محمد الزعبي
النار الأولى التي نعنيها هنا ، هي نار " الأخ العقيد " بكل ماله وما عليه ، بخيمته المحروسة بالشقراوات ، وجيوبه الملأى بالدولارات ، وثكنات قواه الأمنية المزدحمة بالدبابات والمدرعات ، ومطاراته المحشوة بالطائرات من مختلف الأنواع والأجناس ، وثالثة الأثافي مرتزقته من الليبيين وغير الليبيين ، أولئك المرتزقة الذين يقبض أفرادها من " الأخ القائد " الدولارات بإحدى اليدين ، بينما يقومون بذبح الثوارالليبيين باليد الأخرى !! .
أما النار الثانية التي يعنيها الكاتب هنا ، فهي الخوف والخشية من أن يضطر الثوار الليبيون ، ونتيجة لحصارهم ووقتلهم وتدمير مدنهم وقراهم فوق رؤوسهم من قبل " الكتائب الأمنية " التابعة للقذافي شخصياً وفي غياب عدم التكافؤ المطلق بين مواطنين عزل إلاّ من إرادتهم وإصراهم على التحررمن الظلم والقهر والفساد والحرمان الذي زاد عمره عن الأربعة عقود من حكم الرجل الواحد واللون الواحد ، وآخرمدججون بالسلاح والدولارات حتى النخاع ، ولكن العزّل من كل وطنية ، وكل كرامة ، وكل شرف ، نقول نخاف ونخشى أن يضطر هؤلاء الثوار وبسبب هذا الوضع المرعب الذي خلقه العقيد ، أن يستنجدوا بقوى خارجية ( غير عربية ) ، على قاعدة " وداوها بالتي كانت هي الدّاء " بحيث يصبح وضعهم إذا ماوطئت قدم الأجنبي المعني أرضهم ووطنهم " كالمستجير من الرمضاء بالنار " !! .
إن مثل هذا الخيار ، خيار " آخر الدواء الكيّ " ، سوف يثلج من جهة صدر القذافي ، الذي سوف يطلع على الناس بصوته " المنكر " ليعلن من الساحة الخضراء في طرابلس متباهياً " ألم أقل لكم أن قوى خارجية هي التي تقف وراء حركة هؤلاء " الجرذان " ، ولكن سوف يثلج من جهة ثانية صدر الغرب الرأسمالي كله بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، من حيث أن عراقاً جديدا بنفطه وخيراته بات الآن في قبضتهم وتحت سلطتهم ، الأمر الذي معه سيضعون يدهم من خلال تواجدهم العسكري في ليبيا على النظامين الوطنيين الجديدين في تونس ومصر و ذلك بحكم الموقع الجغرافي لليبيا بين هذين القطرين العربيين . لاشك أن الهيمنة على بلد يقع في الوسط بين ثورتي تونس ومصر ،سواء بالاحتلال المباشر او غير المباشر ، إنما هو أمر يسيل له لعاب الغرب على جانبي الأطلسي ، حيث سيمكّنهم مثل هذا الاحتلال من ضرب عصفورين بحجر واحد ، هما عصفور النفط الليبي ، شريان الحياة بالنسبة للدول الصناعية ، وعصفور حماية إسرائيل مما يمكن أن يترتب على قيام ثورتي تونس ومصر من اختلال في ميزان القوى بين العرب والكيان الصهيوني ، وبالذات من موقف النظام المصري الجديد من اتفاقية كامبديفد ومن معبر رفح .
إن الكاتب لايشك في أن الثوار المناضلين في ليبيا ، ومجلسهم الوطني في بنغازي هم على دراية تامة بمطامع القوى الأجنبية بالنفط الليبي ، وبالموقع الجغرافي الاستراتيجي لليبيا ،و لهذا فهم يعلنون يوميا وبصورة علنية أنهم في الوقت الذي يقبلون فيه بل ويطلبون من الدول العربية اولاً ، ومن مجلس الأمن الدولي ثانياً حماية الشعب الليبي والمدن الليبية من القصف الهمجي العشوائي المدمر لطيران وصواريخ القذافي وبعض مسانديه من العرب والأفارقة ، إنما يرفضون رفضاً تاما ومطلقا أن تطأ قدم أي جندي أجنبي أرض وطنهم أيا كانت المبررات ، وأياً كانت الصعوبات والمخاطر التي يتعرضون لها .
إن الإشكالية الوطنية والقومية التي يمكن أن تترتب على هذا الوضع الليبي المعقد ، هي أن استمرار القذافي وأولاده على رأس السلطة في ليبيا ، إنما يحمل في طياته خطر وضع كل من ثار ضد القذافي ، اي عملياً الأغلبية الساحقة من الشعب الليبي في قفص الاتهام ، واعتبارهم ليبيين" مدانين " إلى أن يثبت العكس ، وهو ماقد يحتاج إلى أربعة عقود جديدة من الديكتاتورية والفساد ، بل وربما سيستلزم الأمر أيضاًًهجرآلاف المناضلين والشرفاء وطنهم ليبيا إلى أماكن أخرى ، بحثاً عن الأمن والأمان ولقمة العيش ، تماما كما حصل في مدينة حماة السورية عام 1982 في ظل حكم عائلة الأسد ، التي اجبرت عشرات آلاف السوريين على مغادرة الوطن هربا من جحيم النظام ، والذين مايزالون يعيشون في المنافي العربية والدولية حتى هذه اللحظة ، بل إن العقيد القذافي وعلى غرار نظام عائلة الأسد في سوريا سوف يستخدم اضطهاده وتصفيته للمناضلين الليبيينن وإبعاده لهم عن وطنهم ، بحجة طابعهم الإسلامي ، كورقة حسن سلوك له أمام النظام الرأسمالي الأورو ـ أمريكي ، وأمام الكيان الصهيوني كيما يحافظوا عليه ويتمسكوا ببقائه واستمراره كشريك لهم في مكافحة " الإرهاب !!".
إن المخرج الحقيقي لخروج وإخراج الشقيقة ليبيا من هذا المأزق الدموي الذي أدخلها فيه " الأخ القائد !! " إنما يتمثل برأينا بان يتخذ العرب وعلى راسهم النظام المصري الجديد ، نظام 25 يناير 2011 موقفا حازما من هذا " الرجل العجيب " الذي يدعي بأنه لايملك أي منصب رسمي في ليبيا (!! ) ، اللهم إلاً خيمته ورمزيته ، واللتان (الخيمة والرمزية) يمكن أن نضيف إليهما ـ وهو مايعرفه ويعلمه الجميع ــ : كامل دخل ليبيا من النفط وكل ماهبّ ودبّ على بر وبحر وسماء ليبيا ، وكذلك رسم السياستين الداخلية والخارجية لذلك القطر العربي (الذي اطلق عليه بنفسه اسما جديداًً مثيراً للابتسام) ، بكل أبعادهما السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية .
نقول ، إن الموقف الحازم المطلوب عربياً ومصرياً ، هو منع ذلك العقيد ، من استخدام الطيران الحربي والدبابات والمدافع والصواريخ ومختلف الأسلحة المحرمة دوليا ضد أبناء الشعب الليبي ، الذين يتلخص ذنبهم في أنهم أرادوا فقط أن يعبروا باقلامهم وألسنتهم وحناجرهم عن رأيهم في هذا الطاغية الذي مازال ينيخ على كواهلهم وكواهل أبنائهم وأحفادهم ــ بدون وجه حق ــ ماينوف عن الأربعة عقود .
إن ضرورة الموقف العربي هنا، وعلى وجه الخصوص المصري إنما تنبع من خوف الكاتب هوأن يكون هدف القذافي من هذه الحرب القذرة التي يمارسها ضد الشعب الليبي هو الوصول بهذا الشعب إلى مرحلة اليأس ، وبالتالي اللجوء إلى القوى الخارجية (غير العربية) لإنقاذهم من براثن الموت، وهو مايمكن أن يضعه ــ حسب أوهامه ـ في مصاف قادة عرب آخرين قام الاحتلال بتصفيتهم بعد أن احتل بلادهم . إن مايمكن قوله في هذا المقام للسيد العقيد : إنه لايمكن وضع من يصف شعبه بالجرذان ، وذاك الذي وصف شعبه بالأبطال في سلة واحدة ، بالرغم من كل التدليس ، ومن كل التلاعب بالوقائع والكلمات . إن طاغيتين عربيين قد سبقاك إلى مزبلة التاريخ ، وهما بانتظارك الآن هناك ، وأيضا بانتظار البقية البقية من زملائهم الطغاة العرب على أحر من الجمر ، فسارع إليهما ، واقبل عرض المجلس الوطني الانتقالي في بنغازي ، قبل فوات الأوان . لقد أرقت من دم الشعب الليبي الزكي مايسمح لنا بان نقول لك بصوت عال: كفى، كفى ياأخ معمّر ، فلقد بلغ السيل الزبى، وجاوز الحزام الطبين!، إرحل بالله عليك ، فليبيا لم تعد بحاجة إلى خيمتك ولا إلى أولادك.
No comments:
Post a Comment