جلبير الأشقر
Link
أن يتهافت الحكّام العرب إلى البيت الأبيض، مقرّ الرئاسة الأمريكية في واشنطن، فأمرٌ اعتدنا عليه منذ مدة طويلة ولا عجب فيه. وقد زالت كرامة العرب برحيل جمال عبد الناصر، الذي يبدو لنا بعد مضي ما يناهز نصف قرن على وفاته وكأن الإرادة القومية العربية بلغت معه ذروتها في الستينيّات، بمعنى أن بلوغ الذروة يليه بالضرورة الانحدار، بل تلاه في حالتنا الاندحار الذي بدأ بهزيمة 1967.
ومع ذلك، بقيت الأنظمة العربية تدّعي نصرة القضية الفلسطينية، «قضية العرب الأولى»، ولو كان الأمر من باب رفع العتب، ليس إلا، ولا يتعدّى البلاغات الرسمية. ومع انتقال المنطقة العربية بعد وفاة عبد الناصر من عصرٍ تمحور حول مصر إلى عصر تمحور حول المملكة السعودية، أي من عصر القومية العربية إلى عصر الأصولية الإسلامية، غدا موضوع الدين يرعى باهتمام رسمي أكبر من الاهتمام بالقضايا الوطنية.
وها أن الحكّام العرب يتخطّون خطّين أحمرين ضربةً واحدة: خطّ الدفاع عن الكرامة الوطنية وخط الدفاع عن الكرامة الدينية. فإن المشهد الذي رأيناه في هذا الصدد خلال الأسابيع الأخيرة لهو حقاً مثيرٌ للاشمئزاز. فقد وصل إلى البيت الأبيض وللمرة الأولى في التاريخ رجلٌ يكنّ عداءً غير مستور للإسلام والمسلمين، محاط بمعاونين بينهم من اشتهر بترويج الأكاذيب والأساطير التي تغذّي رُهاب الإسلام. لا بل تباهى هذا الرئيس بالوفاء بوعده العنصري بسدّ أبواب أمريكا في وجه المسلمين، بالرغم مما أثار ذاك الوعد من احتجاج في شتى أنحاء العالم وفي الولايات المتحدة نفسها. فبعد أسبوع فقط من تولّيه سلطات الرئاسة أصدر قراره التنفيذي المشؤوم بحظر دخول الولايات المتحدة على رعايا سبعة بلدان ذات أكثريات مسلمة، وهو قرار ملطّف عمّا كان ينوي إذ تم لفت نظره إلى أن حظر الدخول على أساس الدين صراحةً مناقضٌ للدستور الأمريكي (والحال أن حتّى قرار الحظر الملطّف قد اصطدم بجدار القضاء الأمريكي).
أما تصريحات الغرام التي صدرت وتصدر عن الرئيس الأمريكي الأرعن إزاء الدولة الصهيونية ورئيس وزرائها فلم تنقطع. ومع أن مستشاري الرئيس الأمريكي قد شرحوا له أن نقل سفارة بلاده لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس من شأنه تفجير الغضب الشعبي ضد أمريكا في العالمين العربي والإسلامي، لا زال يؤكّد على أنه يدرس المشروع ولم يتخلّ عن نيّة تنفيذه.
وقد طلب منه مستشاروه أيضاً أن يُبطل مفعول تصريحاته المبرِّرة للمستوطنات الصهيونية بعد أن شجّعت تلك التصريحات الحكومة الإسرائيلية على إعلان توسيع نطاق المستوطنات، فضلاً عن بناء أعداد كبيرة من الوحدات السكنية الجديدة في المستوطنات القائمة. فكل ما فعله الرئيس الأمريكي هو أنه طلب من صديقه الإسرائيلي أن يتريّث (hold back) لمدة قصيرة جدّاً (for a little bit) في شأن المستوطنات، رابطاً هذا الطلب الودود بإعلان استعداده للقبول بأن تحتفظ الدولة الصهيونية بالضفة الغربيّة، وهو ما قصده بانفتاحه على حلّ «الدولة الواحدة» عوضاً عن «الدولتين».
لو في زمن آخر لقامت في وجه مثل هذا الرئيس الأمريكي عاصفةٌ من التنديد بالإمبريالية الأمريكية مع دعوة الدول العربية إلى مقاطعة أمريكا واستعمال سلاح النفط في وجه حاكمها الجديد، ودعوة الجماهير العربية إلى النزول إلى الشوارع تعبيراً عن سخطها وتضامناً مع الجماهير التي تتظاهر ضد الرئيس الأمريكي داخل الولايات المتحدة بالذات. أما في زمننا الراهن فقد برّرت الإمارات المتحدة قرار الحظر المشؤوم، وأكّدت المملكة السعودية على قناعتها بأن علاقاتها بأمريكا سوف تتوطّد في عهد الرئيس الأمريكي، بينما نرى سائر الحكّام العرب، وبشّار الأسد في طليعتهم، يتسابقون على إبداء مودّتهم تجاه الرئيس الأمريكي وإعلان تطلّعهم هم أيضاً إلى توطيد علاقتهم بواشنطن. وفي هذه الأثناء، يصرّح بعض قادة المعارضة السورية أنهم يتطلّعون بالمثل إلى توطيد علاقاتهم بأمريكا في عهد الرئيس الجديد على قاعدة العداء المشترك لإيران، بينما يفتخر الرئيس اللبناني الجديد، حليف دمشق وطهران بامتياز، بأن يكون أول رئيس دولة في العالم يستقبل زعيمة أقصى اليمين الفرنسي، العنصرية المعادية للمسلمين والمؤيدة المتحمّسة للدولة الصهيونية.
ويبقى السؤال: متى سوف تبلغ منطقتنا الحضيض، بل هل من حضيض لانحطاطها؟
ومع ذلك، بقيت الأنظمة العربية تدّعي نصرة القضية الفلسطينية، «قضية العرب الأولى»، ولو كان الأمر من باب رفع العتب، ليس إلا، ولا يتعدّى البلاغات الرسمية. ومع انتقال المنطقة العربية بعد وفاة عبد الناصر من عصرٍ تمحور حول مصر إلى عصر تمحور حول المملكة السعودية، أي من عصر القومية العربية إلى عصر الأصولية الإسلامية، غدا موضوع الدين يرعى باهتمام رسمي أكبر من الاهتمام بالقضايا الوطنية.
وها أن الحكّام العرب يتخطّون خطّين أحمرين ضربةً واحدة: خطّ الدفاع عن الكرامة الوطنية وخط الدفاع عن الكرامة الدينية. فإن المشهد الذي رأيناه في هذا الصدد خلال الأسابيع الأخيرة لهو حقاً مثيرٌ للاشمئزاز. فقد وصل إلى البيت الأبيض وللمرة الأولى في التاريخ رجلٌ يكنّ عداءً غير مستور للإسلام والمسلمين، محاط بمعاونين بينهم من اشتهر بترويج الأكاذيب والأساطير التي تغذّي رُهاب الإسلام. لا بل تباهى هذا الرئيس بالوفاء بوعده العنصري بسدّ أبواب أمريكا في وجه المسلمين، بالرغم مما أثار ذاك الوعد من احتجاج في شتى أنحاء العالم وفي الولايات المتحدة نفسها. فبعد أسبوع فقط من تولّيه سلطات الرئاسة أصدر قراره التنفيذي المشؤوم بحظر دخول الولايات المتحدة على رعايا سبعة بلدان ذات أكثريات مسلمة، وهو قرار ملطّف عمّا كان ينوي إذ تم لفت نظره إلى أن حظر الدخول على أساس الدين صراحةً مناقضٌ للدستور الأمريكي (والحال أن حتّى قرار الحظر الملطّف قد اصطدم بجدار القضاء الأمريكي).
أما تصريحات الغرام التي صدرت وتصدر عن الرئيس الأمريكي الأرعن إزاء الدولة الصهيونية ورئيس وزرائها فلم تنقطع. ومع أن مستشاري الرئيس الأمريكي قد شرحوا له أن نقل سفارة بلاده لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس من شأنه تفجير الغضب الشعبي ضد أمريكا في العالمين العربي والإسلامي، لا زال يؤكّد على أنه يدرس المشروع ولم يتخلّ عن نيّة تنفيذه.
وقد طلب منه مستشاروه أيضاً أن يُبطل مفعول تصريحاته المبرِّرة للمستوطنات الصهيونية بعد أن شجّعت تلك التصريحات الحكومة الإسرائيلية على إعلان توسيع نطاق المستوطنات، فضلاً عن بناء أعداد كبيرة من الوحدات السكنية الجديدة في المستوطنات القائمة. فكل ما فعله الرئيس الأمريكي هو أنه طلب من صديقه الإسرائيلي أن يتريّث (hold back) لمدة قصيرة جدّاً (for a little bit) في شأن المستوطنات، رابطاً هذا الطلب الودود بإعلان استعداده للقبول بأن تحتفظ الدولة الصهيونية بالضفة الغربيّة، وهو ما قصده بانفتاحه على حلّ «الدولة الواحدة» عوضاً عن «الدولتين».
لو في زمن آخر لقامت في وجه مثل هذا الرئيس الأمريكي عاصفةٌ من التنديد بالإمبريالية الأمريكية مع دعوة الدول العربية إلى مقاطعة أمريكا واستعمال سلاح النفط في وجه حاكمها الجديد، ودعوة الجماهير العربية إلى النزول إلى الشوارع تعبيراً عن سخطها وتضامناً مع الجماهير التي تتظاهر ضد الرئيس الأمريكي داخل الولايات المتحدة بالذات. أما في زمننا الراهن فقد برّرت الإمارات المتحدة قرار الحظر المشؤوم، وأكّدت المملكة السعودية على قناعتها بأن علاقاتها بأمريكا سوف تتوطّد في عهد الرئيس الأمريكي، بينما نرى سائر الحكّام العرب، وبشّار الأسد في طليعتهم، يتسابقون على إبداء مودّتهم تجاه الرئيس الأمريكي وإعلان تطلّعهم هم أيضاً إلى توطيد علاقتهم بواشنطن. وفي هذه الأثناء، يصرّح بعض قادة المعارضة السورية أنهم يتطلّعون بالمثل إلى توطيد علاقاتهم بأمريكا في عهد الرئيس الجديد على قاعدة العداء المشترك لإيران، بينما يفتخر الرئيس اللبناني الجديد، حليف دمشق وطهران بامتياز، بأن يكون أول رئيس دولة في العالم يستقبل زعيمة أقصى اليمين الفرنسي، العنصرية المعادية للمسلمين والمؤيدة المتحمّسة للدولة الصهيونية.
ويبقى السؤال: متى سوف تبلغ منطقتنا الحضيض، بل هل من حضيض لانحطاطها؟
٭ كاتب وأكاديمي من لبنان
No comments:
Post a Comment