لو أن المقاومة بقيت في بيروت، لحافظت على وجودها وشعبها، لكن بين أداة الشرط وجوابه استغلت (إسرائيل) ذلك وقضت على أكثر من 3 آلاف لاجئ فلسطيني في أبشع مجازر التاريخ. إنها "صبرا وشاتيلا".
واقع الثمانينات ذاته استمر مع العام الرابع عشر بعد الألفين: مجازر، وقصف واجتياحات، ومفاوضات، ومساومة على الثوابت، لكن المواقف اختلفت وأصرّت المقاومة على التمسك بسلاحها.
لندير عجلة الزمان ونعود إلى قصة صبرا وشاتيلا التي وقعت 16 أيلول/سبتمبر عام 1982 واستمرت 3 أيام، على يد القوات الاسرائيلية والمجموعات الانعزالية اللبنانية المتمثلة بحزب الكتائب اللبناني، "جيش لحد".
حاصر الإسرائيليون المخيم ودخلت الكتائب بعد انسحاب المنظمة منه وفقدان القوة العسكرية. بدأت تنفيذ المجزرة بعيدا عن الإعلام، واستخدمت الأسلحة البيضاء وغيرها في قتل سكان المخيم العزل.
آنذاك. قتل أكثر من 3 آلاف فلسطيني على يد الجيش الإسرائيلي بقيادة أرئيل شارون ورفائيل إيتان، والقوات الانعزالية اللبنانية تحت إمرة المسؤول الكتائبي إيلي حبيقة.
شتان بين غزة وبيروت
بعد قصف القوات الإسرائيلية بيروت، اجتمع العرب في فاس وطرحوا مشروعًا للتسوية يتضمن الاعتراف بـحق (إسرائيل) في الأراضي الفلسطينية، وعندها وافقت منظمة التحرير على المشروع وبدأت المفاوضات من أجل إخراجها من بيروت.
ظلت (إسرائيل) تساندها الكتائب اللبنانية بقصف الفلسطينيين، وخلال هذه الظروف أعلن الرئيس ياسر عرفات الموافقة على قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بفلسطين، وأبدى استعداده التخلي عن المقاومة، لكن (إسرائيل) لم تقبل واشترطت الخروج من بيروت.
وقتها وافقت المنظمة على الانسحاب بكل قواتها من بيروت، وظلت المخيمات الفلسطينية بلا مقاومة أو قوة عسكرية، فاستغلت (إسرائيل) الوضع واقتحمت مخيمي صبرا وشاتيلا، ووقت المجزرة الأبشع في تاريخ البشرية.
هو السيناريو يكرر ذاته بشقه الأول دون الثاني. (إسرائيل) تشترط اليوم نزع سلاح المقاومة في غزة مقابل الموافقة على شروط الفلسطينيين، لكن المقاومة بكل فصائلها ترفض مجرد نقاش الفكرة، فربما نعيش صبرا وشاتيلا جديدة.
في الحرب الأخيرة على غزة وقبلها اثنتين، أثبتت الفصائل الفلسطينية أن التمسك بالمقاومة المسلحة في وجه (إسرائيل) هو الطريق الوحيد لإنهاء الاحتلال، رغم أن المفاوضات وجدت نفسها، لكن الكلمة الأولى كانت للبندقية والميدان.
شهادات من شاتيلا
الشاعرة رحاب كنعان إحدى الناجيات من المجزرة، وبقيت شاهدة على تفاصيلها. تقول إن القوات المسلحة خرجت من المخيم بناءً على قرار الأمم المتحدة، ومع ذلك ظل في المخيم شباب فلسطينيي 48 بسلاح بسيط جدًا.
وتضيف كنعان لـ "الرسالة نت": "السلاح متواضع جدًا لا يُقارن بالقوة الإسرائيلية، لكن إرادة الشباب ظلت موجودة في مواجهة الإسرائيليين"، مشيرةً إلى أن الجيش اقتحم المخيم من الأطراف ولم يستطع الدخول إليه بسبب مقاومة الشباب.
وتؤكد أن اقتحام القوات الإسرائيلية وارتكاب المجزرة كان مخططًا له، وتستدل على ذلك بالترتيب الزمني "في 13/9 غادرت القوات، بعدها بيوم جرى اغتيال الرئيس بشير الجميّل، ثم في اليوم التالي دخلت القوات الإسرائيلية بيروت".
شهيرة ابو ردينة ناجية أخرى من المجزرة تروي تفاصيل الحكاية الغائبة الحاضرة: " كنا في الغرفة الداخلية نختبئ من القصف لأنها أكثر أمانا وبعيدة عن الشارع الرئيسي حيث جرت المجزرة الأساسية. كنا كثرًا في المنزل".
شهيرة التي ترفض التكلم عن المجزرة عادة، خالفت عادتها هذه المرة وتكملت: "بقينا فيه حتى الصباح. كنا نسمع أثناء الليل صراخا وإطلاق رصاص. عرفنا حينها أنهم يقتلون الناس. كانوا يتراكضون في الازقة القريبة من بيتنا، فلم نجرؤ على الخروج. عند الفجر، خرجت أختي لتتفقد الحي وترى ماذا يجري".
ما إن خرجت شقيقة شهيرة حتى صرخت "بابا" بصوت وُصِف بالمرعب وجرى بعدها إطلاق نار كثيف. استجاب الوالد لندائها فخرج فقتل أيضا. لاحقًا، وجدت جثة أخت شهيرة (17 عامًا) مربوطة إلى النافذة وكانت منتفخة جدًا.
كل العائلة قُتلت. "زوجي، أخي، ابن عمي، والدي، جميعهم قتلوا". تقول شهيرة وتتابع: "جاؤوا صباحا وأخرجونا من البيت، وضعوا الرجال امام الحائط وانقضوا عليهم بالبلطات. انهمر عليهم الرصاص كالمطر ثم اقتادونا الى الشارع الرئيسي وكنا نساء وأطفالا فقط. وضعونا امام الحائط".
تنهي شهيرة شهادتها المختصرة: "سمعتُ واحدًا يتحدث العبرية. يبدو أنه إسرائيلي. لم نفهم ماذا كان يقول، لكنهم (قوات الكتائب) فهموا وتوقفوا عن قتلنا بعدما تحدثوا معه بالعبرية". اصطحبت القوات اللبنانية والجيش الإسرائيلي شهيرة ومن معها إلى المدينة الرياضية، وحبسوهم هناك.
قتل بلا هوادة
ودخلت 3 فرق إلى المخيم كل منها يتكون من 50 مسلح، بحجة وجود 1500 مسلح، وأطبقت المجموعات المارونية اللبنانية على سكان المخيم وأخذوا يقتلون المدنيين بلا هوادة.
تقول ناجية ثالثة من المجزرة إن أطفالا في سن الثالثة والرابعة وُجدوا غرقى في دمائهم، ونساء حوامل تم بقر بطونهن، ونساء تم اغتصابهن قبل قتلهن، إضافة إلى رجال وشيوخ ذُبحوا وقُتلوا.
وتضيف أن كل من حاول الهرب كان القتل مصيره، حيث كانت المجزرة 48 ساعة وسماء المخيم مغطاة بنيران القنابل المضيئة.
بعد ذلك، أحكمت القوات الإسرائيلية إغلاقَ مداخل النجاة إلى المخيم. لم يُسمح للصحفيين ولا وكالات الأنباء بالدخول إلا بعد انتهاء المجزرة. حينما استفاق العالم على مذبحة من أبشع المذابح في تاريخ البشرية.
وتقول رواية حول عدد القتلى في المذبحة إن الحصيلة لم تُحدد بوضوح، وتتراوح التقديرات حوالي 4000 شهيد من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين العزل.
No comments:
Post a Comment