A VERY GOOD COMMENT (in Arabic) by Abdel Bari Atwan
عبد الباري عطوان
"بدأت الحكومة الاسرائيلية حملة دبلوماسية مسعورة في اوروبا والولايات المتحدة الامريكية ضد تقرير لجنة غولدستون الاممية، حول جرائم الحرب الاسرائيلية في قطاع غزة، تركز على كيفية منع وصوله الى مجلس الامن الدولي ومحكمة جرائم الحرب الدولية في لاهاي، وبما يحول دون ملاحقة قادتها السياسيين والعسكريين قانونيا.
الحكومات العربية لم تخيب ظننا، واثبتت انها فعلا في حال موات سياسي ودبلوماسي كامل، فلم نسمع او نقرأ عن اي تحرك دبلوماسي، او تشكيل لجنة قانونية، او وضع خطة محكمة لايصال التقرير الى مجلس الامن ومحكمة العدل الدولية.
حتى السلطة الفلسطينية في رام الله صامتة، ورئيسها السيد محمود عباس صامت كليا ايضا ، ولم يصدر اي موقف من جانبه او من جانبها تجاه هذا التقرير الخطير، الفريد من نوعه، الذي يقدم هدية ثمينة طالما انتظرناها على مدى الستين عاما الماضية. فهل هذا 'الصوم عن الكلام' عائد الى خوف السلطة من اغضاب نتنياهو وليبرمان؟ ام لان الضحايا هم من ابناء قطاع غزة سقطوا في عدوان اسرائيلي تواطأت هي فيه بشكل مباشر، او غير مباشر، وما زالت؟
بحثت في كل نشرات الاخبار، وبرقيات وكالات الانباء العالمية، لعلني اجد تعقيبا من السفير الفلسطيني في الامم المتحدة على هذا التقرير، ولكن محاولاتي باءت بالفشل، ولم استغرب ذلك من رجل تقدم بمشروع قرار الى مجلس الامن الدولي يعتبر حركات المقاومة في قطاع غزة جماعات مارقة خارجة على القانون.
هذه فرصة ذهبية لكل المدافعين عن قيم ومبادئ حقوق الانسان في العالم بأسره للتحرك من اجل وضع حد للمجازر الاسرائيلية، واخضاع اسرائيل وحكومتها للشرعية الدولية، إنصافا لضحايا مجازر قطاع غزة، وقانا ومخيمي صبرا وشاتيلا، ولمنع تكرار هذه المجازر في المستقبل.
اسرائيل رفضت التعاون مع لجنة التحقيق الدولية هذه، واغلقت ابوابها في وجهها، لأنها تعرف جيدا حجم الجرائم التي ارتكبتها في حق اناس عزل، حاصرتهم حتى الموت جوعا لعدة اشهر، قبل ان تقصفهم بالقنابل الفوسفورية المحرمة دوليا، وتطلق عليهم حمم صواريخها من البر والبحر والجو، لاكثر من ثلاثة اسابيع.
' ' '
التقرير اغضب اسرائيل وحكومتها وحلفاءها في الغرب لانه فضح الوجه البشع للمؤسستين العسكرية والسياسية الاسرائيليتين، وتعطشهما لسفك دماء الابرياء من ابناء قطاع غزة، مثلما فضح الشعب الاسرائيلي الذي ايد في غالبيته العظمى هذا العدوان، وآلة القتل والدمار التي استخدمت ضد الاطفال والنساء دون رحمة او شفقة.
لا تستطيع الحكومة الاسرائيلية ان تتهم القاضي ريتشارد غولدستون رئيس لجنة التحقيق بالانحياز وعدم الموضوعية، او تشهر في وجهه سيف المعاداة للسامية الذي برعت في استخدامه لارهاب كل من ينتقد عنصريتها ودمويتها، وممارستها النازية. فالرجل يهودي صهيوني، وصديق حميم لاسرائيل، وقالت ابنته التي عاشت في تل ابيب انه خفف كثيرا من حدة تقريره بسبب هذه الصداقة.
لن نتحدث عن فحوى التقرير، فالجميع يعرف فداحة المجازر الاسرائيلية، وشاهدنا عبر شاشات التلفزة الاطفال المتفحمين، والأسر الكاملة التي أبيدت من جراء صواريخ الدبابات والطائرات الاسرائيلية، ولكننا نريد ان نعرف ماذا سيفعل الغرب المتحضر ازاءه، وهل سيتعامل المستر اوكامبو مدعي عام محكمة جرائم الحرب الدولية مع ايهود اولمرت وايهود باراك وتسيبي ليفني وشمعون بيريس والجنرال اشكنازي بالطريقة نفسها التي تعامل بها مع الرئيس السوداني عمر البشير ومجرمي حرب البوسنة، مثل سلوبودان ميلوسوفيتش ورادوفان كراديتش؟
والسؤال الاهم هو مـــاذا سيفعل العرب وحـــكوماتهم في مواجهة هجمة التضليل الدبلوماسية الاسرائيلية القادمة، والتواطؤ الغربي المتوقع معها، سواء على صعيد الاعلام او في اروقة المنظمة الدولية ومحاكم جرائم الحرب في لاهاي؟
' ' '
نشعر بالأسف ونحن نرى هذا البرود الامريكي الرسمي تجاه التقرير، ونشعر بأسف اكبر عندما نسمع تعليق المتحدث الفرنسي الذي قال ان بلاده ستدرس بتمعن التقرير، وسنأخذ علما بالموقف البريطاني الصامت المخجل.
ان أكثر ما نخشاه هو ان يلقى هذا التقرير مصير تقرير لجنة شكلها الامين العام للامم المتحدة للتحقيق في قصف اسرائيل لمقر المنظمة الدولية في غزة، او تقرير لجنة الاب ديزموند توتو في مجزرة بيت حانون التي ارتكبتها القوات الاسرائيلية وأبادت فيها أسرة كاملة وبعض جيرانها قبل عامين.
فطالما ان الحكومات العربية صامتة، والسلطة الفلسطينية اختزلت قضية شعبها بتجميد الاستيطان، ولا تبدي أي حراك تجاه مليون ونصف مليون من أبناء شعبها ما زالوا محاصرين في قطاع غزة، فلماذا لا تحقق اسرائيل اهدافها، وتهيل التراب على هذا التقرير، مثلما فعلت في كل التقارير والقرارات الدولية السابقة؟
العالم بأسره يقاطع مهرجانا سينمائيا في تورنتو جرى تخصيصه للدعاية لاسرائيل ومدينة تل أبيب، ونقابات العمال في بريطانيا تتبنى قرارا بمقاطعة اسرائيل وبضائعها، واساتذة الجامعات البريطانية يرفضون التعامل مع نظرائهم الاسرائيليين لمساندتهم حكومة عنصرية مجرمة، وبنيامين نتنياهو يحظى باستقبال الابطال في قاهرة المعز، وسفيره في القاهرة يلقى حفاوة بالغة في قلعة 'الاهرام' الثقافية والاعلامية.
' ' '
الرئيس الباكستاني برويز مشرف تعرض لضغوط عربية وأمريكية مكثفة للتطبيع مع اسرائيل، وتبادل السفارات معها، ولكنه قاوم هذه الضغوط بشدة، ليس لأنه ضد التطبيع، ولكن لأنه كان يخشى من شعبه، وقال لزعيم عربي شجعه على التطبيع إنه يخشى لو فعل ذلك ان يقتله الشعب الباكستاني.
لا نريد ان نقول إن الشعب الباكستاني اكثر وطنية من الشعوب العربية، ولكننا نقول دون تردد انه شعب حي ما زال يتمسك بالحد الادنى من القيم والثوابت الاسلامية والاخلاقية، ويرفض ان يرى سفيرا او علما اسرائيليا يمثل دولة تقتل اشقاء له في العقيدة، وتحتل مقدساته.
هذا هو الشعب الافغاني يقاوم الاحتلال الامريكي ويحوّل بلاده الى فيتنام اخرى، رغم فقره وجوعه وأميته، والشيء نفسه يفعله الشعب العراقي، بينما تتحول سلطتنا في رام الله الى حارس مخلص للاحتلال الاسرائيلي، ودون اي مقابل غير الاهانات والاذلال.
الحملة الاسرائيلية لقتل تقرير غولدستــون امامــــها فرص كبــــيرة للنجاح، ليس لأنها تستند الى أدلة قوية تفنده، وانما لان الحكــومات العربية متواطئة معها، ولا تعبأ بغزة وشهدائها. فهل سمعنا زعيما عربيا واحدا يقول ما قاله الرئيس الامريكي جيمي كارتر اثناء زيارته الاخيرة للقطاع بأن اهالي غزة يعاملون تحت الحصار معاملة اسوأ من معاملة الحيوانات؟ عندما نسمع زعيما عربيا واحدا يقول هذا الكلام دون تردد او تلعثم، سنكون واثقين من فشل هذه الحملة الاسرائيلية.
"
"بدأت الحكومة الاسرائيلية حملة دبلوماسية مسعورة في اوروبا والولايات المتحدة الامريكية ضد تقرير لجنة غولدستون الاممية، حول جرائم الحرب الاسرائيلية في قطاع غزة، تركز على كيفية منع وصوله الى مجلس الامن الدولي ومحكمة جرائم الحرب الدولية في لاهاي، وبما يحول دون ملاحقة قادتها السياسيين والعسكريين قانونيا.
الحكومات العربية لم تخيب ظننا، واثبتت انها فعلا في حال موات سياسي ودبلوماسي كامل، فلم نسمع او نقرأ عن اي تحرك دبلوماسي، او تشكيل لجنة قانونية، او وضع خطة محكمة لايصال التقرير الى مجلس الامن ومحكمة العدل الدولية.
حتى السلطة الفلسطينية في رام الله صامتة، ورئيسها السيد محمود عباس صامت كليا ايضا ، ولم يصدر اي موقف من جانبه او من جانبها تجاه هذا التقرير الخطير، الفريد من نوعه، الذي يقدم هدية ثمينة طالما انتظرناها على مدى الستين عاما الماضية. فهل هذا 'الصوم عن الكلام' عائد الى خوف السلطة من اغضاب نتنياهو وليبرمان؟ ام لان الضحايا هم من ابناء قطاع غزة سقطوا في عدوان اسرائيلي تواطأت هي فيه بشكل مباشر، او غير مباشر، وما زالت؟
بحثت في كل نشرات الاخبار، وبرقيات وكالات الانباء العالمية، لعلني اجد تعقيبا من السفير الفلسطيني في الامم المتحدة على هذا التقرير، ولكن محاولاتي باءت بالفشل، ولم استغرب ذلك من رجل تقدم بمشروع قرار الى مجلس الامن الدولي يعتبر حركات المقاومة في قطاع غزة جماعات مارقة خارجة على القانون.
هذه فرصة ذهبية لكل المدافعين عن قيم ومبادئ حقوق الانسان في العالم بأسره للتحرك من اجل وضع حد للمجازر الاسرائيلية، واخضاع اسرائيل وحكومتها للشرعية الدولية، إنصافا لضحايا مجازر قطاع غزة، وقانا ومخيمي صبرا وشاتيلا، ولمنع تكرار هذه المجازر في المستقبل.
اسرائيل رفضت التعاون مع لجنة التحقيق الدولية هذه، واغلقت ابوابها في وجهها، لأنها تعرف جيدا حجم الجرائم التي ارتكبتها في حق اناس عزل، حاصرتهم حتى الموت جوعا لعدة اشهر، قبل ان تقصفهم بالقنابل الفوسفورية المحرمة دوليا، وتطلق عليهم حمم صواريخها من البر والبحر والجو، لاكثر من ثلاثة اسابيع.
' ' '
التقرير اغضب اسرائيل وحكومتها وحلفاءها في الغرب لانه فضح الوجه البشع للمؤسستين العسكرية والسياسية الاسرائيليتين، وتعطشهما لسفك دماء الابرياء من ابناء قطاع غزة، مثلما فضح الشعب الاسرائيلي الذي ايد في غالبيته العظمى هذا العدوان، وآلة القتل والدمار التي استخدمت ضد الاطفال والنساء دون رحمة او شفقة.
لا تستطيع الحكومة الاسرائيلية ان تتهم القاضي ريتشارد غولدستون رئيس لجنة التحقيق بالانحياز وعدم الموضوعية، او تشهر في وجهه سيف المعاداة للسامية الذي برعت في استخدامه لارهاب كل من ينتقد عنصريتها ودمويتها، وممارستها النازية. فالرجل يهودي صهيوني، وصديق حميم لاسرائيل، وقالت ابنته التي عاشت في تل ابيب انه خفف كثيرا من حدة تقريره بسبب هذه الصداقة.
لن نتحدث عن فحوى التقرير، فالجميع يعرف فداحة المجازر الاسرائيلية، وشاهدنا عبر شاشات التلفزة الاطفال المتفحمين، والأسر الكاملة التي أبيدت من جراء صواريخ الدبابات والطائرات الاسرائيلية، ولكننا نريد ان نعرف ماذا سيفعل الغرب المتحضر ازاءه، وهل سيتعامل المستر اوكامبو مدعي عام محكمة جرائم الحرب الدولية مع ايهود اولمرت وايهود باراك وتسيبي ليفني وشمعون بيريس والجنرال اشكنازي بالطريقة نفسها التي تعامل بها مع الرئيس السوداني عمر البشير ومجرمي حرب البوسنة، مثل سلوبودان ميلوسوفيتش ورادوفان كراديتش؟
والسؤال الاهم هو مـــاذا سيفعل العرب وحـــكوماتهم في مواجهة هجمة التضليل الدبلوماسية الاسرائيلية القادمة، والتواطؤ الغربي المتوقع معها، سواء على صعيد الاعلام او في اروقة المنظمة الدولية ومحاكم جرائم الحرب في لاهاي؟
' ' '
نشعر بالأسف ونحن نرى هذا البرود الامريكي الرسمي تجاه التقرير، ونشعر بأسف اكبر عندما نسمع تعليق المتحدث الفرنسي الذي قال ان بلاده ستدرس بتمعن التقرير، وسنأخذ علما بالموقف البريطاني الصامت المخجل.
ان أكثر ما نخشاه هو ان يلقى هذا التقرير مصير تقرير لجنة شكلها الامين العام للامم المتحدة للتحقيق في قصف اسرائيل لمقر المنظمة الدولية في غزة، او تقرير لجنة الاب ديزموند توتو في مجزرة بيت حانون التي ارتكبتها القوات الاسرائيلية وأبادت فيها أسرة كاملة وبعض جيرانها قبل عامين.
فطالما ان الحكومات العربية صامتة، والسلطة الفلسطينية اختزلت قضية شعبها بتجميد الاستيطان، ولا تبدي أي حراك تجاه مليون ونصف مليون من أبناء شعبها ما زالوا محاصرين في قطاع غزة، فلماذا لا تحقق اسرائيل اهدافها، وتهيل التراب على هذا التقرير، مثلما فعلت في كل التقارير والقرارات الدولية السابقة؟
العالم بأسره يقاطع مهرجانا سينمائيا في تورنتو جرى تخصيصه للدعاية لاسرائيل ومدينة تل أبيب، ونقابات العمال في بريطانيا تتبنى قرارا بمقاطعة اسرائيل وبضائعها، واساتذة الجامعات البريطانية يرفضون التعامل مع نظرائهم الاسرائيليين لمساندتهم حكومة عنصرية مجرمة، وبنيامين نتنياهو يحظى باستقبال الابطال في قاهرة المعز، وسفيره في القاهرة يلقى حفاوة بالغة في قلعة 'الاهرام' الثقافية والاعلامية.
' ' '
الرئيس الباكستاني برويز مشرف تعرض لضغوط عربية وأمريكية مكثفة للتطبيع مع اسرائيل، وتبادل السفارات معها، ولكنه قاوم هذه الضغوط بشدة، ليس لأنه ضد التطبيع، ولكن لأنه كان يخشى من شعبه، وقال لزعيم عربي شجعه على التطبيع إنه يخشى لو فعل ذلك ان يقتله الشعب الباكستاني.
لا نريد ان نقول إن الشعب الباكستاني اكثر وطنية من الشعوب العربية، ولكننا نقول دون تردد انه شعب حي ما زال يتمسك بالحد الادنى من القيم والثوابت الاسلامية والاخلاقية، ويرفض ان يرى سفيرا او علما اسرائيليا يمثل دولة تقتل اشقاء له في العقيدة، وتحتل مقدساته.
هذا هو الشعب الافغاني يقاوم الاحتلال الامريكي ويحوّل بلاده الى فيتنام اخرى، رغم فقره وجوعه وأميته، والشيء نفسه يفعله الشعب العراقي، بينما تتحول سلطتنا في رام الله الى حارس مخلص للاحتلال الاسرائيلي، ودون اي مقابل غير الاهانات والاذلال.
الحملة الاسرائيلية لقتل تقرير غولدستــون امامــــها فرص كبــــيرة للنجاح، ليس لأنها تستند الى أدلة قوية تفنده، وانما لان الحكــومات العربية متواطئة معها، ولا تعبأ بغزة وشهدائها. فهل سمعنا زعيما عربيا واحدا يقول ما قاله الرئيس الامريكي جيمي كارتر اثناء زيارته الاخيرة للقطاع بأن اهالي غزة يعاملون تحت الحصار معاملة اسوأ من معاملة الحيوانات؟ عندما نسمع زعيما عربيا واحدا يقول هذا الكلام دون تردد او تلعثم، سنكون واثقين من فشل هذه الحملة الاسرائيلية.
"
No comments:
Post a Comment