A GOOD ANALYSIS
تحليل إخباري ــ نضال محمد وتد
18 أغسطس 2014
لم يكن صدفة أن أوفدت إسرائيل، أمس الأحد، إلى القاهرة، وفداً أمنياً بامتياز، من دون أي عضو سياسي في الوفد، فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتورط مع مجلس الوزراء المصغر "كابينت" وشركاء ائتلاف، الذين يتحينون الفرصة للانقضاض عليه، يبحث عن غطاء "أمني" لرفض المبادرة المصرية. غير أنّ نتنياهو، في المقابل، ينتظر أن يرفضها الطرف الفلسطيني، على غرار ورقة "الإملاءات الأولى" التي أعلنت إسرائيل قبولها بعد تقديرات أجهزتها أن المقاومة سترفضها لأنّها كانت أصلاً إملاءات مُذلة لا يمكن للمقاومة القبول بها.
لكن الساعات المتبقية لانتهاء الهدنة الحالية (تنتهي عند منتصف ليل الإثنين ــ الثلاثاء)، هي الأشد خطراً على مكاسب المقاومة الفلسطينية الحالية، وتهدد بضياعها، في حال رضخت للضغوط المصرية. وقد أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مجدداً السبت، أنّه "لا بديل عن المبادرة المصرية"، على الرغم من أنّها حتى بعد التعديل ماتزال لا تستوفي مطالب المقاومة كافة، التي أعلنت السلطة الفلسطينية عن تبنيها في الأسبوعين الماضيين.
"
تشكل تصريحات عباس، ومحاولات "الإقناع" التي بذلها صائب عريقات في الدوحة، انتكاسة تُهدد بالانقلاب على المقاومة
"
وفي السياق، تشكل تصريحات عباس، ومحاولات "الإقناع" التي بذلها عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات في الدوحة، مع ما رافق ذلك من تناقل الصحف الإسرائيلية، اليوم الإثنين، أن حركة "الجهاد الإسلامي" تميل للقبول بالورقة المصرية، وهو ما قد يشكل انتكاسة تُهدّد بالانقلاب على المقاومة، بعد أن استنفد الوقوف إلى جانب المطالب، على الأقل ظاهرياً، وظيفته في امتصاص الغضب الفلسطيني على السلطة الفلسطينية خلال الأسابيع الأولى للعدوان.
ويرى البعض أن الموقف الفلسطيني الحالي، كما عبّر عنه عباس، مع ما يرافقه من ضغوط مصرية على الوفد الفلسطيني وتحديداً على "حماس"، يخدم بشكل أو بآخر، الورطة والمأزق الإسرائيليين اللذين انعكسا بالأساس بالتلويح الإسرائيلي باتخاذ خطوات أحادية الجانب. كما أنّ تفجير المفاوضات انتظاراً لقرار دولي بعد استئناف القتال، يفرض على الجانبين وقف القتال والعودة إلى المفاوضات عبر اعتماد المبادرة المصرية خياراً أولياً. ويُشكل التلويح بالمبادرة المصرية كخيار وحيد ومحاولات فرضها حتى قبل استيفائها شروط المقاومة كافة، في هذه الحالة، هو طوق نجاة للمأزق الإسرائيلي.
فحكومة نتنياهو في مأزق كبير: لا رئيسها قادر على ضمان أغلبية في "الكابينيت" لصالح المبادرة المصرية أو لإبرام اتفاق مع "حماس"، ولا حكومته قادرة على الحسم العسكري، الذي وعدت فيه مواطنيها، وبالتالي فإن خيارات نتنياهو محدودة للغاية.
وخلافاً، لبدايات العدوان عندما راهن نتنياهو على "النافذة الزمنية" المتاحة له دولياً، فإن الساعة الرملية للوقت بدأت تسير في غير صالحه، لأن نفاد رملها قبل الأول من سبتمبر/أيلول المقبل، يعني أكبر نصر للمقاومة من حيث كسرها لأكبر روتين للحياة العادية في دولة عصرية، لن تكون قادرة في الأول من سبتمبر/أيلول الإعلان بمراسم احتفالية عن انتظام السنة الدراسية فيها، وذلك بفعل الخوف من صواريخ المقاومة، من جهة، ورفض سكان مستوطنات الجنوب من العودة إلى مستوطناتهم، وبالتأكيد رفضهم إرسال أولادهم إلى المدرسة من دون توفر الأمن، من جهة ثانية.
ويشكل العامل الزمني مع الخوف من حرب استنزاف طويلة مع المقاومة، عاملي ضغط أساسيين على حكومة نتنياهو، خاصة وأن وزراء الحكومة وأعضاء "الكابينيت" لم يعودوا يأبهون بالخروج على رئيس الحكومة وانتقاد تردده وضعفه في مواجهة "حماس"، وهو الذي رفع في الانتخابات الأخيرة شعارا هو "قوي في مواجهة حماس".
ومع إدراك حكومة الاحتلال لذلك، فإنّها تعول حالياً على الدور المصري الذي انضمت إليه السلطة الفلسطينية، والضغط على حركة المقاومة الفلسطينية للقبول بنصوص لا تضمن فعلاً أن تنفذ لاحقاً، وخصوصاً ما يتعلق بالميناء البحري والمطار الجوي.
وفي مواجهة تأييد السلطة الفلسطينية المبادرة المصرية الجديدة، علّها تكسب منها عودة سياسية للقطاع، تبدي "حماس" إدراكاً واضحاً للمقولة الشعبية الفلسطينية أن "ما لا يخرج مع العروس من بيت أهلها، لا يلحقها".
"
ما لا تحققه المقاومة في مفاوضات القاهرة الآن، لن تحصل عليه مستقبلاً
"
ويعني هذا في سياق المفاوضات، أن ما لا تحققه المقاومة في مفاوضات القاهرة الآن، لن تحصل عليه مستقبلاً، وذلك بالاستناد على تجربة السلطة الفلسطينية التي لم تحصل على ما تضمنته التفاهمات التي سبقت مفاوضات الأشهر التسعة التي انتهت في 29 أبريل/نيسان الماضي، لعدم توفر ضمانات دولية، مع نقض إسرائيل لاستحقاق إطلاق سراح الدفعة الأخيرة من أسرى ما قبل اتفاق "أوسلو".
كل ذلك يعني في الوقت الحالي، أن أي تراجع عن الشّروط الأساسية، أو الضمانات الدولية لها، يمنح إسرائيل ضوءاً أخضر لأن تتهرب مستقبلاً وبحجج وذرائع مختلفة من أي استحقاقات أو وعود لا يتم تثبيتها في اتفاق ملزم مع ضمانات دولية. وعملياً، يمكن القول في هذه الحالة، إن عدم الاتفاق في القاهرة اليوم على اتفاق وقف إطلاق نار، يضمن شروط المقاومة، أفضل من اتفاق سيئ يمنح إسرائيل مجالات واسعة للمناورة والمماطلة، وقد يكون أيضاً منفذاً لابتزاز السلطة الفلسطينية والمقاومة، لاحقاً، بعدم التوجه لمحكمة الجنايات الدولية لجرائم الحرب، وإهمال التقرير الذي قد تخرج به لجنة التحقيق الدولية برئاسة وليام شاباس، وتكرار ما حدث مع تقرير "غولدستون" بعد عدوان الرصاص المصبوب 2008 ــ 2009.
No comments:
Post a Comment