معقل زهور عدي
أضاف نشر جريدة الصندي تايمز بتاريخ 8/1/2007 لتقرير حول خطة عسكرية اسرائيلية يجري وضع اللمسات الأخيرة لها لضرب مجمعات الطاقة النووية في ايران مؤشرا جديدا حول تصاعد المواجهة بين الولايات المتحدة واسرائيل من جهة وايران من جهة أخرى وتمحور تلك المواجهة حول مسألة تقدم ايران نحو امتلاك أسلحة نووية.
ورغم الخلاف في النظرة بين السياستين الأمريكية والاسرائيلية تجاه ايران حيث تنظر السياسة الأمريكية الى الوضع في المنطقة من زاوية مصالحها الاستراتيجية خاصة في السيطرة على النفط ومنع الدولة الايرانية من تكوين قوة اقليمية تضع مسألة السيطرة المطلقة على النفط موضع تساؤل أو مساومة، تنظر السياسة الاسرائيلية الى القوة الايرانية الصاعدة كخطر مستقبلي لمنافسة في منطقة باتت اسرائيل تعتبرها مجالها الحيوي كقوة اقليمية، فالمسألة بالنسبة لاسرائيل لا تقتصر على احساسها بالخطر من استعمال السلاح النووي ضدها ولكنها تندرج في اطار ما يضيفه امتلاك السلاح النووي من قوة لايران تمكنها من الدخول بقوة كمنافس استراتيجي للقوة الاسرائيلية المتفوقة في منطقة شرق المتوسط.
اذن فنحن على الأغلب قد انتهينا من مرحلة الحوار الايراني ـ الأمريكي ودخلنا مرحلة المواجهة بدءا بتصعيد العقوبات الدولية وحشد الرأي العام ضد ايران، وصولا نحو الضربة العسكرية الشاملة.
وفي حين يصعب أن لايشعر المرء بالتعاطف مع ايران المستهدفة اسرائيليا وأمريكيا، فان من المناسب دق ناقوس الخطر للسياسة الايرانية التي كشفت ايران على نحو غير مسبوق في العالمين العربي والاسلامي، بحيث تكاد ايران تفقد حاضنتها الطبيعية ومصدر دعمها الحقيقي في أي مواجهة مقبلة.
لقد ابتدأت أخطاء السياسة الايرانية تتراكم منذ وقت طويل، وتجلى ذلك بتمكين الولايات المتحدة ومساعدتها في احتلال أفغانستان ثم العراق، ثم في انتهاج سياسة غير رشيدة تجاه العراق دافعة حلفاءها العراقيين للتحالف مع الاحتلال الأمريكي بهدف تثبيت سيطرتهم على العراق وافساح المجال بالتالي أمام النفوذ الايراني للتغلغل بطريقة أسفرت عن اثارة حفيظة المشاعر الوطنية للعراقيين. وبعد أن شعرت ايران أنها باتت تمتلك الورقة العراقية استدارت نحو الولايات المتحدة عارضة عليها المساومة مقابل غض النظر عن امتلاك السلاح النووي والاعتراف بايران قوة اقليمية وشريك في المنطقة(يمكن مراجعة حديث السيد على لارجاني يوم الخميس في 16/3/2006 والذي قال فيه حرفيا وفقا لجريدة الواشنطن بوست (حيث ان السيد الحكيم أحد القيادات المؤثرة في العراق قد طلب منا الحوار مع الأمريكيين فيما يتعلق بمستقبل العراق لذلك وافقنا على الحوار). و يقول السيد علي لارجاني سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني : (بامكاننا خلق الاستقرار والأمن في الأقليم ولكن ليس عبر لغة كلغة السيد بولتون (مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة آنذاك) ما هو مطلوب أناس يتمتعون بقدر كاف من الحساسية والتقدير بحيث يستطيعون التفكير بخطة طويلة الأجل) وبترجمة كلام السيد لارجاني للغة أكثر وضوحا فهو يقول للأمريكان : لسنا ضد استراتيجيتكم في المنطقة، ولكننا نحتاج الى من يقدر طموح ايران ودورها الاقليمي، وحين يتوفر لديكم ذلك المحاور فسنصل بالتأكيد للتفاهم المطلوب.
اليوم وصلت تلك السياسة الى حافة الافلاس، ويظهر سياق تطور المواجهة بين ايران والولايات المتحدة واسرائيل مدى قصر النظر الذي تمتعت به تلك السياسة وابتعادها عن العقلانية.
فالولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن أن تقبل بقوة اقليمية تشاركها في أهم منطقة نفطية في العالم، وهي أكثر اصرارا على ذلك اليوم مما كانت عليه عشية الحرب على العراق، بعد أن استثمرت في الحرب على العراق مئات المليارات من الدولارات (يتراوح الرقم بين 300 – 500 مليار دولار) وعشرات الألوف من القتلى والجرحى، لقد ساهمت السياسة الايرانية غير الحكيمة في ادخال الدب الى الكرم بينما كانت تتعالى الصرخات ضد الشيطان الأكبر في طهران.
والخطأ الآخر الذي لا يقل أهمية هو الاساءة لمشاعر الوطنيين العراقيين ولمشاعر العرب في موقفها غير المبرر في دعم وتمكين قوى الاحتلال ودفع حلفائها بعيدا عن خط المقاومة، وغض النظر عن الممارسات الوحشية للميليشيات المحسوبة عليها.
لقد أسفرت السياسة الايرانية عن فشل مزدوج فلا هي تمكنت من اقناع الولايات المتحدة بالاعتراف بدورها الاقليمي كما تطمح اليه وغض النظر عن برنامجها النووي، ولا هي استطاعت استقطاب تعاطف ودعم الشعوب العربية والاسلامية بسياساتها المتقلبة وغير المبدئية.
لقد شعرت بحزن وألم عميقين وأنا أتصفح تعليقات الجمهور العربي في الصحافة الالكترونية على التقرير الذي نشرته الصندي تايمز بقرب ضربة عسكرية اسرائيلية لايران، تلك التعليقات التي لا تظهر أي قدر من التعاطف والتضامن المفترضين.
في النهاية لا يمكن النظر لايران كقوة عدوة بل لا بد من النظر اليها كحليف استراتيجي للأمة العربية، ولا يمكن مقاربة وضعها بأية صورة بوضع قوى الهيمنة الأمريكية والصهيونية، وأية محاولة لذلك تعني عدم معرفة العدو من الصديق والعمى الاستراتيجي.
في اللحظة الراهنة تستثمر الولايات المتحدة ليس فقط في الخلافات المذهبية للحشد ضد ايران تمهيدا لضربها ولكن أيضا في أخطاء السياسة الايرانية ذاتها خلال المرحلة السابقة.
هل هناك متسع من الوقت للسياسة الايرانية لتصحيح أخطائها؟
على أية حال ما هو مطلوب من ايران أن توقف الاعمال الوحشية للميليشيات المحسوبة عليها في العراق أولا، وأن تقف موقفا واضحا غير ملتبس ضد الاحتلال الأمريكي للعراق وتدعم المقاومة الوطنية بغض النظر عن الهوية المذهبية، وأن تكون مع وحدة العراق لا مع تقسيمه قولا وفعلا فالمواقف اللفظية لا تقنع أحدا.
أما على صعيد المنطقة فالمطلوب من ايران أن تعي أن الأمة العربية حليفتها وشريكتها وبالتالي أن تنظر بعين الاحترام لمشاعر العرب وتطلعاتهم رغم واقعهم البائس لا أن تنظر اليهم كأسلاب ومنطقة نفوذ، وكما قال الشاعر العربي:
واذا نابها الزمان بضر لاتكن أنت والزمان عليها
No comments:
Post a Comment