ميشيل كيلو
A VERY GOOD PIECE
Link
من الأخطاء الكارثية التي اقترفناها الوهم الذي ركبنا، وجعلنا نعتقد أن باستطاعتنا فرض الحل الذي نريده على الدول الكبرى والإقليمية والعربية. وعلى النظام والأطراف الأخرى المنخرطة في الصراع الداخلي السوري، على الرغم مما يفصلها من خلافات ورهانات متباينة، وارتباطات خارجية متشعبة ومتناقضة.
لو أن الثورة السورية اقتصرت على الصراع بين الشعب والنظام، لكان في وسعنا فرض الحل الذي أردناه: عنيت إسقاط الأسد ورحيل نظامه، لكن الثورة لم تنج من تدخلات الكبار دولياً وإقليمياً، ومن تحويلها، في فترةٍ، من شأن داخلي، جوهره المطالبة بالإصلاح والحرية إلى ميدان صراعاتٍ وتصفية حساباتٍ، انطمر فيه بأنماطٍ، لا تنتمي إليها من السياسات والأهداف، أدت إلى تغييب مقوماتها الداخلية تحت تناقضات خارجية، حجبتها بصورة متزايدة، ما لبث أصحابها أن انخرطوا بطرق مباشرة وغير مباشرة في أنشطة عسكرية، بدأها ملالي إيران، ثم قادة الكرملين لدعم النظام، وما تلاها من ردود أفعال عربية وتركية، في حين انفردت أميركا بتحديد ساحة الصراع ومفرداته وأدوار الضالعين فيه، ووجهت بتطوراته، وأدارت صراعاته بأساليب "إدارة الأزمات"، التي تتكفل بإدامتها وتدفعها نحو الأهداف التي عينت لها، وقيدت جميع جهاته بخطوط حمراء رسمتها لهم.
هذا التطور الذي بدأ بعد أشهر قليلة من انطلاقة ثورة الحرية السلمية، أخرج الحل من أيدي السوريين، ونقله إلى أيد خارجية أمسكت، بدرجات متفاوتة، بأقدار السوريين، من خلال إدارة تناقضاتهم وتوافقاتهم، ومنعهم من امتلاك قرارهم الوطني المستقل، وتوزيع أدوار مدروسة على الأطراف الخارجية التي ترك لها هامش حركة محدود أطال الصراع بين معسكرين محليين وعربيين وإقليميين ودوليين، دعم أحدهما النظام، وما أن رآه ينهار حتى تدخل بجيشه، وحمل عبء الحرب الأكبر ضد السوريين وثورتهم، بالشراكة مع جيش إيران ومرتزقتها. واليوم، لا بد من الاعتراف بأننا محكومون بالعجز عن فرض الحل الذي نريده لبلادنا، لأسباب منها استحالة رد الوضع إلى هويته الأصلية، صراعاً بين النظام والشعب، موضوعه التخلص من الاستبداد ونيل الحرية.
بالتخلي عن استراتيجيتنا الراهنة التي أوهمتنا أن الحل بيدنا، من المحتم تطوير استراتيجية بديلة تقوم على تنظيم أوضاعنا الذاتية، السياسية منها والعسكرية، بطريقة تقنع جميع أطراف الصراع في بلادنا وعليها، باستحالة تحقيق مصالحهم، عبر أي حل سياسي أو عسكري، من دون تلبية مطالب الشعب السوري، وفي مقدمها رحيل الأسد ونظامه، وبناء نظام ديمقراطي معاد للإرهاب والأصولية. هذه الانعطافة إلى الاستراتيجية البديلة، ستعطي الأولوية لإبعاد المسألة السورية الداخلية، الوطنية والديمقراطية، التي وقع تجاهلها بصورة شبة كاملة، طوال السنوات الماضية، وستراهن على قدرات الشعب السوري، بدل الرهان على الخارج وتدخلاته، وستزود الثورة بمناعة تحصنها ضد الاختراق، سيتعين مصير سورية بها، بما أن تنفيذها سيوحّد القوى الوطنية والمجتمعية حول خطط سياسيةٍ وعسكريةٍ، تعيد إلى الثورة معادلتها الأولى، فاعلية تجعل الديمقراطية بديلاً وحيداً للاستبداد الأسدي، المسمى علمانياً، ولمرادفاته المذهبية، المسماة إسلامية.
سواء كنا قادرين على إحداث النقلة الاستراتيجية المصيرية، أم لم نكن، من المحال أن تمكننا قوانا الذاتية من فرض الحل الذي نريده على عالمٍ، تعج بلادنا بصراعاته وجيوشه وحروبه، تخلى حتى عن دعمه الكلامي لنا. ولا بديل عندنا غير التصدّي، بقوانا الذاتية للمهمة التي تطرح نفسها علينا، عنيت: ترتيب أوضاعنا بطريقة تقنع العالم باستحالة تحقيق مصالحه، إلا عبر تحقيق مصالحنا. عندئذ، لا نخسر ونحن نتوهم أننا ننتصر، وننتصر حقاً بأقل قدر من الخسارة.
No comments:
Post a Comment