رأي القدس
كشفت دورية ‘فورين بوليسي’ الأمريكية عن خلاف بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وكبار مستشاريه الذين يصرون على الغاء مؤتمر ‘جنيف 2′ حول سورية أو تأجيله، وفي ما يشبه السخرية من موقف الوزير نقلت المجلة عن مسؤول أمريكي كبير قوله ‘إن الشخص الوحيد الذي يريد عقد مؤتمر جنيف هو الوزير’.
المثير للمفارقة ان الأخضر الابراهيمي، المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية لحل الأزمة السورية، كرر عدة مرات أيضا أنه لا يبني آمالاً على العملية السلمية، وهو يؤكد بذلك، من جهة، صحة رأي مستشاري كيري، وهو، من جهة أخرى، يجعلنا نتساءل عن سبب تنقلاته التي لا تنتهي بين البلدان العربية والأجنبية اذا كان لا يرى أملاً في العملية السياسية؟
يستند مستشارو جون كيري الى صورة واقعية لما يحصل في سورية فهم يعلمون أن المعارضة السورية ستفقد أية مصداقية لها عند السوريين لو أنها حضرت دون ضمانات بما اتفق عليه في جنيف 1 من تأسيس لحكومة سورية بصلاحيات كاملة، وهو ما يعني خروج بشار الأسد من الواجهة.
هذا هو حجر الزاوية الذي يمكن البناء عليه بالنسبة لسورية ككلّ وليس بالنسبة للمعارضة فحسب، فالرئيس السوري يتحمّل مسؤولية كاملة عن الدمار الشامل الذي حاق بالبلاد التي تسلّم قيادتها بالوراثة فعرّض شعبها إلى أسوأ كارثة في تاريخه الحديث والقديم.
بغير ذلك فإن المؤتمر سيكون اجتماعاً لتمرير المشروع الروسي المتمثّل باجراء مفاوضات بين بشار الأسد وتشكيلة تضمن تمييع وزن المعارضة الجذرية له المتمثلة بالائتلاف الوطني المعارض (والذي يتعرض لضغط شديد من الحراك المدني والعسكري داخل البلاد)، باضافة قوس قزح من معارضة ‘معتدلة’ (ولكن لا تأثير حقيقياً لها على أطر المعارضة المدنية والعسكرية للنظام) ومعارضات أخرى ‘سكر خفيف’، تم تلفيقها على عجل وتحوّلت إلى أداة دعائية تطلق البالونات الاختبارية لصالح النظام من وقت لآخر.
الائتلاف السوري المعارض ارجأ اجتماعاته الى 9 تشرين الثاني (نوفمبر) بعد أن مورست عليه ضغوط شديدة، ومن ذلك ما يشبه التهديد في قول جيفري فيلتمان رئيس الدائرة السياسية في الأمم المتحدة الذي قال إن ‘عدم انعقاد مؤتمر جنيف 2 يعني ترشح بشار الأسد للرئاسة’، وكذلك قوله ‘شاركت السعودية ام لم تشارك هي تلعب دورها لكن لا يجب ان نربط مشاركة ايران بمشاركة السعودية’، فهاتان النقطتان الصادرتان عن مسؤول أممي كفيلتان بتهديم أية امكانية لمشاركة المعارضة السورية وإبعاد أكبر حلفائها العرب.
سخرية بعض المسؤولين الأمريكيين من الوزير كيري واختلاف مستشاريه معه يظهر الدبلوماسية الأمريكية كما لو كانت ذيلاً للدبلوماسية الروسية التي تعمل جاهدة لإدخال بشار الأسد باعتباره اللاعب الأساسي على الأرض وفي المفاوضات.
أثناء ذلك يعيش السوريون الذين ما زالوا على قيد الحياة، والذين سجّل أكثر من نصفهم تحت خط الفقر وتهجر 8 ملايين منهم داخل وخارج سورية، واعتقل أكثر من مئتي ألف (بينهم اكثر من 40 ألف امرأة)، ويقتل شهرياً ما يقارب 5 آلاف صار عشرات الآلاف منهم في المقابر.
مصير السوريين مظلم لكنّ فكرة تأهيل بشار الأسد أكثر إظلاماً من أي مصير.
No comments:
Post a Comment