على قاعدة طائفية، ويلعب المال السعودي أخطر الأدوار، وتوضع الطائفة كلها تحت رعاية النظامين السعودي والمصري، ويجري تصوير حزب الله كما لو كان مجرد ذراع مسلح لإيران، وكخطر وارد على السنة في كوابيس حرب طائفية يروجون لها، وبتضخيم متعمد لحوادث 7 ايار(مايو) 2008، حين اضطر حزب الله للتلويح بسلاحه لحكومة السنيورة وتيار الحريري، وعلى سبيل تأمين شبكة اتصالاته السرية التي كان يراد انتهاكها، وهكذا يجري تصوير حزب الله وسلاحه، وجعل القصة كلها بندا مزمنا على 'مائدة الحوار الوطني ' برعاية الرئيس، او في سياق استراتيجية دفاع لا يجري الاتفاق عليها أبدا، ويجري إنهاك حزب الله في الدفاع عن سلاحه كما لو كانت تلك هي تهمته الأبدية (!).

وبالطبع، لاتبدو تصرفات الأطراف اللبنانية المعنية لبنانية بالمعنى المفهوم، فلبنان ساحة مفتوحة لتأثيرات إقليمية ودوليه، وتحالف 14 آذار ـ الذي يتفكك الآن ـ هو مجرد قطب لاقط لرغبات أمريكية تنهض السعودية ومصر للعمل بمقتضاها، وغايتها ببساطة: نزع سلاح حزب الله، وفي الحد الأدنى : تقييد استخدامه ضد إسرائيل، فقد لقيت إسرائيل الهزيمة المريرة مرتين على يد رجال حزب الله، مرة في حرب التحرير التي انتهت لخروج إسرائيل ذليلة من الجنوب اللبناني، وبلا قيد ولا شرط، او اتفاقية سلام أو تطبيع، ثم جاءت الهزيمة الثانية في حرب صيف 2006، والتي دكت نظرية الأمن الإسرائيلي وجعلتها حطاما، ونقلت النيران المشتعلة إلى قلب التجمع الاغتصابي الإسرائيلي، وجعلت حزب الله أكبر خطر وجودي يتهدد إسرائيل منذ قيامها، وهو ما يعني أن قضية حزب الله أكبر من لبنان كله، فقد كان لبنان أضعف نقطة على خط المواجهة مع إسرائيل، وكان يقال دائما أن قوة لبنان في ضعفه، ومع نمو ظاهرة حزب الله، تحولت الموازين كلها، وصار لبنان هو الأقوى عربيا، وبقوة حزب الله في الأساس، ففي حرب 1967 كانت تروى عن جنرال إسرائيلي حكاية أشبه بالنكتة، كان يقول : لقد جهزنا كذا فرقة عسكرية للحرب مع مصر، وكذا فرقة للحرب مع سورية، وكذا فرقة للحرب مع الأردن، وحين سئل عن لبنان، ضحك وقال : أما لبنان فقد جهزنا له فرقة موسيقية !، وبعد عقود قليلة، تغير الموقف الاستراتيجي جذريا، وأصبح الخطر الأعظم على إسرائيل يأتي من لبنان، وبعد أن كان الخطر الأعظم يأتي من مصر التي تحولت ـ للأسف ـ إلى حليف استراتيجي لإسرائيل (!)
ومع كامل الاحترام ـ أو عدم الاحترام ـ لزعامات لبنان وأقطابه وبيوت الإقطاع السياسي فيه، فقد يصح أن نقول لهم : ارفعوا أيديكم عن سلاح حزب الله، وتوقفوا عن العبث الذي لا معنى له، وعن ترديد الاسطوانات المشروخة، ومن نوع حقوق 'اليونيفيل' والقرار 1701 وتهريب السلاح لحزب الله، فهذه كلها أساليب وحيل صغيرة، ولن تنتهي إلى شيء مما يريدون، فالحقائق على الأرض تبقى هي الأقوى والأبلغ تأثيرا، والحقيقة الناطقة تقول : أن جيش حزب الله هو جيش العرب المستعد لقتال إسرائيل، وأن سلاحه مقدس بقداسة غايته، ولا يصح أن يكون موضعا لنقاش ولا لجدال، فقد كان حزب الله هو الجماعة المؤسسة لمقاومة عربية من نوع مختلف، مقاومة بدأت بثقاقة الاستشهاد، وطورت أساليبها في ميادين القتال، وبنت تكنولوجيا ملائمة بوجوه الدعم التي أتيحت لها، وفي الثلاثين سنة الأخيرة، لم تتحرر قطعة أرض عربية بغير سلاح المقاومة الجديدة، جرى ذلك في تحرير الجنوب اللبناني، ثم انتقلت الشعلة إلى فلسطين في حرب الانتفاضة الثانية، ونجحت المقاومة الجديدة في إجبار إسرائيل على الخروج من غزة وتفكيك مستوطناتها، ثم أثبتت هذه المقاومة ذاتها مقدرتها على الصمود والتحدي في حرب غزة الأخيرة، وإذا كان الدعم الإيراني موصولا للمقاومة في لبنان وفلسطين، فإن الدعم ذاته تخلف في حالة المقاومة العراقية، بل ولعبت إيران ـ وتلعب ـ أدوارا غاية في السوء على جبهة العراق، ومع ذلك بدت المقاومة العراقية للاحتلال الأمريكي أسطورية، وبنسخة عربية عبقرية تضاف لعبقريات حزب الله والمقاومة الفلسطينية.
لا نقول ذلك دفاعا عن حزب الله، فهو الذي يدافع عنا ويرهب إسرائيل، ليس فقط على جبهة لبنان، بل في العمق الفلسطيني، وعلى جبهة مصر أيضا، والتي ابتليت بنظام جعل الأمن المصري في خدمة إسرائيل، ويحاكم ما يسمى ' خلية حزب الله ' أمام محكمة استثنائية، وبتهمة توريد السلاح للفلسطينيين في غزة، وهي تهمة مشرفة لحزب الله، وللمتهمين وهم مصريون في غالبهم، ونظن أن القوى الوطنية في مصر، والمحامين الوطنيين، سوف يشكلون جبهة دفاع عن المتهمين الأبطال، فشرف مصر الأسيرة من شرف حزب الله المقاوم.
نعم، حزب الله قضية أمة، وليس قضية طائفة ولا قطر بذاته، وجغرافيا حزب الله ليست محصورة بالجنوب اللبناني، بل على خرائط قلوبنا جميعا.
"

No comments: