Saturday, June 18, 2011

أحداث مخيم اليرموك: "موت" الفصائل الفلسطينية..

ماجد كيالي

"ما جرى في مخيم اليرموك يمثل ربما إرهاصات مرحلة يجري فيها القطع مع النظام السياسي الفلسطيني الفصائلي، ويمهد لمرحلة محمولة على رياح الثورات العربية...

لم تكن الأحداث المؤسفة والمروعة التي شهدها مخيم اليرموك (يوم 6/6)، بعيد تشييع جثامين الشباب الشهداء الذين قضوا في ما سمي "انتفاضة العودة"، وليدة ظرفها أو لحظتها. ففي هذا اليوم شيّع المخيم شهداءه، في حالة غضب وأسى شديدين، على خلاف حالة الفخار والعزة التي دفن فيها شهداءه الثلاثة، قبل ثلاثة أسابيع، والذين كانوا قضوا في محاولة العودة الأولى (في يوم النكبة 15/5).

معلوم أن هذا المخيم، شهد يومها، نوعا من انتفاضة شعبية عارمة، كان شعارها الأبرز، بين شعارات اخرى، "الشعب يريد إسقاط الفصائل". وما أثار غضب الناس ظهور بعض القياديين بسياراتهم الفارهة، مع مرافقيهم المسلحين، ومحاولاتهم إلقاء كلمات، في هذه المناخات غير المواتية، ما استفزّ المشيعين، الذين عبروا عن مشاعرهم بقذف القياديين بالحجارة، وتوجيه عبارات لاذعة لهم. وقد تفاقم الأمر مع اطلاق بعض المرافقين الرصاص في الهواء، ما زاد النار اشتعالا، وأخرج المتظاهرين عن طورهم، وهو ما تجلى بتوجههم في تظاهرة حاشدة إلى مجمع الخالصة (التابع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة)، للتنفيس عن غضبهم هناك.

المشكلة أن هؤلاء قوبلوا، من قبل حراسات المجمع، بالرصاص (بداية في الهواء وعلى الأرض)، ما أدى إلى وقوع إصابات، أجّجت بدورها مشاعر الغضب ضد "المجمع" ومن فيه، ما أدى الى اقتحامه وحرقه، ومصرع عدد من المهاجمين والمحاصرين (من الفصيل المعني)، في مشهد مؤسف استمر ساعات عديدة، وكان يمكن تفاديه، لو تم تفريغ المجمع من العناصر البشرية، ولو تحلى قياديو الجبهة بالحكمة والصبر والتفهم، لامتصاص غضب الثائرين.

الآن، وبغض النظر عن التفاصيل، ربما من المفيد، والأجدى، النظر إلى ماجرى من زاوية أشمل وأبعد وأعمق،
....
ومشكلة الفلسطينيين مع فصائلهم، أن هذه الفصائل باتت تعيش منذ أكثر من عقدين من الزمن على رصيدها الوطني السابق، بمعنى أنها لم تعد تراكم إنجازات جديدة، بل إن هذه الفصائل المجدبة، باتت تأكل من الانجازات المتحققة في السبعينيات والثمانينيات، بعد أن تراجعت مكانتها عند شعبها، وبعد أن ضمر حجمها، وأفل دورها في مواجهة عدوها، وفي مجال البناء الوطني.

وفي حقيقة الأمر فإن هذه الفصائل شاخت حقا، وترهلت بناها، وأفلت روحها النضالية، وتبددت قيمها السياسية والأخلاقية، والأنكى أنها لم تعد قادرة حتى على استيعاب الأجيال الجديدة من الشباب، إن بسبب ضعف الحراكات الديموقراطية فيها، أو بسبب هيمنة طبقة سياسية على مقدراتها وعلى التطورات في داخلها.

فوق كل ما تقدم فإن هذه الفصائل حافظت على سلوكات مهينة ومؤذية للمجتمع الفلسطيني، الذي لا يرى قياداته (في أغلب الأحوال) إلا في نهاية تشييع جنازات الشهداء (لا في أولها!)، وفي مهرجانات الانطلاقة السنوية لكل فصيل، ولغرض الاستعراض، وتوجيه الاتهامات، من قياديين أغلبهم يكرّر معزوفته، التي باتت ممجوجة، في كل عام، وفي واقع فلسطيني يسير نحو التدهور والضياع. والأنكى أن هؤلاء القيادات يحضرون إلى المخيمات (كون بيوتهم ومكاتبهم خارجها)، والتي يعيش أغلبية سكانها في حال من الإحباط والبؤس والفقر، بكامل أبهتهم، وبسياراتهم الفارهة، محاطين بعديد من المرافقين الأقوياء والمسلحين جيدا، والمجهزين حتى بوسائل اتصالات حديثة (على طريقة رامبو)، لكأنهم هابطون من كوكب آخر، أو لكأنهم ذاهبون إلى منطقة معادية
....
والخلاصة فإن ما جرى هو رسالة ذات مغزى وعلى جميع قيادات الفصائل، في رام الله وفي دمشق، استيعابها واستنباط العبر منها، بدلا من العناد والمزايدات والتوظيفات. فما جرى ربما يمثل إرهاصات مرحلة يجري فيها القطع مع النظام السياسي الفلسطيني الفصائلي، الذي انتهى دوره من الناحية العملية، وربما يمهد لمرحلة سياسية جديدة، محمولة على رياح الثورات الشعبية العربية، وآتية مع صعود قطاعات جديدة من الشباب تريد أن تسمع صوتها؛ هذا ما حصل في ميادين وشوارع المدن العربية، وهو ربما ما يحصل في الشارع الفلسطيني
."

No comments: