Link
مثلت العصبية، التي ردّت بها طهران على فضح موسكو اتفاقية السماح لها باستخدام قاعدة همذان الجوية (غرب إيران)، لمساندة العمليات العسكرية الروسية في سورية، مناسبةً جديدةً للدلالة على مستوى التوتر المكتوم في علاقة الحليفين المفترضين، إذ وصف وزير الدفاع الإيراني، حسين دهقان، السلوك الروسي بأنه "غير مسؤول"، وفيه "خيانة للثقة"، وهي لغة غير مسبوق تداولها في التعامل الدبلوماسي بين البلدين. كما سدّدت "الفضيحة" ضربةً جديدة "لتيار موسكو" في طهران، والذي يواجه، منذ فترة، صعوبة في تفسير السلوك الروسي في الحرب السورية، خصوصاً في ضوء إحجام روسيا، أحياناً، عن تقديم الدعم الجوي "المناسب" لقوات إيران ومليشياتها، ما يتركها مكشوفة بالكامل أمام قوات المعارضة السورية، كما حصل، أخيراً، في خان طومان ومعارك فك حصار حلب. فوق ذلك، تحاول إيران ابتلاع حقيقة ارتباط الروس بتفاهمات مع الإسرائيليين، يشهد على عمقها زيارة بنيامين نتنياهو موسكو أربع مرات في الأشهر التسعة الأخيرة، للتنسيق ميدانياً في سورية، وانخراط الروس في مباحثات جدية مع الأميركيين لترتيبات أمنية في سورية، بعيداً عن أعين حلفائهم المتوجسين في طهران.
وكانت إطاحة مسؤول الملف السوري في وزارة الخارجية الإيرانية، حسين أمير عبد اللهيان، في يونيو/ حزيران الماضي، قد كشفت حال الضعف الذي أخذ يعتري "تيار موسكو" الذي يقوده مستشار المرشد للشؤون الخارجية، علي أكبر ولايتي، وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني. ويعد الثلاثي، ولايتي وسليماني وعبد اللهيان، القوة الدافعة وراء دعوة روسيا إلى التدخل في سورية، لإنقاذ إيران من هزيمة محققة صيف العام 2015. ومنذ يونيو/ حزيران الماضي، غدا الملف السوري في عهدة وزير الخارجية، جواد ظريف، وسكرتير مجلس الأمن القومي، الجنرال علي شمخاني، فيما بدا وكأنه إقرار بمسؤولية "الثلاثي" عن خسارة سورية روسيا. وبمجرد تسلمه الملف السوري، بدأ ظريف رحلة التقارب مع تركيا، في محاولة لاستباق نتائج أي اتفاق روسي-أميركي، لا يلحظ مصالح إيران في سورية، خصوصاً في ضوء الدعم الروسي-الأميركي المشترك للأكراد، وتصاعد الحديث في موسكو وواشنطن عن مشاريع تقسيم وفدرلة.
مع ذلك، لا تشذّ الطريقة التي كشفت بها موسكو سر قاعدة همذان في الواقع عن ديدن السلوك الروسي في التعامل مع إيران، وأزماتها المتعدّدة، باعتبارها ورقة ضغط ومساومة في علاقتها المعقدة مع الغرب، خصوصاً واشنطن. لذلك، لا يعد السلوك الروسي هنا جديداً على طهران، ولا يمثل من ثم سبباً كافياً لفهم الغضبة الإيرانية من كشف سر همذان. فعلى الرغم من محاولتها التقارب مع إيران، على امتداد العقد الماضي، مثلاً، لم تكتف روسيا بالسماح بفرض عقوبات قاسية في مجلس الأمن على طهران، بل صوّتت لصالح جميع القرارات التي صدرت عن المجلس، لمنع إيران من امتلاك التكنولوجيا النووية العسكرية، وهي القرارات 1737 (2006) و1747 (2007) و1803 (2008) و1929 (2010). كما امتنعت موسكو، حتى هذا العام، مجاراةً للغرب، عن تنفيذ عقد تم توقيعه قبل ثماني سنوات لتزويد طهران بنظام صواريخ "إس-300"، على الرغم من تسديد قيمته 800 مليون دولار، وقد تقدّمت إيران، بسبب ذلك، بدعوى إلى محكمة التحكيم في باريس، طالبت فيها بتسديد موسكو أربعة مليارات دولار، لعدم التزامها بتنفيذ العقد. وداومت روسيا على رفض صيانة الغوّاصات الإيرانية، التي كانت ستمنح إيران، في حال إعادة تأهيلها، حركة مناورة عسكرية واسعة في الخليج العربي والمحيط الهندي. ولا ننسى، أيضاً، كيف ماطلت موسكو عشر سنوات، لإنهاء بناء مفاعل بوشهر النووي وتجهيزه وتشغيله، بعد أن ظلت تستخدمه أداة للمساومة مع الغرب.
لا تخرج قضية قاعدة همذان عن هذا السياق في التعامل الروسي مع إيران. مع ذلك، أحدثت ما يشبه الصدمة في طهران، لا لشيء إلا لأنها مثلت قمة الإدانة "للشيزوفرانيا" الإيرانية، المتمثلة بازدواجية الخطاب والسلوك، الناشئة عن علاقة بنيوية مرتبكة ومعقدة بين إيران الخمينية والعالم. هنا، يمكن أن يسير كل شيء بصورة جيدة، طالما ظل سرياً، من "إيران غيت" وصفقة الأسلحة مع إسرائيل، إلى "همدان غيت" وخرق نص الدستور. هنا، لم يدرك الروس ربما أنهم ضربوا على أكثر الأوتار حساسيةً في السيكولوجيا الإيرانية، إذ أسقطوا التقية في همذان، فغضبت إيران.
وكانت إطاحة مسؤول الملف السوري في وزارة الخارجية الإيرانية، حسين أمير عبد اللهيان، في يونيو/ حزيران الماضي، قد كشفت حال الضعف الذي أخذ يعتري "تيار موسكو" الذي يقوده مستشار المرشد للشؤون الخارجية، علي أكبر ولايتي، وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني. ويعد الثلاثي، ولايتي وسليماني وعبد اللهيان، القوة الدافعة وراء دعوة روسيا إلى التدخل في سورية، لإنقاذ إيران من هزيمة محققة صيف العام 2015. ومنذ يونيو/ حزيران الماضي، غدا الملف السوري في عهدة وزير الخارجية، جواد ظريف، وسكرتير مجلس الأمن القومي، الجنرال علي شمخاني، فيما بدا وكأنه إقرار بمسؤولية "الثلاثي" عن خسارة سورية روسيا. وبمجرد تسلمه الملف السوري، بدأ ظريف رحلة التقارب مع تركيا، في محاولة لاستباق نتائج أي اتفاق روسي-أميركي، لا يلحظ مصالح إيران في سورية، خصوصاً في ضوء الدعم الروسي-الأميركي المشترك للأكراد، وتصاعد الحديث في موسكو وواشنطن عن مشاريع تقسيم وفدرلة.
مع ذلك، لا تشذّ الطريقة التي كشفت بها موسكو سر قاعدة همذان في الواقع عن ديدن السلوك الروسي في التعامل مع إيران، وأزماتها المتعدّدة، باعتبارها ورقة ضغط ومساومة في علاقتها المعقدة مع الغرب، خصوصاً واشنطن. لذلك، لا يعد السلوك الروسي هنا جديداً على طهران، ولا يمثل من ثم سبباً كافياً لفهم الغضبة الإيرانية من كشف سر همذان. فعلى الرغم من محاولتها التقارب مع إيران، على امتداد العقد الماضي، مثلاً، لم تكتف روسيا بالسماح بفرض عقوبات قاسية في مجلس الأمن على طهران، بل صوّتت لصالح جميع القرارات التي صدرت عن المجلس، لمنع إيران من امتلاك التكنولوجيا النووية العسكرية، وهي القرارات 1737 (2006) و1747 (2007) و1803 (2008) و1929 (2010). كما امتنعت موسكو، حتى هذا العام، مجاراةً للغرب، عن تنفيذ عقد تم توقيعه قبل ثماني سنوات لتزويد طهران بنظام صواريخ "إس-300"، على الرغم من تسديد قيمته 800 مليون دولار، وقد تقدّمت إيران، بسبب ذلك، بدعوى إلى محكمة التحكيم في باريس، طالبت فيها بتسديد موسكو أربعة مليارات دولار، لعدم التزامها بتنفيذ العقد. وداومت روسيا على رفض صيانة الغوّاصات الإيرانية، التي كانت ستمنح إيران، في حال إعادة تأهيلها، حركة مناورة عسكرية واسعة في الخليج العربي والمحيط الهندي. ولا ننسى، أيضاً، كيف ماطلت موسكو عشر سنوات، لإنهاء بناء مفاعل بوشهر النووي وتجهيزه وتشغيله، بعد أن ظلت تستخدمه أداة للمساومة مع الغرب.
لا تخرج قضية قاعدة همذان عن هذا السياق في التعامل الروسي مع إيران. مع ذلك، أحدثت ما يشبه الصدمة في طهران، لا لشيء إلا لأنها مثلت قمة الإدانة "للشيزوفرانيا" الإيرانية، المتمثلة بازدواجية الخطاب والسلوك، الناشئة عن علاقة بنيوية مرتبكة ومعقدة بين إيران الخمينية والعالم. هنا، يمكن أن يسير كل شيء بصورة جيدة، طالما ظل سرياً، من "إيران غيت" وصفقة الأسلحة مع إسرائيل، إلى "همدان غيت" وخرق نص الدستور. هنا، لم يدرك الروس ربما أنهم ضربوا على أكثر الأوتار حساسيةً في السيكولوجيا الإيرانية، إذ أسقطوا التقية في همذان، فغضبت إيران.
No comments:
Post a Comment