سلامة كيلة
Link
يستفزّ توصيف روسيا إمبريالية يساريين كثيرين، وبالتالي، سيستفزهم توصيفها بالمتوحشة أكثر. ليس مهماً ذلك، حيث إنهم لا يريدون الفهم، ويتجاهلون الوقائع، حيث ينحكمون لموقف غريزي تجاه النظام السوري (كما أطراف عديدة في المعارضة السورية)، وفي الغرائز لا إمكانية للفهم، أو التفهيم، أو الاستفهام، ولا مكان للوقائع كذلك.
روسيا إمبريالية بفعل تكوينها الداخلي، كما شرحت مراراً، واستظهاراً بدورها العسكري الخارجي ضد جاراتها أولاً، ثم في سورية ثانياً. ولأنها تسعى إلى "التوسع الاقتصادي" ككل إمبريالية، حيث إن توسعها العسكري ليس من أجل "الخدمات الإنسانية"، كما تفعل كل إمبريالية كذلك (وأميركا مثال واضح)، بل من أجل المصالح. هذا ما كان ينفيه كل "اليسار الممانع"، وينفيه الخطاب الإعلامي الروسي نفسه. فهي آتية من أجل "محاربة الإرهاب الداعشي"، أو من أجل "حماية النظام من السقوط بيد أميركا"، كما يشار عادة، وأن ليس لديها أي مطامع أخرى. فماذا في سورية، لكي تتدخل روسيا بهذه الطريقة كي تكسبه أصلاً؟ كما يشير كل هؤلاء.
لكن كل خطاب متهافت لا بد من أن يأتي ما يكشفه. فهذا سفير روسيا في دمشق يقول إن روسيا تقدم السلاح للنظام بلا مقابل، أو بشروط مرنة. لكنه يكمل أن ذلك كله "سيتحوّل إلى مكاسب اقتصادية للشركات الروسية". هكذا بالضبط، ككل خطاب إمبريالي، حيث سيتحوّل التدخل العسكري، وتتحول المساعدات العسكرية، إلى "مكاسب اقتصادية"، وتحديداً للشركات الروسية. فالدولة الروسية هنا تدفع كل قيمة الأسلحة التي تضخها للنظام، أو تستهلكها في الحرب، وكل الضحايا التي يمكن أن تقدمها، من أجل مصالح "الشركات الروسية". وهي ستفعل كل ما تستطيع من أجل ذلك، لأنها ممثلة الشركات الروسية، هي أداة الرأسمالية المافياوية الروسية.
إذن، هي إمبريالية، لا تتردد في استخدام جيوشها من أجل مصالح شركاتها. وهي حتى قبل انتهاء الصراع تغطي نشاط شركاتها في سورية، وتقيم المشاريع، وتنشط في حقول النفط والغاز، حتى تلك التي تحت سيطرة داعش. فقد حصلت من النظام أن دعمته سياسياً في مجلس الأمن على حق استغلال كل حقول النفط والغاز، وكثير من المشاريع الأخرى. وهي كدولة إمبريالية حصلت على قواعد بحرية وجوية، وربما برية، في إطار تعزيز وضعها العالمي، والتهيئة للسيطرة على بلدان أخرى. ولهذا، فهي تستعرض قوتها العسكرية، حيث تستخدم كل الأسلحة (عدا النووية، على الرغم من أن بوتين هدد بها)، من أحدث الطائرات وأكثرها فتكاً، إلى الصواريخ بعيدة المدى، والقنابل العنقودية والصواريخ الفراغية، وغيرها من أسلحة التدمير.
الحرب الروسية في سورية، إذن، هي من أجل "مكاسب اقتصادية للشركات الروسية". هكذا كل إمبريالية، فقد فعلتها أميركا الإمبريالية في أفغانستان، وخصوصاً في العراق، ولقد استخدمت أحدث الأسلحة كذلك، وقامت بالتدمير أيضاً. لكن، ربما تتفوق روسيا على ما فعلته أميركا في العراق، حيث إنها تستخدم سياسة التدمير الشامل وتشريد الشعب، وقصف المستشفيات والمدارس والأحياء الشعبية، ومخيمات اللاجئين، والمصانع والأسواق الشعبية. إنها تتبع سياسة الأرض المحروقة، كما فعلت في الشيشان، وهي بذلك تطوّر سياسة النظام الوحشية، وتعزّزها بأسلحة في غاية التطور والفتك. فقد وسّعت التدمير والقتل، وحتى الإبادة.
إنها إمبريالية متوحشة، تمارس كل الوحشية، لكي تظهر قوة "خارقة"، وذلك كله نتيجة إحساس قادتها ورأسماليتها بأنها مأزومة، وعاجزة عن كسب المنافسة، في مرحلة تشهد الرأسمالية ككل أزمة عميقة لا حلّ لها، وتظهر فيها روسيا كإمبريالية لا تثق بذاتها وبقدراتها، وبمصيرها. لهذا تعكس ذلك في الميل إلى ممارسة الوحشية التي ظهرت في الشيشان، حيث ليس غير القتل والتدمير، ليس لمصلحة نظام فقد شرعيته منذ بدء الثورة، بل من أجل المكاسب الاقتصادية لشركاتها، أي للرأسمالية نفسها، التي يمثلها بوتين، والتي هي ذو طابع مافياوي.
روسيا إمبريالية متوحشة، لكنها ستهزم، فربما تستطيع هزيمة دول، لكنها لن تستطيع هزيمة شعب.
No comments:
Post a Comment