Via Azmi Bishara , this is a must read especially for those who buy the myth of Syria being "Anti Israel" or "Anti Imperialist"
منذ انطلاق الثّورات العربيّة، أبدت إسرائيل موقفًا واضحًا ضدّها وضدّ أهدافها المطالبة بإسقاط أنظمة الاستبداد والفساد
في الدول العربية وإقامة نظمٍ ديمقراطيّة تحترم حرّية المواطن وتقيم العدالة الاجتماعيّة([1]). وانطلاقًا من المفاهيم المتأصّلة في الثّقافة السياسيّة الإسرائيليّة، وفي مقدّمتها العداء للديمقراطيّة في الدول العربيّة والعداء للوحدة العربيّة وللعمل العربيّ المشترك، ناصبت إسرائيل -على نحوٍ عامّ- الثّورات العربيّة وقوى التّغيير في الدّول العربيّة العداء، وذلك عبر تصريحات مسؤولين في الحكومة وفي المؤسّسة الأمنيّة وما كتبته وسائل الإعلام وتحليلات المؤسّسة الأكاديميّة ومختصّين في الشؤون العربيّة، وشكّكت في أصالتها وفي قناعاتها وفي الأهداف التي تناضل الثورات العربيّة من أجلها([2]). وفي الوقت نفسه دافعت إسرائيل عن أنظمة الاستبداد والفساد، وخاصّةً تلك التي صنّفتها إسرائيل في خانة "الدول المعتدلة" وفي مقدّمتها مصر مبارك، وتونس بن علي. ولم تخْف وسائل الإعلام والمؤسّسة الأكاديميّة الإسرائيليّة -طوال العقود الماضية- إعجابها بإتقان أنظمة الاستبداد والفساد العربيّة عمليّة قمع شعوبها، ونجاحها في فرض أنظمة قويّة ومستقرّة بواسطة القمع الممنهج المنظّم، ولكن في الوقت نفسه كانت دولًا ضعيفة فشلت في مواجهة إسرائيل واستكانت لإستراتيجيّتها ولسياستها ولأجندتها في المنطقة.
ومنذ بدء حركة الاحتجاج في سورية التي سرعان ما تحوّلت إلى ثورة شعبيّة، أبدت إسرائيل اهتمامًا كبيرًا بها وبتطوّرات أحداثها وبإمكانيّة نجاحها. فلسورية مكانة مركزيةّ في حسابات إسرائيل، إذ خاضت إسرائيل عدّة حروب ضدّها، وهي تحتلّ جزءًا من أراضيها ما انفكّت سورية تطالب باستعادته. علاوةً على ذلك، فإنّ سورية دولة محوريّة في المشرق العربيّ، وترتبط بعلاقات وثيقة مع إيران وحزب الله وبعض التّنظيمات الفلسطينيّة، وتمتلك القدرة على التّأثير في تطوّر الأحداث، وخاصّةً في منطقة الهلال الخصيب.
وعلى خلاف موقف إسرائيل الواضح الدّاعم لنظام مبارك والمعارض بشدّة لإسقاطه، كان الموقف الإسرائيليّ من النظام السوريّ ومن مسألة إسقاطه مركّبًا ومعقّدًا. وقد التزمت الحكومة الإسرائيليّة، طوال السّنة الأولى من الثّورة السوريّة، جانب الصّمت إزاء مصير نظام الرئيس بشّار الأسد، وإزاء الثورة السوريّة وتطوّر أحداثها، واتّبعت سياسة الغموض تجاه هاتين المسألتين. ولكن، بعد مرور عام على بدء الثّورة واتّضاح عمقها وشموليّتها واستمراريّتها والدّعم الدوليّ الذي أصبحت تحظى به، غيّرت الحكومة الإسرائيليّة سياستها تجاه النّظام السوريّ والوضع السّوري عمومًا، وهذا ما سنعالجه لاحقًا.
لقد تأثّر الموقف الإسرائيليّ من النّظام السوريّ ومن الثورة السوريّة -المطالِبة بإسقاطه- بجملة من المتغيّرات والعوامل المختلفة والمتضاربة في بعض الأحيان. فهناك من ناحيةٍ العوامل التي تدفع الموقف الإسرائيليّ نحو تفضيل إسقاط النظام السوريّ، وثمّة في المقابل عوامل تشدّ في الاتّجاه المعاكس. فقد تمسّك النّظام السوريّ في السّنوات الماضية بموقفه الرافض لشروط السّلام الإسرائيليّة - الأميركيّة، وظلّ مصرًّا على انسحاب إسرائيل من الجولان إلى حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967. وأقام النظام السوريّ تحالفًا مع إيران وحزب الله وبعض التّنظيمات الفلسطينيّة، وأصبح هذا التّحالف محورًا مهمًّا في مناهضة السّياسة الإسرائيليّة - الأميركيّة في المنطقة. وعلى الرّغم من دخول النّظام السوريّ في العمليّة السياسيّة السلميّة منذ مؤتمر مدريد، ما انفكّت إسرائيل تعدّ النظام السوريّ عدوًّا لها. فهي تميّز بين من صنع علاقاتِ سلام معها، مثل مصر والأردن؛ ومن يدعم هذا الخيار، مثل المغرب والسعودية ودول الخليج والسّلطة الفلسطينيّة؛ ومن يرفض قبول الشّروط الإسرائيليّة - الأميركيّة. وترى إسرائيل أنّ من شأن سقوط النظام السوريّ أن يضع حدًّا للمحور الإيرانيّ - السوريّ المناهض لسياستها في المنطقة، وأن يُضعف إيران ويكون ضربة لها في مرحلة حسّاسة بالنّسبة إليها في إطار صراع الدول الغربيّة وإسرائيل ضدّها بشأن ملفّها النّووي. علاوةً على ذلك، يحمل إسقاط النظام السوريّ بين ثناياه إمكانيّة تغيير طبيعة علاقات سورية مع حزب الله وفكّ التّحالف بينهما، وهو ما من شأنه إضعاف حزب الله في لبنان.
ولكن من ناحية أخرى، وعلى الرّغم من كلّ ذلك، وعلى الرّغم من أنّ إسرائيل عدّت النظام السوريّ عدوًّا، إلا أنّها في الوقت نفسه تعدّه عدوًّا مريحًا نسبيًّا -منذ توقيعه اتفاقيّة فصل القوّات ووقف إطلاق النّار في عام 1974- للأسباب التّالية:
أوّلًا: احترم النّظام السوريّ منذ عام 1974 وحتّى اليوم اتّفاق وقف إطلاق النّار على جبهة الجولان، ولم يقم الجيش السوريّ منذ ذلك العام بإطلاق رصاصة واحدة على قوّات الاحتلال الإسرائيليّة من الجولان، وذلك على الرّغم من أنّ إسرائيل شنّت العديد من الحروب والاعتداءات على لبنان والفلسطينيّين راح ضحيّتها عشرات آلاف الفلسطينيّين واللبنانيّين، وعلى الرّغم من تدمير إسرائيل بتدمير "المنشأة" بالقرب من دير الزور في عام 2007، واغتيالها مساعد الرئيس السوريّ العميد محمّد سليمان في طرطوس في عام 2008، واغتيالها أيضًا -في العام نفسه- القائد البارز في حزب الله عماد مغنية في دمشق([3]).
ثانيًا: منع النظام السوريّ -بشدّة وبنجاعة- انطلاق أيّ أعمال مقاومة من جبهة الجولان.
ثالثًا: منذ مفاوضات مدريد ونهاية مرحلة البحث عن توزان إستراتيجي، اتّخذ النّظام السوريّ قرارًا تاريخيًّا بأنّ السّلام مع إسرائيل هو خياره الإستراتيجي وأنّ مسألة استعادة الجولان السوريّ المحتلّ تعالَج بالطرق السلميّة وبواسطة المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل.
رابعًا: أجرى النّظام السوريّ مفاوضات جدّية وطويلة مع إسرائيل في تسعينيّات القرن الماضي بوساطة أميركيّة، وفي عامَي 2007 و2008 بوساطة تركيّة، وأبدى استعداده لتوقيع اتّفاق سلام مع إسرائيل وإقامة علاقات طبيعيّة معها في مختلف المجالات شرط استعادة الجولان([4]).
خامسًا: أثبتت التّجربة عبر العقود الماضية أنّ بإمكان إسرائيل التّوصّل إلى تفاهمات مع النظام السوريّ -على أرضيّة المصالح المشتركة- بشأن القضايا العربيّة الأكثر حساسيّة حتّى وإن كانت المواقف العلنيّة والرسميّة للنّظام السوريّ عكس ذلك. فمثلا، كشف كتابٌ صدر في إسرائيل عن بعض هذه التّفاهمات التي جرت بين إسرائيل والنّظام السوريّ بشأن حرب إسرائيل الأولى على لبنان ضدّ الفلسطينيّين وحلفائهم اللبنانيّين في عام 1982. ففي أثناء تمهيد إسرائيل لشنّ الحرب ضدّ قوّات منظّمة التّحرير الفلسطينيّة في لبنان وحلفائها من القوى الوطنيّة اللبنانيّة، عملت على الاتّصال المباشر بالنّظام السوريّ بغرض التوصّل إلى تفاهم معه بشأن هذه الحرب، وضمان حياد سورية منها([5]). وفي هذا السّياق، اجتمع وزير الدفاع الإسرائيليّ أريئيل شارون ومساعده أبراهام تمير بالرّجل الثاني في النظام السوريّ حينئذ -رفعت الأسد، شقيق الرئيس السوريّ الرّاحل حافظ الأسد- في جنيف في كانون الأوّل / ديسمبر 1981. وأكّد شارون في هذا الاجتماع على المصالح المشتركة بين إسرائيل والنظام السوريّ، وفي مقدّمتها إضعاف منظّمة التّحرير الفلسطينيّة، وتقسيم مناطق النّفوذ في لبنان بينهما بشكل واضح. وحرص شارون على إبلاغ رفعت الأسد في هذا الاجتماع بأنّ أهداف إسرائيل من الحرب التي ستشنّها على القوّات الفلسطينيّة التابعة لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة في لبنان محدودةٌ ومقتصرة فقط على ضرب هذه القوّات الفلسطينيّة، وأنّ إسرائيل تعترف بالمصالح السوريّة في لبنان. وقد وقع في هذا الاجتماع تفاهمٌ شفهيّ بين شارون ورفعت الأسد بشأن الحرب التي ستشنّها إسرائيل على لبنان، ولكن من دون توقيع اتّفاقٍ مكتوب([6]).
على الرّغم من سياسة "الغموض"، وعدم الوضوح، التي تبنّتها الحكومة الإسرائيليّة تجاه الثّورة السوريّة وتطوّر أحداثها في سنتها الأولى إلّا أنّه يمكن استخلاص جملة من الأمور بشأن الموقف الإسرائيليّ منها:
1- لقد فضّلت إسرائيل منذ البداية عدم استجابة النّظام السوريّ لمطالب الثّورة السوريّة المنادية بالحرّية والديمقراطيّة، لأنّ إسرائيل رأت أنّ إقامة نظام ديمقراطي في سورية تمثّل تغييرًا إستراتيجيًّا في المنطقة، وتحمل بين ثناياها -على المديين المتوسّط والبعيد- النّهوض بسورية وتعزيز قدراتها ومكانتها ودورها في المنطقة، ما يزيد من إمكانيّاتها في مواجهة إسرائيل والتصدّي لها ولسياستها العدوانيّة([7]).
2- لقد فضّلت إسرائيل أن لا تحقّق الثورة أهدافها بسرعة، وأن يمتدّ أمد الثورة، وكذلك أمد قدرة النّظام على الاستمرار في البطش بالثورة وبالشّعب السوريّ أطول فترة ممكنة، من أجل استنزاف النظام السوريّ والدّولة السوريّة وإضعافهما، وإنهاك الشّعب السوريّ. فإسرائيل تتعامل مع سورية الدّولة والنّظام والثورة كعدوّ، وتعدّ من مصلحتها إضعاف سورية وإطالة أمد الصّراع فيها أطول فترة ممكنة.
3- هناك خشية في إسرائيل من ضمور قوّة سلطة النظام السوريّ المركزيّة وحدوث تآكل وضعف في قوّته عمومًا، وهو ما قد يؤثّر في قدرة النّظام على الحفاظ على الهدوء في جبهة الجولان. فقد يشكّل ضعف السّلطة المركزيّة وعدم قدرتها على بسط نفوذها على أجزاء واسعة من سورية، نقطة جذب لتنظيمات ومجموعات مسلّحة قد يتّجه جزء منها للعمل ضدّ إسرائيل.
4- هناك قلق في إسرائيل من عدم قدرة النّظام السوريّ على الاستمرار في السّيطرة على الأسلحة الكيماويّة والبيولوجيّة السوريّة والأسلحة المتطوّرة الأخرى، وقلق من إمكانيّة وقوعها في أيدي قوى معادية لإسرائيل. إلى جانب ذلك، هناك قلق من أن تُسرّب الأسلحة الأكثر تطوّرًا وفتكًا إلى حزب الله([8]).
No comments:
Post a Comment