Link
في خطابه الأخير قبل أيام قدّم الرئيس السوري بشار الاسد تعريفا جديدا للمواطن الذي يحق له الانتماء لبلده (سوريا في هذه الحالة) قائلا: «إن الوطن ليس لمن يسكن فيه أو يحمل جنسيته وجواز سفره بل لمن يدافع عنه ويحميه»، في إشارة فهمها أبناء البلد، كما فهمها غيرهم، أنه يعني فيها الإيرانيين واللبنانيين الذين يقاتلون للحفاظ على النظام السوري ضد السوريين الثائرين عليه.
الرئيس المعروف بمحاولاته اللانهائية لتبسيط العالم وتعريفه لشعوب لا تصل مداركها لمعارفه، والتعامل مع متلقي خطاباته كتلاميذ مدرسة، يقدم في تعريفه الجديد تطويرا كبيراً في تدرج سلم خطاباته التي بدأت مع رفض التدخل الخارجي، ثم بإنكار وجود قوات أجنبية في سوريا، ثم الاقرار بوجود بعض الدعم من حلفاء النظام الخارجيين، ثم الاقرار بوجود قوات ايرانية ولبنانية مشروطة، وصولا الى تعريفه الأخير الفاقع بأن الأجنبي هو السوري الحقيقي أما من عاشوا على الأرض منذ آلاف السنين فهم إرهابيون، وبهذه «المكرمة» الحديثة سلخ الرئيس عن السوريين جنسيتهم ومواطنيتهم وحصرها فعلياً بالأجانب الذين يدافعون عنه.
لكن الحق يقال إن الرئيس السوري، منذ خطابه الأول الذي اعتبر فيه ثورة مدينة درعا ضد ابن خالته القائد الأمني عاطف نجيب، الذي عذب أطفالها وأهان شيوخها، فتنة طائفية مدعومة من الخارج، وصولاً الى خطابه الأحد الماضي الذي اعطى المدافعين عنه امتياز الوطنية والجنسية السوريتين، حافظ الرئيس على ثابت مهم في خطاباته كلها وهي الاحتقار المستمر لرعاياه السوريين، واعتبارهم عبيدا ورثهم مع «الجمهورية» التي ورثها من أبيه الراحل، أو هم عملاء وإرهابيون يتحركون بأوامر خارجية، لا بشرا طفح بهم كيل الظلم والاستهانة بكراماتهم وثاروا على البطش الشمولي والاستبداد الهائل والفساد العميم.
وعلى اختلافهما، فإن الخطابين، الأول والأخير، اللذين كان حبرهما معجوناً بدماء مئات آلاف القتلى وغبار مئات المدن والقرى المدمرة وآلام ملايين اللاجئين والنازحين، يجتمعان في اعتبار أهل البلد الأصلاء والشرفاء والكرماء الذين حضنوا آلاف الهجرات والمنفيين عبر العصور، ولديهم في عاصمتهم حي راق كبير يدعى «المهاجرين» يحتل فيه الأسد قصرا في ربوعه، هم العدوّ (أو كما وصفهم في خطاب آخر: الحاضنة الاجتماعية للإرهابيين) بينما اعتبر غرباء الوجه واليد واللسان القادمين للمشاركة في مقتلة الشعب السوري الكبيرة هم أبناء البلد.
وعلى اختلافهما، فإن الخطابين، الأول والأخير، اللذين كان حبرهما معجوناً بدماء مئات آلاف القتلى وغبار مئات المدن والقرى المدمرة وآلام ملايين اللاجئين والنازحين، يجتمعان في اعتبار أهل البلد الأصلاء والشرفاء والكرماء الذين حضنوا آلاف الهجرات والمنفيين عبر العصور، ولديهم في عاصمتهم حي راق كبير يدعى «المهاجرين» يحتل فيه الأسد قصرا في ربوعه، هم العدوّ (أو كما وصفهم في خطاب آخر: الحاضنة الاجتماعية للإرهابيين) بينما اعتبر غرباء الوجه واليد واللسان القادمين للمشاركة في مقتلة الشعب السوري الكبيرة هم أبناء البلد.
وبغض النظر عن بلاغة تعريفات الرئيس للسوريين الحقيقيين والزائفين فإن الخطاب الجديد يوصف واقعا مفروضا على الأرض وصار السوريون يتعاملون معه على هذا الأساس، وهو أن الإيرانيين وأنصارهم في «حزب الله» اللبناني صاروا أصحاب القرار والسيادة في دويلة الـ30 بالمئة من مساحة سوريا الباقية تحت سيطرة النظام، ولذلك فإن التنظيمات المعارضة صارت، كما حصل قبل أيام من مفاوضات بين ممثلي حركة «أحرار الشام» ودبلوماسيين إيرانيين في تركيا، يتفاوضون مباشرة مع الإيرانيين، متجاوزين السيادة الشكلية لـ»المواطن الأول» ومتجاهلين خطاباته البليغة.
سيذكر التاريخ بمرارة وتعجب للرئيس، الذي ورث الأرض السورية ومن عليها، نجاحه في تهجير نصف الشعب الى المنافي واستيراد شعب جديد من الخارج.
رأي القدس
No comments:
Post a Comment