"كانت التعليمات واضحة وصارمة، لا يُمكن بأيّ حالٍ من الأحوال إدخال آلة تصوير أو هاتف خلوي أو مُسجل عند الدخول إلى خيمة العقيد معمر القذافي، القريبة من مدينة سرت. وصلت الحافلة الأولى التي أقلّت أعضاء وفد عرب الـ48 إلى المكان، وما هي إلا لحظات حتى حطّت الثانية. ترجلنا وبدأنا بالتقدم نحو الخيمة، السماء زرقاء، الشمس ساطعة ودرجة الحرارة تقترب من الأربعين في وسط الصحراء. جميع أعضاء الوفد، مع حفظ الألقاب والأسماء، تعرضوا للتفتيش الدقيق من قبل المخابرات الليبية، التي استعمل أفرادها أحدث ما ابتكرته التكنولوجيا الغربيّة للكشف عن مواد محظورة. الصمت كان سيّد الموقف، الاحتجاج غاب أو تغيّب أو غُيّب عن الأجندة.
غني عن القول إنّه لو حدث هذا الأمر في مطار اخر، لكنّا أقمنا الدنيا ولم نُقعدها، وبحق، ولكن الطامة الكبرى أنّ الوفد وصل إلى الخيمة التي انتصرت على القصر، كما صرحت اليافطات المعلقّة في الشوارع الرئيسية للجماهيـــــرية، بدعوةٍ رسميةٍ من قائد ثورة الفاتح من سبتمبر، ومع ذلك فقد تمّت عمــــلية التدقيـــق والتمحيص بشكلٍ يثير الاشمئزاز، ولا نُــــريد في هـــذه العـــجالة استعمال مفردات أدّق لتوصيف الحالة، ولا غضاضة بتجنيد المثل العامي الفصيح الذي يقول: 'غلب وستره، ولا غلب وفضيحة'.
أسوق هذه المقدمة بعدما قرأت في الفترة الأخيرة عن كتابٍ جديدٍ تحت عنوان: (جيوش الظلال: الأجهزة الاستخبارية في العالم العربيّ) لمؤلفه وليهلم ديتل، الذي عمل على مدار 11 عاما عميلا لجهاز الاستخبارات الاتحادي الألماني الـ (بي أن دي) في الشرق الأوسط، الذي أكد فيه أنّ أجهزة الاستخبارات العربية، بما فيها اللبنانية، غير ناجعة. وبحسب المؤلف فإنّ أكثرية الأجهزة العربية تختلف تماما عمّا يخطر ببالنا في الغرب، ذلك أنّ أساس عمل الـ (بي ان دي) على سبيل المثال، هو جمع معلومات ذات قيمة إستراتيجية أو سياسية أو عسكرية، وإدراك أو تقدير أو تحليل اتجاهات؛ لا قتل أشخاص ولا تعذيبهم، أما الأجهزة العربيّة فترى أساس مهمتها الحفاظ على نظام الحكم أو الزعيم، ولهذا فإنّها متوحشة لا كابح لها. وزاد قائلا: أجهزة المخابرات العربيّة تقف فوق القانون؛ إنها القانون نفسه.
ومن مسلمات عمل المخابراتي الحياة المزدوجة، وفي الشرق الأوسط، يكمن فيها غير قليل من الإخطار. فقد اعتقل ديتل، وفق روايته، في العام 1982 قرب مدينة حماة في سورية بعد زمن من المجزرة التي أوقعتها قوات الأمن بالإخوان المسلمين، الذين تمردوا على نظام الحكم. أسمع ديتل محققيه مقابلة أجراها أثناء زيارته مع وزير الإعلام السوري، وقال لهم إنّه حدّد له مقابلة مع الرئيس حافظ الأسد. كان ذلك كذبا، لكن كان من الصعب عليهم التحقق من المعلومات بسبب خطوط الهواتف المشوشة، كما أنّ الخوف من القصر الرئاسي، وأن يعرف وزير الإعلام ما فعلوه، دفع بالمحققين إلى إطلاق سراحه، إنّ هذه القصة تعزز، كما يقول ديتل، مزاعمه وهي أن العاملين في أجهزة الاستخبارات العربية يخافون الخطأ الذي يُكلّفهم مناصبهم، إن لم نقل حياتهم، وما يزال هذا الحظ الكبير للاستخبارات الإسرائيلية أنّ هؤلاء هم أعداؤها، يُلخّص ديتل.
الحادثة الأولى التي أوردناها تقطع الشك باليقين بأنّ المخابرات العربيّة تخضع لحماية الزعيم والنظام الديكتاتوري الذي يقوده، غير آبهة بحريات الإنسان أو بحقوقه الأساسية، أمّا كتاب رجل المخابرات الألماني فيؤكد أنّ الدول العربيّة، هي دول ليست مخترقة فقط، بل مستباحة في جميع مناحي الحياة، وأجهزة المخابرات الغربيّة، وبطبيعة الحال الإسرائيليّة، تصول وتجول فيها، بدون حسيبٍ أو رقيب.
ولكنّنا نرى أنّه من الأهمية بمكان قراءة هذا الواقع الأليم في الدول العربيّة بنظرة أبعد وأعمق، الإنسان العربيّ المقموع، الذي تُداس كرامته مرّة تلو الأخرى، لا يستطيع حتى ولو أراد أن يكون منتميا وطنيا، لأنّه يعيش بفضل الأنظمة الرجعية والديكتاتورية في حالةٍ خوفٍ مستمرٍ، من أن يكون الضحية القادمة لترهات هذا الحاكم أو ذاك، ذلك أنّ تهمة معارضة النظام أو التآمر عليه حاضرة وجاهزة ضدّ كل إنسانٍ عربيّ يجرؤ على عدم حب النظام، مضافا إلى ذلك، نتذكر بألمٍ وحسرةٍ شديدين، أنّ أول من خان الرئيس البطل والشهيد، صدّام حسين، حال دخول الغزاة في العام 2003، كانوا أولئك الأشخاص الذين أشبعونا وطنية وعروبة، حيث انضموا إلى الإمبرياليين قبل وصول العملاء الرسميين على متن الطائرات العمودية.
علاوة على ذلك، فإنّ[This is the most important statement.] الدول العربيّة لم تصل حتى اليوم إلى العصر الحديث في كل ما يتعلق بالمواطنة، فالفرد العربيّ يعرف أنّه في ظل عدم تمتعه بالمواطنة، فإنّه نظريا وعمليا ليس قادرا على المشاركة في صنع القرار السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، وهذا النهج في تعامل الأنظمة الرجعية مع المواطنين يدفع بالجماهير العريضة والواسعة إلى التوقف عن التفكير، الإضراب عن الإبداع، فمن يعش تحت كنف النظام ومخابراته، لا يمكنه بأيّ حال من الأحوال أن يكون مبدعا ويساهم في بناء دولته، لهذا السبب فإنّ الدول العربيّة تواصل وستواصل شراء الطائرات والسيارات وإقامة الأبراج الضخمة بواسطة الشركات الأجنبية، التي تُخطط وتهندس وتستغل الأيدي العاملة العربيّة بسبب رخصها. وفي هذا السياق نسأل وبأعلى الصوت: أين الأدمغة العربيّة؟ لماذا يهاجر العلماء العرب إلى الغرب؟ ما من شك أنّ العامل الاقتصادي يلعب دورا مهما، ولكن من ناحية أخرى، يعرف هذا العالم أو تلك العالمة من الناطقين بالضاد أنّه لا تقدّم في الدول العربيّة، التي ما زالت بعيدة جدا عن قضية المواطنة.
كما أنّه بسبب القمع ومصادرة الحريّات في الدول العربيّة يعرف المواطن العادي أنّه في حال ارتكابه أيّ خطأ بحق النظام، فإنّ مصيره سيكون حبل المشنـــــقة، أو السجن المؤبد، وما إلى ذلك من عقوبات لا تتماشى مع كوننا نعيش في العصر الحديث، نقول هذا في حين أنّ المواطن في الغرب، إذا أخطأ فإنّه سيعمل على تصليح الخطأ، أيّ أنّ المواطن العربيّ لا يقدر أن يُفكّر، المخابرات تسبقه وتُفكّر مكانه، كما أنّه وصــــل إلى القناعة المطلقة بأنّه حتى لو شارك في الانتخابات فإنّه لن يتـــمكن من إحداث التغيير المنشود، ففي الانتخابات الأخيرة التي جرت في مصر لمجلس الشعب وصلت نسبة المشاركين إلى 28 بالمائة من أصحاب حق الاقتراع فقط، وإذا أضفنا هذه النسبة إلى عمليات التزوير التي دأب النظام الحاكم على تدبيرها وحياكتها، فإننّا لا نستغرب البتة عدم وصول أيّ مرشح من جماعة (الإخوان المسلمين) إلى مجلس الشعب.
وهناك نقطة لا بدّ من التطرق إليها: بسبب حالة التوريث التي باتت ماركة مسجّلة لدى الأنظمة العربيّة، فإنّ المواطن يصل إلى نتيجة أنّه سيبقى تحت قبضة النظام الحاكم إلى ما لا نهاية، فبعد رحيل الرئيس، يُنصب نجله، كما حدث في سورية، وكما سيحدث في مصر بعد الرئيس حسني مبارك، أي أنّ حالة اليأس والإحباط لدى المواطن العربيّ تحوّلت إلى عاهةٍ مستديمةٍ، لا بل إلى مرضٍ عضالٍ استعصى على أكبر الاختصاصيين في العالم. أكثر من ذلك، المشكلة العويصة أنّ المواطن العربيّ الذي يعيش في ظل نظامٍ ملكيّ يعرف أيضا أنّ احتمالات تأثيره على صنع القرار شبه مستحيلة، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، في الأردن تجري الانتخابات، ويشارك المواطنون في العملية، ولكنّهم يعلمون أنّ هذه الانتخابات لا يمكنها تغيير الحاكم، أي الملك، وبالتالي فإنّ هذه الانتخابات سقفها تمّ تحديده من قبل، فهل يستطيع المواطن الذي يشارك في الانتخابات مثلا لتغيير الملك؟
المشكلة أنّ أجهزة المخابرات العربيّة تملك صلاحيات غير محدودة للحفاظ على الزعيم وعلى نظامه الذي أكل عليه الدهر وشرب، والمواطن يبقى رهينة بأيدي هذه الأجهزة منذ خروجه إلى النور وحتى انتقاله إلى جوار ربه، وهذه الحالة الكئيبة تجعل من تحرير الأرض في المرتبة الثانية، إن لم تحتل المرتبة الثالثة، فهل يستطيع الإنسان العربيّ، الذي لا يعرف ما معنى الحرية ولا يدري ماذا تعني المواطنة أنّ يحارب من أجل تحرير الأرض والإنسان من غزاة القرن الـ20 وأيضا القرن الـ21؟
"
غني عن القول إنّه لو حدث هذا الأمر في مطار اخر، لكنّا أقمنا الدنيا ولم نُقعدها، وبحق، ولكن الطامة الكبرى أنّ الوفد وصل إلى الخيمة التي انتصرت على القصر، كما صرحت اليافطات المعلقّة في الشوارع الرئيسية للجماهيـــــرية، بدعوةٍ رسميةٍ من قائد ثورة الفاتح من سبتمبر، ومع ذلك فقد تمّت عمــــلية التدقيـــق والتمحيص بشكلٍ يثير الاشمئزاز، ولا نُــــريد في هـــذه العـــجالة استعمال مفردات أدّق لتوصيف الحالة، ولا غضاضة بتجنيد المثل العامي الفصيح الذي يقول: 'غلب وستره، ولا غلب وفضيحة'.
أسوق هذه المقدمة بعدما قرأت في الفترة الأخيرة عن كتابٍ جديدٍ تحت عنوان: (جيوش الظلال: الأجهزة الاستخبارية في العالم العربيّ) لمؤلفه وليهلم ديتل، الذي عمل على مدار 11 عاما عميلا لجهاز الاستخبارات الاتحادي الألماني الـ (بي أن دي) في الشرق الأوسط، الذي أكد فيه أنّ أجهزة الاستخبارات العربية، بما فيها اللبنانية، غير ناجعة. وبحسب المؤلف فإنّ أكثرية الأجهزة العربية تختلف تماما عمّا يخطر ببالنا في الغرب، ذلك أنّ أساس عمل الـ (بي ان دي) على سبيل المثال، هو جمع معلومات ذات قيمة إستراتيجية أو سياسية أو عسكرية، وإدراك أو تقدير أو تحليل اتجاهات؛ لا قتل أشخاص ولا تعذيبهم، أما الأجهزة العربيّة فترى أساس مهمتها الحفاظ على نظام الحكم أو الزعيم، ولهذا فإنّها متوحشة لا كابح لها. وزاد قائلا: أجهزة المخابرات العربيّة تقف فوق القانون؛ إنها القانون نفسه.
ومن مسلمات عمل المخابراتي الحياة المزدوجة، وفي الشرق الأوسط، يكمن فيها غير قليل من الإخطار. فقد اعتقل ديتل، وفق روايته، في العام 1982 قرب مدينة حماة في سورية بعد زمن من المجزرة التي أوقعتها قوات الأمن بالإخوان المسلمين، الذين تمردوا على نظام الحكم. أسمع ديتل محققيه مقابلة أجراها أثناء زيارته مع وزير الإعلام السوري، وقال لهم إنّه حدّد له مقابلة مع الرئيس حافظ الأسد. كان ذلك كذبا، لكن كان من الصعب عليهم التحقق من المعلومات بسبب خطوط الهواتف المشوشة، كما أنّ الخوف من القصر الرئاسي، وأن يعرف وزير الإعلام ما فعلوه، دفع بالمحققين إلى إطلاق سراحه، إنّ هذه القصة تعزز، كما يقول ديتل، مزاعمه وهي أن العاملين في أجهزة الاستخبارات العربية يخافون الخطأ الذي يُكلّفهم مناصبهم، إن لم نقل حياتهم، وما يزال هذا الحظ الكبير للاستخبارات الإسرائيلية أنّ هؤلاء هم أعداؤها، يُلخّص ديتل.
الحادثة الأولى التي أوردناها تقطع الشك باليقين بأنّ المخابرات العربيّة تخضع لحماية الزعيم والنظام الديكتاتوري الذي يقوده، غير آبهة بحريات الإنسان أو بحقوقه الأساسية، أمّا كتاب رجل المخابرات الألماني فيؤكد أنّ الدول العربيّة، هي دول ليست مخترقة فقط، بل مستباحة في جميع مناحي الحياة، وأجهزة المخابرات الغربيّة، وبطبيعة الحال الإسرائيليّة، تصول وتجول فيها، بدون حسيبٍ أو رقيب.
ولكنّنا نرى أنّه من الأهمية بمكان قراءة هذا الواقع الأليم في الدول العربيّة بنظرة أبعد وأعمق، الإنسان العربيّ المقموع، الذي تُداس كرامته مرّة تلو الأخرى، لا يستطيع حتى ولو أراد أن يكون منتميا وطنيا، لأنّه يعيش بفضل الأنظمة الرجعية والديكتاتورية في حالةٍ خوفٍ مستمرٍ، من أن يكون الضحية القادمة لترهات هذا الحاكم أو ذاك، ذلك أنّ تهمة معارضة النظام أو التآمر عليه حاضرة وجاهزة ضدّ كل إنسانٍ عربيّ يجرؤ على عدم حب النظام، مضافا إلى ذلك، نتذكر بألمٍ وحسرةٍ شديدين، أنّ أول من خان الرئيس البطل والشهيد، صدّام حسين، حال دخول الغزاة في العام 2003، كانوا أولئك الأشخاص الذين أشبعونا وطنية وعروبة، حيث انضموا إلى الإمبرياليين قبل وصول العملاء الرسميين على متن الطائرات العمودية.
علاوة على ذلك، فإنّ[This is the most important statement.] الدول العربيّة لم تصل حتى اليوم إلى العصر الحديث في كل ما يتعلق بالمواطنة، فالفرد العربيّ يعرف أنّه في ظل عدم تمتعه بالمواطنة، فإنّه نظريا وعمليا ليس قادرا على المشاركة في صنع القرار السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، وهذا النهج في تعامل الأنظمة الرجعية مع المواطنين يدفع بالجماهير العريضة والواسعة إلى التوقف عن التفكير، الإضراب عن الإبداع، فمن يعش تحت كنف النظام ومخابراته، لا يمكنه بأيّ حال من الأحوال أن يكون مبدعا ويساهم في بناء دولته، لهذا السبب فإنّ الدول العربيّة تواصل وستواصل شراء الطائرات والسيارات وإقامة الأبراج الضخمة بواسطة الشركات الأجنبية، التي تُخطط وتهندس وتستغل الأيدي العاملة العربيّة بسبب رخصها. وفي هذا السياق نسأل وبأعلى الصوت: أين الأدمغة العربيّة؟ لماذا يهاجر العلماء العرب إلى الغرب؟ ما من شك أنّ العامل الاقتصادي يلعب دورا مهما، ولكن من ناحية أخرى، يعرف هذا العالم أو تلك العالمة من الناطقين بالضاد أنّه لا تقدّم في الدول العربيّة، التي ما زالت بعيدة جدا عن قضية المواطنة.
كما أنّه بسبب القمع ومصادرة الحريّات في الدول العربيّة يعرف المواطن العادي أنّه في حال ارتكابه أيّ خطأ بحق النظام، فإنّ مصيره سيكون حبل المشنـــــقة، أو السجن المؤبد، وما إلى ذلك من عقوبات لا تتماشى مع كوننا نعيش في العصر الحديث، نقول هذا في حين أنّ المواطن في الغرب، إذا أخطأ فإنّه سيعمل على تصليح الخطأ، أيّ أنّ المواطن العربيّ لا يقدر أن يُفكّر، المخابرات تسبقه وتُفكّر مكانه، كما أنّه وصــــل إلى القناعة المطلقة بأنّه حتى لو شارك في الانتخابات فإنّه لن يتـــمكن من إحداث التغيير المنشود، ففي الانتخابات الأخيرة التي جرت في مصر لمجلس الشعب وصلت نسبة المشاركين إلى 28 بالمائة من أصحاب حق الاقتراع فقط، وإذا أضفنا هذه النسبة إلى عمليات التزوير التي دأب النظام الحاكم على تدبيرها وحياكتها، فإننّا لا نستغرب البتة عدم وصول أيّ مرشح من جماعة (الإخوان المسلمين) إلى مجلس الشعب.
وهناك نقطة لا بدّ من التطرق إليها: بسبب حالة التوريث التي باتت ماركة مسجّلة لدى الأنظمة العربيّة، فإنّ المواطن يصل إلى نتيجة أنّه سيبقى تحت قبضة النظام الحاكم إلى ما لا نهاية، فبعد رحيل الرئيس، يُنصب نجله، كما حدث في سورية، وكما سيحدث في مصر بعد الرئيس حسني مبارك، أي أنّ حالة اليأس والإحباط لدى المواطن العربيّ تحوّلت إلى عاهةٍ مستديمةٍ، لا بل إلى مرضٍ عضالٍ استعصى على أكبر الاختصاصيين في العالم. أكثر من ذلك، المشكلة العويصة أنّ المواطن العربيّ الذي يعيش في ظل نظامٍ ملكيّ يعرف أيضا أنّ احتمالات تأثيره على صنع القرار شبه مستحيلة، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، في الأردن تجري الانتخابات، ويشارك المواطنون في العملية، ولكنّهم يعلمون أنّ هذه الانتخابات لا يمكنها تغيير الحاكم، أي الملك، وبالتالي فإنّ هذه الانتخابات سقفها تمّ تحديده من قبل، فهل يستطيع المواطن الذي يشارك في الانتخابات مثلا لتغيير الملك؟
المشكلة أنّ أجهزة المخابرات العربيّة تملك صلاحيات غير محدودة للحفاظ على الزعيم وعلى نظامه الذي أكل عليه الدهر وشرب، والمواطن يبقى رهينة بأيدي هذه الأجهزة منذ خروجه إلى النور وحتى انتقاله إلى جوار ربه، وهذه الحالة الكئيبة تجعل من تحرير الأرض في المرتبة الثانية، إن لم تحتل المرتبة الثالثة، فهل يستطيع الإنسان العربيّ، الذي لا يعرف ما معنى الحرية ولا يدري ماذا تعني المواطنة أنّ يحارب من أجل تحرير الأرض والإنسان من غزاة القرن الـ20 وأيضا القرن الـ21؟
"
No comments:
Post a Comment